مَن مِن المواطنين لم يذهب يوما لإدارة في ولايته ليقابل مدير الادارة أو موظفا فيها ويقال له: انه غير موجود، انه في اجتماع؟ مَن مِن المواطنين والمواطنات لم يسمع في نشرات اخبار الاذاعات والتلفزة اخبارا تتحدث عن الوزير الفلاني قد سافر الى ولاية كذا وعقد اجتماعا شرح فيه وبيّن ووضّح أهداف رئيس الدولة في نقطة من نقاط مشروعه وبرنامجه الرئاسي؟ (وكم مرضنا بنقطه). من منّا لم يشاهد عبر التلفزة العشرات من الاطارات الادارية في الولاية قد جلسوا على كراسي الفرجة وقضوا ساعات وصرفوا طاقات وهم يستمعون الى السيد الوزير يشرح ويحلل ويقدّم درسا موضوعه (نقطة كذا من برنامج رئيس الدولة) (المخلوع)؟ من منّا لم يسمع في نشرات الاخبار أن رئيس الدولة (المخلوع) طلب في مجلس الوزراء من وزرائه أن ينتشروا عبر الولايات ليوضحوا خطابا جديدا ألقاه؟ (وكم كان الرجل يخطب ويثرثر). ومن من إطارات الدولة ومثقفيها ونخبها لم يدع مرارا في السنة الواحدة الى قصر قرطاج لا لشيء الا ليجلس على كرسي ويسمع خطاب رئيس الدولة (المخلوع) ويصفق وفاقا أو نفاقا؟ تلكم الاجتماعات منطلقاتها ثرثرات رئيس الدولة (المخلوع) والى جانبها وتضاف اليها اجتماعات في مراكز الولايات تعقد في لجان التنسيق تدعو اليها اطارات الولاية مع هيئات شعب التجمع ليستمعوا الى محاضرة يلقيها عضو الديوان السياسي أو عضو اللجنة المركزية، حتى اذا ضاعت على الحاضرين والحاضرات طاقات وأوقات وانتهى الاجتماع خرجوا بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها ورؤوس منفوخة؟ تلكم الاجتماعات المتعددة والتي تسرق من المجتمع عبر اطاراته ساعات وساعات وساعات وعشرات الساعات طيلة السنة كان والي الجهة يحرص على حضورها ويصرف الوقت فيها ولما يزور المواطن صاحب الحاجة الولاية ويطلب مقابلة الوالي يقال له: انه غير موجود، أو يقال له (الوالي ماهوش فاضي) وهو (فاضي الاجتماعات التطبيل والتزمير والنفاق)! هذه الاجتماعات التي أكلت وأحرقت وأهدرت من مسيرة المجتمع التونسي طاقات وساعات في السياسة الحزبية بدأت في عهد بورڤيبة وزادت وكثرت في عهد الطاغية المخلوع. وكنت انتقدها، ولقد وقفت سنة 1968 في مؤتمر لجنة التنسيق بصفاقس وناديت بإيقافها وإبطالها وترك الوزير حين يزور أي ولاية يؤدي زياراته في الاكتشاف والاطلاع لا في الاجتماعات وقد صفق المجتمعون الحزبيون لاقتراحي.. ثم بقيت حليمة على عادتها القديمة. ولما زرت الولاياتالمتحدةالامريكية منذ أربع سنوات اكتشفت ان الأمريكيين لا يجتمعون الا ليلا أي بعد فراغ كل عامل من عمله، وشاهدت قاعات الاجتماعات ملأى، والكلمة للحوار لا للخطب والتصفيق. وكتبت رسالة فيما شاهدته ونشرتها في الصريح راجيا ان تكون اجتماعاتنا مثلهم ولكن رجائي خاب. واليوم ونحن نتحرر من عهد الطاغة وعهد الحزب الحاكم، وندخل عهد ثورة الكرامة، والشعب ينتظر تحرّك المجتمع في مسيرات العمل والفعل والقطع مع عهود القول والثرثرة. اليوم هل ننتظر من الحكومة المؤقتة اصدار قانون يمنع كل المنظمات وكل الاحزاب من دعوة أي إطار أو موظف أو عامل لاجتماع يعقد نهارا وفي ساعات عمله؟ اليوم هل ننتظر من الحكومة المؤقتة أن تثور على سياسة الاجتماعات السياسية النهارية وتمنع المنظمات والاحزاب من عقد اجتماعاتها نهارا في أيام العمل؟ اليوم هل ننتظر من الحكومة المؤقتة أن تمنع كافة وزرائها من صرف الوقت في أي اجتماع شعبي عند زياراتهم للولايات؟ اليوم هل ننتظر من الحكومة المؤقتة ان تطلب من كل وزير يزور ولاية من الولايات أن تكون زياراته لأي مؤسسة زيارة عمل واستماع واطلاع ومناقشة من فيها ولا ولن تكون زياراتهم زيارات بركة وزيارات يخططها الوالي حسب هواه؟ اذا تحقق هذا بعد الدرس ألا تكون تونس ثورة الكرامة قد حفظت طاقات وساعات شعب الثورة لتصرف فيما ينفع ويثمر؟ أسأل وأحب أن أفهم..