انتخاب عماد الدربالي رئيسا للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    القصرين: إصابة تلميذين إثنين بالة حادة داخل حافلة نقل    انتاج دجاج اللحم يعرف منحى تصاعديا خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    وزارة الفلاحة : 1350 مليون دينار كلفة تثمين مياه أمطار الجنوب الأخيرة    أبرز مباريات اليوم الجمعة.    كأس تونس لكرة السلة: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ربع النهائي    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    حادثة انفجار مخبر معهد باردو: آخر المستجدات وهذا ما قررته وزارة التربية..    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    معرض تونس الدولي للكتاب يفتح أبوابه اليوم    يورغن كلوب: الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيدنا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    كميّات الأمطار المسجلة بعدد من مناطق البلاد    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. بحثا عن تعبيد الطريق إلى النهائي    وزارة الفلاحة: رغم تسجيل عجز مائي.. وضعية السدود أفضل من العام الفارط    عاجل: زلزال يضرب تركيا    تفاصيل القبض على 3 إرهابيين خطيرين بجبال القصرين    تنبيه/ رياح قوية على هذه المناطق في تونس..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الاخيرة    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    عاجل/ وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما..    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    مستجدات الوضع الصحي للأستاذ الذي تعرض للطعن على يد تلميذه..    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    قيس سعيد يُشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض الكتاب    استثمارات متوقعة بملياري دينار.. المنطقة الحرة ببن قردان مشروع واعد للتنمية    الاحتلال يعتقل الأكاديمية نادرة شلهوب من القدس    المصور الفلسطيني معتز عزايزة يتصدر لائحة أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم لسنة 2024    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 19 افريل 2024    عاجل/ مسؤول إسرائيلي يؤكد استهداف قاعدة بأصفهان..ومهاجمة 9 أهداف تابعة للحرس الثوري الايراني..    الافراج عن كاتب عام نقابة تونس للطرقات السيارة    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    القيروان: هذا ما جاء في إعترافات التلميذ الذي حاول طعن أستاذه    غلق 11 قاعة بمعهد دوز و السبب ؟    رفعَ ارباحه ب 43%: بنك الوفاق الدولي يحقق أعلى مردود في القطاع المصرفي    ثبَتَ سعر الفائدة الرئيسي.. البنك المركزي الصيني يحافظ على توازن السوق النقدية    تجهيز كلية العلوم بهذه المعدات بدعم من البنك الألماني للتنمية    الخارجية: نتابع عن كثب الوضع الصحي للفنان الهادي ولد باب الله    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤرخ الهادي التيمومي : الكتابة التاريخية السياسية ..متشنجة وموجهة وعاطفية
نشر في الصريح يوم 26 - 02 - 2018

ببادرة من الجمعية التونسية للتربية والثقافة التي يرأسها المربي الأستاذ رضا الكشتبان وبالاشتراك مع دار الكتب الوطنية التأمت ندوة علمية بعد ظهر يوم الجمعة 23 فيفري المنقضي أرادها من كان وراءها تكريما للأستاذ الجامعي والمؤرخ والمفكر اليساري الهادي التيمومي على الجهد الكبير الذي يبذله في قضايا الفكر وقضايا التاريخ المعاصر واحتفاء بإصداره الجديد الذي اختار له عنوانا " إلى الساسة العرب : ارفعوا أيديكم عن تاريخنا " وهو الكتاب الثامن عشر الذي يضاف إلى مدونته الثرية.
في هذه الندوة التي حضرها عدد من أصدقاء المحتفى به من أساتذة الجامعة التونسية تم التطرق إلى قضية راهنية تكثّف الحديث عنها بعد الثورة وكثر الحديث بخصوصها خاصة بعد الشهادات الحية التي قدمت في هيئة الحقيقة والكرامة المتعلقة بالانتهاكات التي حصلت بعد الاستقلال هذه القضية هي كيف نكتب تاريخنا بطريقة تقربه إلى حقيقة ما حصل فعلا ؟ وبأي منهجية يمكن للمؤرخ أن يكتب أحداث الزمن الراهن تعكس الحقيقة التاريخية التي يبحث عنها الجميع ؟ وتم التساؤل حول من له أحقية كتابة التاريخ هل يكتبه السياسي ومن يحكم ؟ أم يكتبه المعارض للحكم والجهات غير الرسمية ؟ أم يكتبه المؤرخ وصاحب الاختصاص ؟ وإذا سلمنا بأسبقية المؤرخ فهل نطمئن لعمل هذا الأخير من عدم انحيازه للسياسي ومن عدم انحيازه لقناعته الايديولوجية ؟ وفي هذا الأطار هل نطلب من المؤرخ أن يلتزم الحياد الايديولوجي ويفصل الذاتي عن الموضوعي ؟
في كتاب إلى الساسة العرب إرفعوا أيديكم عن تاريخنا يتناول الهادي التيمومي قضية مهمة جدا ودقيقة في كتابة التاريخ نجدها تقريبا في كل التاريخ العربي وهي تدخل رجل السياسة في عملية الكتابة التاريخية لذلك فهو يعتبر أن لدي كل الشعوب والأمم سردية تاريخية رسمية يكتبها رجل السياسة ومن يحكم وسرية تاريخية أخرى يكتبها المؤرخ المحترف فالفكرة المحورية والرئيسية التي يدور حولها هذا الكتاب هي المطالبة بضرورة ان يتنحى رجل السياسة عن كتابة التاريخ وأن يترك هذه المهمة للمؤرخين غير أن التيمومي ينبه إلى أن المقصود بالسياسيين ليس الكيانات الحاكمة ودوائرها ومن يدور في فلكها وإنما كذلك الحركات السياسية المعارضة ودوائرها فلكل واحد من هذه الدوائر السياسية سرديتها للأحداث التاريخية وقراءتها لما حصل وهي سرديات يعتبرها مؤدلجة وموجهة ومنتقاة وتبتعد عن الحقيقة التاريخية كما ينبه عند كتابة التاريخ من طرف المؤرخ المحترف إلى ضرورة أن يفصل الايديولوجي عن التاريخي ووضع مسافة بين قناعات المؤرخ وانتمائه الفكري وبين ما يحصل من أحداث فعملية الكتابة التاريخية الموضوعية التي تعكس حقيقة التاريخ تتطلب أن يتخل المؤرخ عن ايديولوجيته وانتمائه الحزبي - وهي عملية عسيرة وصعبة - عند كتابه للتاريخ.
يعترف الهادي التيمومي بأن السردية التاريخية التي يكتبها السياسي مهمة وضرورية لتحقيق اللحمة الوطنية وتجنب الخلاف وأن السياسي يحتاج إلى سردية من زاوية نظره يحقق بها الاندماج الوطني المطلوب ولكن الخطورة في هذا المقصد من كتابة التاريخ من قبل السياسي أنها تصطدم بمعضلة كبيرة وهي الانتقائية واختزالية في قراءة الأحداث فما حصل مثلا في السردية التونسية أن من كتب التاريخ قد تجاوز محطات تاريخية مهمة لم يسلط عليها الضوء بالقدر الكافي وتجاوز أحداث أخرى وجزئيات وتفاصيل مهمة قد يؤدي ذكرها إلى تغيير في مسار السردية التاريخية أو تقديم صورة مغايرة عن الرواية الرسمية للتاريخ.
المشكلة في هذا النوع من الكتابة المسيّسة هي أنها تجعل الكثير من الناس يشكون فيما كتب من أحداث ويطالبون باستمرار بإعادة كتابة التاريخ وفق نظرتهم هم للأحداث وفي هذا النوع من الكتابة التاريخية التي يتولاها السياسي نكون أمام أكثر من سردية تاريخية وهي سرديات كلها مؤدلجة وانتقائية ومغيبة لأحداث لا تخدم روايتها وتكون مركزة على أحداث لا نجدها في السرديات الأخرى وفي كل الحالات نكون أمام تاريخ مشوه ومنقوص ومشكوك في صحته أو على الاقل لا يحضا بالثقة في جزء من أحداثه ومحطاته.
والمشكلة الأخرى في الكتابة التاريخية السياسية هي أنها كتابة متشنجة ومتسرعة وموجهة وعاطفية وتبتعد من غايتها البحث الحقيقة و تقديم صورة ناصعة البياض عن الزعيم والحاكم كما هو الحال في السردية التونسية التي كانت في البداية ردة فعل عن التاريخ الذي كتبه المستعمر ورفضا لما كتبه مؤرخوه واعتباره تاريخا لا وطني وتقديم بدل ذلك رواية مضادة لرواية المحتل اعتبرت تاريخا موازيا يبحث عن الحقيقة غير أن هذا الاتجاه قد تغير بعد عشر سنوات من الاستقلال لنجد أنفسنا أمام تاريخ رسمي وسردية كتبها المنتصر وفرضها الرئيس بورقيبة جعل التاريخ المعاصر ينحصر في شخصه الأمر الذي دفع معارضوه إلى كتابة سرديتهم الخاصة بهم لذلك ظهرت بعد الاستقلال سردية تاريخية من وجهة نظر قومية وأخرى يسارية وثالثة إسلامية وكل هذه الروايات هي كتابة تاريخية حاولت تجاوز من نقص من أحداث التاريخ الرسمي والادعاء بأنها هي التاريخي الصحيح والحقيقي .
المهم في كتاب الهادي التيمومي هو دعوته إلى تحرير التاريخ من الايدولوجيا والابتعاد بالكتابة التاريخية عن التوظيف والقراءة السياسية وهو ما يطرح إشكالية العلاقة بين الساسة والتاريخ والذاتي والموضوعي في الكتابة الموضوعية وسؤال هل يمكن أن ننجز كتابة تاريخية هادئة بعيدة عن الأسلوب النفسي والمنهج القطعي وعن الرؤية الواحدة . والسؤال الذي يثيره هذا الكتاب ويفرضه تحليل صاحبه هو إلى أي حد التزم الهادي التيمومي وهو المؤرخ الماركسي بهذا المطلب فصل الايديولوجية عن التاريخ ؟ وهل كان في كل ما كتبه كمؤرخ قد تخلى عن انتمائه الفكري وحرر كتابته من الايدولوجيا خاصة في مطلب إعادة كتابة التاريخ التونسي في بعض محطاته التي اتضح أنها تحتاج إلى إعادة قراءة جديدة وكتابة مختلفة عن الرواية الرسمية حيث فاجأنا التيمومي برفضه لهذه الدعوة واعتباره أن التاريخ التونسي لا يحتاج الى كتابة جديدة أو اعادة كتابة وأن ما كتب كان في مجمله صحيحا فكيف يوفق بين هذا الموقف وبين اعتباره أن التاريخ هو إعادة كتابة لا تنتهي وأن كل كتابة تاريخية يكتبها السياسي هي كتابة موجهة للتاريخ وفي خدمة أغراضه الخاصة وهو على استعداد من أجل مصلحته أن يشوه ويزور التاريخ ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.