اعتدلت عائشة في جلستها واشعلت سيقارة واطلقت زفرة قوية اثارت اهتمام كل حرفاء المقهى وغالبت دموعها ونقرت اصابعها على الطاولة نقرات سريعة متتالية وبدات تحكي عن ماساتها وكانت البداية بظهور الشيخ حمودة في حياتها الذي اقتحم مملكتها الهادئة...والجميلة...وان كانت مملكة بسيطة..ومتواضعة...ومتقشفة...فقلبها راسا على عقب...وحدث فيها ما يشبه العاصفة...لقد تعرفت عليه في المدرسة الابتدائية بضاحية الزهراء...كان هو المدير...وكانت هي المعلمة الاولى...وكانت العلاقة بينهما عادية جدا...وكلاهما يؤدي مهمته ثم يفترقان فلا علاقة خارج المدرسة ..ولا حتى دردشة خاطفة بينهما...هو في مكتبه..وهي في قسمها..وقليلا ما يلتقيا...واذا ما التقيا فان اللقاء يتم في القسم وبسرعة ولايتجاوز حديثهما شؤون المدرسة من دروس وامتحانات....ولكنها لاحظت ان الشيخ حمودة اصبح بعد فترة غير طويلة يضغط على يدها عند السلام عليها...ويركز نظره على مناطق معينة من جسمها..ويثني على ذوقها في اختيار ملابسها...بل عبر لها ذات مرة بصراحة عن اعجابه به...وتفطنت الى انه في كل مرة يطيل النظر لها من الخلف...وقد اعترف لها في مابعد ان هذا الخلف هو بالذات الذي اعماه واصمه..وقد عبر لها عن هذا الاعجاب الجنوني بقوله (الحق...الحق..عين الشيخ جات في الشحمة)...واستمرت العلاقة بينهما عادية ولكن فيها شيء من الاعجاب من طرف واحد.الى ان صارحها ذات يوم وقد التقيا امام المدرسة بانه لم يعد يتحمل نار العذاب ...وقد فوجئت بهذا التصريح الذي لم تتوقعه...والذي يشبه اعلان حب على طريقة المسلسلات التلفزية...وسارع الى طمانتها بان (نيته طيبة...ويطلبها في الحلال...)ووعدها بان يوفر لها كل اسباب السعادة ..والراحة...والنعيم..والح على كلمة النعيم ..واضاف انهما معا سيكونان بحل الله تعالى من اهل النعيم لانهما حسب تقديره من الابرار الذين هم مثلما جاء في القران الكريم في نعيم...واعجبها كلامه ولكن خجلها منعها من ان تنطق بكلمة فتركته ومضت...ثم عاد مرة اخرى يعرض عليها ما عرضه عليها في المرة السابقة..فطلبت منه التريث...ومهلة للتفكير...وقالت له (الصوف يتباع بالرزانة يا شيخ)...فابتسم واحس انها بدات تلين وتهلل وجهه وعاد الى تركيز بصره على المناطق المتفجرة في جسدها الطري ..الناعم...الذي يميل الى سمرة محببة...واكتناز شهي...وانشغلت هي بالموضوع...وراحت تسال عنه من يعرفه...فعرفت انه على ابواب التقاعد...وان زوجته توفيت منذ بضعة سنوات في حادث غامض...اذ وجدوها ذات صباح في بئر الفيلا ...ولم يتزوج حزنا عليها مثلما اشاع بين الناس...وقال لها البعض انه من المتشددين الاسلاميين...بينما قال لها البعض الاخر انه رجل طيب (ويعمل الخير برشة)..ومتدين...ومحافظ...(ومخماخ برشة)...وفكرت مليا في العرض الذي اعتبرته فرصة ربما تكون اخيرة فهي بدات تقترب من العنوسة...بل انها اصبحت قليلة الزيارة لامها في قرية بني مطير حيث ولدت ونشات..لانها في كل زيارة تسمع من امها تقريعا..ولوما...وتوبيخا..لانها (بنت بايرة)..وكثيرا ما تلتمس العذر لامها المسكينة لان اهل القرية يتغامزون عليها ...ويتندرون بها ...ويلقبونها ب(ام البايرة)..فكرت طويلا ...وبحثت العرض من عدة جوانب..(وطلعت وهبطت)...وقررت ان (تهبلو اكثر) ثم لن تقبل الا بشروط هي تحددها (واولها وفقة وعقابها سلامة)..واعتبرت ان زواجها هذا لا يمكن ان يكون الا صفقة تجارية...وخير الصفقات هي التي تحقق اكثر ما يمكن من الارباح...والمكاسب..والمغانم...