سنة 2011 التي أعلنت سنة وطنية لمكافحة السرطان من قبل الرئيس المخلوع، تحولت بفعل الثورة الشعبية المندلعة بعد أسبوعين فقط من دخولها، إلى سنة مكافحة نظامه الفاسد، واستئصال ورم حكمه الخبيث الذي تغلغل على مدى 23 عاما مخلفا آثارا ودمارا في كل عضو من جسد البلاد... جسد تونس التي تثبت لنا إحدى الوثائق الراجع تاريخها إلى سنة 1998، أنه قد تداولت على نهب واغتصاب خيراتها، مجموعة من العائلات المحيطة بالرئيس المخلوع، شكلت في معظمها، وخصوصا عائلتي الطرابلسية وبن علي، مافيا بأتم معنى الكلمة... أما الوثيقة التي حصلنا عليها من مصادر خاصة، فهي في شكل تحقيق ميداني قامت به قوى المعارضة التونسية الناشطة في الداخل، حول هذه العائلات التي تولّت ممارسة النهب المنظم لخيرات تونس من سنة 1991 إلى 1998، مع الإشارة إلى أن صحيفة الجرأة الأسبوعية الصادرة في باريس، سبق لها نشر الوثيقة في عددها السابع والثلاثين الصادر سنة 1998 وفي عدديها 42 و43 من نفس السنة. عائلة الصديق الشخصي لبن علي لهفت ملايين الدولارات أما العائلة الأولى من العائلات المحيطة بالرئيس المخلوع، والمشاركة في مخطط النهب المنظم على مدى 7 سنوات متتالية، والتي نأسف لعدم التمكن من ذكر اسمها، أو على الأصحّ اللقب المعروفة به، نظرا لأنه لم يشملها بعد قلم التحقيق، فإنها العائلة المكوّنة من 3 إخوة، أولهم كان صديقا شخصيا للرئيس المخلوع لمدة طويلة. وهذه العائلة حسب ما تكشف عنه الوثيقة التاريخية، كان لها باع وذراع في دنيا المقاولات في الأشغال العمومية، مع امتلاكها القدرة على تشكيل وإعادة تشكيل الحكومات طيلة السنوات الخمس الأولى من تاريخ حكم بن علي. وأمكن لهذه العائلة أيضا الاستحواذ على ملايين الدولارات بفضل احتكارها واستحواذها على أسواق المقاولات في قطاع البناء، بالقطاعين العمومي والخاص. لكن، بسبب خلاف نشب بين أحد الإخوة بهذه العائلة والرئيس المخلوع بن علي، انهارت كامل قوى العائلة. وتذكر الوثيقة، أن الأصل في حدوث الشرخ العميق في الصداقة التي جمعت أحد الإخوة الثلاثة في العائلة ببن علي، هو دخول عائلة ليلى الطرابلسي على الخطّ، للمنافسة على مخطط النهب. وبعد أن انهارت كل معالم الصداقة، خضعت العائلة لعقوبات صارمة ووضعت تحت الرقابة البوليسية، وأحرقت عدة مقرات لها، وكان لزاما على أعضائها اتّباع سياسة الصّمت، مقابل بقائهم أحياء، وعدم قطف بن علي للرؤوس المعارضة. عائلة يسري في عروق أبنائها دماء الجشع واللصوصية عائلة ثانية يتعذّر علينا أيضا ذكرها، للأسباب السالف شرحها، وهي التي ظهرت مع صعود بن علي للحكم في تونس سنة 1987، ولهذه العائلة ابن تميّز بصفات الطيش والغطرسة وقلة الذمة، واختصّ في نشاطات الاستيراد غير الشرعي للمواد المحظورة كالكحول والسيارات الفارهة الفخمة، إلى جانب إقامة المشاريع المشبوهة مع شركاء إيطاليين وارتكاب عمليات تحيل ونهب وسلب... واستنادا إلى الوثيقة، فإن هذا الابن «العظمة الحارمة» في العائلة، وبقية الأبناء الذين يسري في عروقهم دماء الجشع واللصوصية، كانوا السبب في إقالة والدهم من منصب هامّ في الحكومة وقتها.. أما العائلة الثالثة المحيطة ببن علي، فإنها معروفة لدى الرأي العام، وحسب المعطيات والحقائق الواردة في الوثيقة، فإنها العائلة الأقوى، من حيث القدرة على النهب وعلى الاستحواذ على خيرات البلاد، باجماع كل المراقبين في الداخل، ويرأس هذه العائلة وجه معروف وعلى علاقة مصاهرة مع الرئيس المخلوع، لكننا نأسف جدا لعدم التمكن من نشر التفاصيل الكاملة والدقيقة لمخططات النهب التي توخّاها رئيس العائلة وبعض الأفراد الآخرين، باعتبار أن التحقيق لم يشمل إلى حدّ الآن هؤلاء، وخصوصا رئيس العائلة المعروف، وإن نحن نشرنا بعض النشاطات والأعمال التي كان يمارسها، فسيتمّ الكشف عن اسمه ضمنيّا. لكن سنحتفظ بكل الحقائق والأدلة الثابتة التي تكشف مستور هذه العائلة، فربّما يطال التحقيق رموزها، وتصل إليهم العدالة، خصوصا وأن سرقات العائلة وشركائها منهم بن علي، تقدّر بمئات الملايين من الدولارات مودعة في عدة بنوك أجنبية في أوروبا وفي أمريكا اللاتينية، واستخدمت الأموال أو الثروات المنهوبة لدفع مشتريات الرئيس المخلوع في كل من الأرجنتين وفلوريدا بالولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، افتراض التحويل المتأتي من عملية تبييض الأموال من تجارة المخدرات.. صفقات بأرباح خيالية.. بن علي المخلوع وضع بناته على قدم المساواة في نطاق سياسة النهب، من خلال إشراك الأصهار في عقد الصفقات المحققة للأرباح الخيالية، كالصفقات المتعلقة بشراء الطائرات، والقصور، والعقارات. ولئن لم تثبت الأبحاث والتحقيقات على المستوى القضائي، إلى حدّ الآن تورط بعض العائلات المصاهرة لبن علي في عمليات النهب والسلب، فإن الوثيقة التي بين أيدينا، تقيم أكثر من دليل على أن الثراء الفاحش لها، يدعو لمساءلتها من أين لها هذا..؟ فكيف مثلا لموظف عادي في وزارة ما كماهو الحال مع أحد أصهار الرئيس المخلوع، أن يصبح في ظرف سنوات قصيرة، مالكا لسوق في قطاع يحتكر إيراداته التي تقدّر بملايين الدولارات..؟ عائلة الطرابلسية تتزعّم العائلات المافياوية عائلة الطرابلسي، عائلة ينطبق عليها وصف المافيا، وتتألف من 11 أخا وأختا، أغلبهم مطلوبون للعدالة الآن، منهم من يتحصّن بالفرار، مثل الرأس المدبّر، بلحسن الطرابلسي، ومنهم الموقوفون.. وبالرجوع إلى الوثيقة، فإن مراد الأخ الأصغر لليلى زوجة الرئيس المخلوع، متورط مع ابن أخته سفيان، في تجارة المخدرات في القضية التي انفجرت في جانفي 1998، ولكن على الرغم من اعترافات كل الشباب الموقوفين بأن مراد وابن أخته هم الممولون الرئيسيون للمخدرات، إلا أن البوليس لم يحقق معهما.. أما بلحسن الطرابلسي، فبعد زواج أخته من بن علي، طلق زوجته الأولى، وتزوّج ابنة الهادي الجيلاني (المستقيل من منظمة الأعراف). واشتهرت عائلة الطرابلسي باختلاس الموروث العقاري للدولة، بعد أن وضعت يدها على عقارات تعود ملكيتها إلى أجانب، بطريقة غير شرعية، عن طريق استخدام الحيل وتزوير الوثائق. وأمكن لبلحسن الطرابلسي بهذه الوسائل التحيّلية، أن يحصل على قطعة أرض تمسح عدة هكتارات في رأس قرطاج في المنطقة السياحية، لبناء فندق سياحي. وتشير الوثيقة إلى أن إعلانا في الصحافة في شهر ماي سنة 1998، بطرح بيع مساحات من الأرض المذكورة إلى الخواص بقيمة 300 دولار للمتر المربع، في حين أن قطعة الأرض الممنوحة لبلحسن الطرابلسي كانت بسعر رمزي هو 30 دولارا للمتر المربع الواحد. وفي ضاحية ڤمرت، تفوّق مراد الطرابلسي على أخيه في الأعمال التحيليّة، إذ منحت الدولة قطعة أرض للوكالة العقارية للسكن بمساحة 7 آلاف متر مربع، ولكن مراد حصل عليها بقيمة رمزية هي 30 دولارا للمتر المربع، وقام بعد ذلك بتخصيصها وبيعها من جديد بقيمة 320 دولارا للمتر المربع، مما مكنه من ربح مليوني دولار أمريكي في بضعة أسابيع. وفي منطقة المرسى قام بشراء قطعة أرض تقع في منطقة مصنّفة أثرية بسعر رمزي، وقامت الدولة بأوامر من الرئيس المخلوع باسقاط صفة الأثرية عن قطعة الأرض هذه، وتحويلها إلى منطقة حضريّة، ليغنم مراد بعد تخصيص الأرض وبيعها ب320 دولارا للمتر المربع. ويعتبر الابتزاز المالي من أخطر ممارسات أعضاء عصابة الطرابلسي إزاء رجال الأعمال والشركات الوطنية والدولية. وسنعود في عدد لاحق إلى بقية ما قامت به عائلتا الطرابلسي وبن علي من جرائم سلب ونهب لخيرات تونس وثروات اقتصادها.