قلب الليل بلغ مداه...والهدوء خيم على المكان...ونور القمر يتسلل من نوافذ الصالة..ودخان السقائر يرسم الدائرة وراء الدائرة...وعائشة وسط هذا الجو وكأنها نجوى فؤاد ...وبعد ان اعياها الرقص تمددت فوق زربية الصالة...واتخذت شكل السمكة..وتمططت ..وتكاسلت...وداعبت جسدها ..واطلقت الآهات...وتأوهت..وارتخت اعضاء جسدها بفعل الرقص....وفجأة اخترق الهدوء صوت أرعبها...فظنت ان الأرض زلزلت زلزالها...او عاصفة قامت ...لم تفهم..وتجمدت في مكانها فقد اصابها رعب جمد كامل جسمها من رأسها الى قدميها ...وتسارعت دقات قلبها عندما سمعت باب البيت يسقط بفعل ثلاث ضربات وكان (كميونة دخلت فيه )..ثم فجأة وجدت نفسها لا تقوى على الحركة..واللعنات نازلة عليها ومعها رذاذ البصاق...ورائحة الخمر والسقائر الرديئة تقطع انفاسها..وتطلعت الى ما حولها واذا هي ترى مجموعة من رجال اقوياء وجوههم عابسة..غاضبة..ثائرة..لا توحي بغير الرعب..ورأت أسلحة وعصي...وسمعت الكلاب التي كانت ترافق هؤلاء الغرباء تنبح فكاد قلبها يتوقف...وتقدم منها احدهم وانحنى عليها وجذبها بيد واحدة ورمى بها على احد الجدران فتدحرجت وسقطت ..وعفس على بطنها برجله ..ثم ضغط ففقدت القدرة على الكلام وسألها (وينو الطحان انتاعك...تكلم فيسع قبل ما...) وعندما لم تفهم قال لها (وينو الشيخ انتاعك اللي عامل روحو شيخ وهو طحان كبير) فاشارت بيدها الى السلم ..فاخذها ورفعها اى فوق وكانه يحمل قطة ورمى بها في اتجاه التلفزة التي ماان جسدها سقط عليها حتى انفجرت انفجارا احدث دويا مزق قلب الليل... وبسرعة شديدة اتجه كل الغرباء الى السلم يريدون الصعود الى الطابق العلوي حيث ينام الشيخ ..وسمعوا قبل وصولهم صوت ارتطام استنتجوا منه ان الشيخ قفز من النافذة يريد الهروب ...وهو ماكان ... لقد عثروا على الشيخ بملابس نومه في الحديقة وقد انفجرت راسه بفعل الارتطام...وكان فمه وكانه حفرة مملؤوة بالدماء...وطاقم اسنانه خرج من فمه وسقط قرب شجرة ليمون في الحديقة...وكان المنظر مرعبا..ولكن الغرباء لم يروا فيه الا نهاية طبيعية لمجرم انتقمت منه الاقدار ولم تترك الفرصة لعدالة الدولة لكي تقتص منه وفق القانون.... وتم اقتياد عائشة بعد ان تركوها تلقي نظرة على جثة الشيخ ولما ارادت ان تصرخ سدد لها احد الغرباء صفعة اخرستها...فبكت ...وغطت دموعها جسمها الذي كانت لا تغطيه الا بعض الملابس الخفيفة. اقتادوها في ظلام الليل ... في سيارة نوافذها تحجب الرؤية..وتسير بسرعة جنونية..وقد احاط بها اربعة من الغلاظ الاشداء بحيث كانت تتنفس بصعوبة...وحلقها جف فصار وكانه من خشب...وعندما حاولت ان تسال اسكتتها صفعة من نار فاحترقت ...وامتلا انفها رائحة لحم مشوي.. وضعوها في غرفة باردة ومظلمة وضيقة ومقرفة وكل مافيها يوحي بانها صندوق قمامة لم ترفعه البلدية منذ شهور...ادخلوها الى كهف الزبلة ورموا بها ومثلما ترمى اكياس الزبلة...وشعرت بانها تحولت الى جربوع..او فار..او حشرة..او فردة حذاء قديم وممزق رائحته نتنة...تقيات..بكت...ضربت راسها على الحائط...صرخت...فاعتقدت انها غادرت الدنيا..وانها دخلت قبر الموت ...انها في المقبرة وقد تسلمت مكانها الذي ستنتظر فيه يوم الحساب ..وتساءلت بالم شديد (عم ساتحاسب...عم سينالني العقاب...عم سيسالونني...انا الضحية فكيف اصبح انا الجلاد..) حاولت ان تتماسك.. حا ولت ان تتذكر قراءتها عن الصبر...لمعت امامها (وبشر الصابرين...وان بعد العسر يسر..وان الله مع الصابرين..) غير ان دموعها غلبتها فافقدتها القدرة على النظر...وحاولت ان تحصل على اغفاءة فأسندت ظهرها الى الحائط ولكن لدغات لم تعرف مصدرها اجبرتها على الوقوف ولكنها سرعان ما فقدت توازنها ..وانهارت...وغابت عن الوعي الى ان قدموا في صباح اليوم الموالي فوجدوها اشبه ما تكون بالميتة...