عندما فتحوا صندوق الزبلة الذي كانوا حبسوا فيه عائشة وجدوها شبه ميتة تتنفس بصعوبة وفي حالة غيبوبة...وعندما تأكدوا انها بالفعل غائبة عن الوعي جاؤوا بمن اسعفها...وحاولت ان تمشي لترافقهم الى مكتب قريب لاستجوابها..ولكن خطواتها كانت بطيئة..ولم تستعد توازنها..وعندما ادخلوها الى المكتب قدموا لها قهوة وقارورة ماء وطلب منها كبيرهم الذي ما ان راته حتى كاد قلبها يتوقف من الخوف فهو اشبه ما يكون بالوحش..طلب منها ان تتعاون معهم والا فانها ستتعرض لمشاكل كبيرة...وستندم على اليوم الذي ولدتها فيه امها...وبطبيعة الحال لم تفهم فاستوضحت منه الامر واذا بلطمة من يد كأنها مطرقة تنزل على وجهها فرات (النجوم في القايلة ) وقال لها صاحب اليد (فمك ما تحلوش كان كيف نقولولك حل كشختك..فهمت والا نزيد نفهمك ...) وبلعت المسكينة لسانها ونظرت الى الاعوان الذين حولها بعيون تدمع..وقلب يتشفع...ونفس تبحث عن الطمأنينة...ولا طمأنينة...وماان اكمل صاحب اليد المطرقة تحذيره حتى تكلم كبيرهم وطلب منه ان (يخطاها...) فهي سيدة محترمة ومتعاونة...وذكية...وتفهم جيدا ان موقفها صعب جدا ..وتعرف كذلك ان جريمة القتل العمد عقابها الاعدام ..ولن تفلت من العقاب فالتهمة واضحة وثابتة...والرجل الذي قتلته زوجها وهو شيخ معروف ..(ربي يرحم الشيخ حمودة...ويلعن الشيطان اللي تسبب في ها الجريمة...الله غالب ..عايشوشة عشقت عشقة هي بيدها ..وما كان قدامها كان تقتل الشيخ باش تلقى حريتها مع العشيق )...ولم تصدق عائشة ما سمعت...وصرخت صرخة الرفض والاحتجاج..وهاجت وماجت ...واتجهت نحو كبيرهم تريد ان تضربه...ولكنهم اسقطوها على الارض قبل ان تصله...وركلوها بأرجلهم وكأنهم يركلون كرة صغيرة...فبكت وتاوهت...وارتفع انينها ..وطلبت منهم الرحمة...وقالت لهم (انا امرأة ضعيفة لم اقتل احدا...و ماعنديش عشيق) ..فضحك الجميع ..وقال لها كبيرهم (تتبهلل علينا يا قح....في بالك احنا نتبلاو عليك) ...وجيء بشاب وسيم مفتول العضلات..وتبدو عليه علامات الاناقة...وملابسه رياضية تدل انه يمارس احدى الرياضات..وشعره (بالجيل)...ووجهه مليح مريح...ولما دخل وراى عائشة تقدم منها وسلم عليها بحرارة..وانحنى ليبوسها ولكن احد الاعوان منعه ..وسالها عن احوالها..وابتسم لها ابتسامة خبيثة..وقال لها كبيرهم (هاو سي الشباب انتاعك عشيقك اللي عاونك على رميان الشيخ حمودة من الشباك..واعترف لنا بكل سهولة...)..ومرة اخرى وجدت عائشة نفسها وكانها في كابوس ثقيل...ولم تفهم شيئا...وهي ترى هذا الشاب لاول مرة..وفهمت انها وقعت فريسة في مصيدة فاستسلمت لقدرها...وابتسمت ابتسامة السخرية...فطلب منها كبيرهم ان تتعاون معهم مقابل انقاذها من جريمة القتل والا فعليها ان تواجه مصيرها وتسلم عنقها للمشنقة...ولم ينس ان يصف عنقها بالجميل المثيرالشهي الطري...واوضح لها مهمتها وهي مهمة مثلما قال لها مهمة وطنية سهلة تتمثل في تزويدنا بكل المعلومات عن الجماعة التي كان ينتمي اليها زوجها الشيخ حمودة...وطلبوا منها ان تتحجب لتستطيع الاندساس اكثر داخل المجموعة والحصول على اخبارهم وتحركاتهم وبرامجهم..ولما اعلمتهم انها لم تكن تهتم بالجماعة ولم تكن تعرف عنها شيئا...ولم تكن تعرف ان الشيخ حمودة يقوم باعمال سرية...ابتسموا جميعهم وقالوا انهم كانوا يعرفون انها امراة تحب الحياة و(الشيخات)..وليست لديها اهتمامات سياسية ..وليست من اصحاب الافكار المتطرفة...ولكنهم الان هم الذين يطلبون منها ان تتظاهر بانها تؤمن بافكار الجماعة...وانها تريد ان يكون لها دورها الذي تلعبه لفائدة الجماعة لتنتقم للشيخ حمودة...وقالوا لها ان الشاب الذي ادعى انه عشيقها هو الذي سيكون همزة الوصل وسيتصل بها في بيتها بين الحين والحين ليتسلم منها الاخبار التي يجب ان تكون مكتوبة في شكل تقرير مفصل ...وعليها ان تشيع ان هذا الشاب واسمه فيصل هو شقيقها وقدعاد من الغربة بعد ان اقام عدة سنوات في ايطليا وهو بصدد اقامة مشروع تجاري في سوسة ... والتزمت عائشة الصمت...وتركت دموعها هي التي تعلن رضوخها ...وقبولها للمهمة...وموافقتها على كل ماطلبوه منها.....وانطلقت كالسهم تبحث عن تاكسي ودموعها قد بللت كل جسمها حتى ان من يراها يظن انها (دوشت) بملابسها..