قررت عائشة ان تتمهل ولا تغادر البيت لما كان يوم الجمعة الموالي الا بعد ان تتعمد رؤية احباب الله واحدا واحدا على غير عادتها فهي لم تكن تعرف عنهم شيئا ولم تر اي واحد منهم...وكانت تجهل حتى عددهم...ولم تكن تهتم بالموضوع اصلا..وكان لا يعنيها بالمطلق...ولكن بعد ان فهمت ان القعدة ليست قعدة عادية..وان المسالة (فيها ان)...وان هناك خفايا..وخبايا..فقد اصبحت حريصة على ان تعرف (مخ الهدرة)...لقد تحركت فيها ماكينة الفضول..وهي ماكينة عندها لا تشتغل كثيرا..وشبه معطلة تماما..ولاتهوى (التنسنيس)..وان كانت تحب (التقطيع والترييش)...وقفت في مكان قريب من الصالة حيث تتم القعدة الاسبوعية ..وهو مكان يتيح لها ان ترى كل من يدخل من اعضاء الجماعة...بينما هم لا يرونها وكانها تراهم من وراء حجاب...وبدا الاعضاء يتوافدون الواحد تلو الاخر..وكانوا كلهم وكانهم جنود فالاعمار متقاربة..والاجسام متشابهة...واللحية الطويلة الكثة توحد بينهم...وكلهم يسعلون ..ويكحون...وكروشهم تتدلى امامهم...وطابع الصلاة يطبع جباههم...اما اللباس الافغاني الذي لا يرتديه الشيخ حمودة عندما يذهب الى المدرسة فهو القاسم المشترك بينهم...وكان عددهم لا يزيد عن عشرة كهول...ولكنها لاحظت ان من بينهم ذلك الشاب الوسيم جدا الذي شغلها طوال يومها واقتحم بصرها اقتحاما مستفزا...انه شاب يختلف عن بقية اعضاء المجموعة كلهم في كل شيء تقريبا..يختلف عنهم في السن ..وفي الوسامة...وفي الوجه المستدير الحليق..وفي اللباس المثير...ان سرواله الضيق الذي يبرز مؤخرته وكانها منحوتة نحتا لونه احمر..وفوق السروال قميص بنفسجي فاقع ..وحول رقبته كشكول من الحرير البيض..وفي عنقه تتدلى سلسلة ذهبية رقيقة...وعندما يمشي وكانه يرقص..وعندما دخل الصالة لم يسلم على الجماعة بتحية السلام عليكم..وانما بتقبيل كل واحد منهم وهو يقول (هاي)..وكان البعض يحتضنونه..ويداعبون شعره الطويل الذي يميل لونه الى الحمرة مثل لون سرواله...وكان لا يكف عن الابتسام ..واظهار اسنانه التي تغطيها شفاه غليظة من الواضح انه تم نفخها في عيادة تجميل مختصة....وقد اثار هذا الشاب شكوك عائشة التي ظلت طوال جلستها الاسبوعية مع صديقاتها بحمام الانف مشغولة البال بامره...وقد اسرعت بالعودة الى البيت لتفك اسرار اللغز (وتفرك الرمانة) مع الشيخ حمودة...ان ماكينة الفضول لديها اشتغلت كما لم تشتغل طوال حياتها...وقد اشعل الشاب ذهولها...ولم تعجب به...ولم ترفضه تماما...ولم تقبله تماما...ولكنه اثار الوحيد من المجموعة الذي استحوذ على اهتمامها...واستغربت وجوده ضمن مجموعة لا يشبههم في شئ...فهم في عالم...وهو في عالم اخر...هم يركبون بحر الفضيلة مثلما يعتقدون ...ويشيعون..وهو يركب بحر الرذيلة مثلما يقولون عن امثاله...هم في القيود وخلف السدود...وهو (مكسر السلاسل)..ويمارس الحرية التي تبلغ حد الاباحية..فكيف يلتقيان...وكيف يجتمعان...وكيف يتعايشان...اسئلة كثيرة عربدت في راسها وما ان وصلت الى البيت ووجدت الشيخ في انتظارها فواجهته باسئلتها ..وعلامات الاستغراب والتعجب تغطي وجهها الجميل...فاعطاها نبذة ضافية عن الشاب الوسيم ...وقال لها انه الطبيب الذي طلب منها ان تذهب اليه ليرقع لها بكارتها ويعيد تصيمها بحيث تعود كما كانت قبل ان يتزوجها...واسمه بيرم ومختص في امراض النساء...ومشهود له في الترقيع...وتقبل عليه الفتيات حتى من ليبيا والجزائر اقبالا رهيبا..ولكن اسمه المعروف به في مجموعة احباب الله ليس بيرم..وانما (الدكتور حلقوم)..واكد لها انه عندما يغيب عن القعدة لسبب من الاسباب فانه يتم تاجيل اللقاء الى الاسبوع الموالي لانه هو الذي به يكتمل النصاب..وتكون القعدة (ماسطة)..وثقيلة...وبلا نكهة...ولا لذة...ولارائحة...ولا طعم...انه نوارة الجلسة..وشمعتها المضيئة...وعوض ان تجد عند الشيخ الاجوبة التي تطيح باسئلتها فقد اعطاها كمية اخرى من التساؤلات ..والشكوك...والظنون السيئة...وقد زاد الشيخ (في الطنبور نغمة) عندما راح يتكلم عن (الدكتور حلقوم) وكانه يتغزل به...ويحكي عنه وكانه يحكي عن الممثلة الامريكية مارلين مونرو...تلك المراة الفاتنة والمثيرة....التي صرعت بجمالها رحال امريكا والعالم بما فيهم الرئيس الامريكي جون كيندي....ومنذ تلك الليلة لم تعد عائشة تنام الا بالحبوب المنومة التي توفرها لها صديقتها صفية صاحبة احدى الصيدليات المعروفة في العاصمة...والتي نصحتها بان تقترب من بيرم وتتعرف عليه لتفهم منه اللغز وتتحرر من صدمتها...قالت لها (طيحو على راسو ورجعو صاحبك وافهم الحكاية بالباء والتاء....والله انا بيدي نحب نفهمها ..تي كيفاش تجي هاذي ...كيفاش يعيشو فار وقطوس في قفص واحد)...ولم تقل عائشة لصديقتها ان (الدكتور حلقوم...ماعندوش راس باش اطيحو منو)...ولكن فكرة تحويله الى (صاحب ) اعجبتها ولم تستبعدها..وقالت لنفسها (علاش لا)...