كنا في بهو فندق الاوراسي الكبير الواقع على سفح ربوة تطل على العاصمة الجزائرية مجموعة من الشيوخ والاساتذة ورجال الفكر والاعلام نتهيا للعودة الى بلداننا عقب مشاركتنا في اشغال احد ملتقيات الفكر الاسلامي التي ظلت وزارة الشؤون الدينية والاوقاف تعقدها طيلة سنوات عديدة وكان الوزير مولود قاسم رحمه الله الحريص على استمرار انعقادها حيث كان يتابع شخصيا كل فعالياتها بلا كلل أو ملل وكانت اشبه ما يكون بالجامعات الصيفية يحضرها طلبة الجامعات باعداد غفيرة ويشارك في اشغالها اساتذة من الجزائر ومن كل البلدان العربية والاسلامية وشخصيات عامية مرموقة كما يشارك فيها مستشرقون من اروبا وامريكا واسيا وكنت ادعى لحضورها وكان ذلك امتدادا لحضور الشيخ الوالد ومشاركاته المتميزة والتي اتسمت دائما بالجراة والواقعية والتي شدت اليه الانظار وجلبت له الاحترام وكانت محاور ملتقيات الفكر الاسلامي تضبط مسبقا ليستعد لها الباحثون اتم استعداد وكانت الولاياتالجزائرية تتنافس في احتضان هذه الملتقيات كما كانت وسائل الاعلام المسموعة والمراية والمكتوبة تقوم بالتغطية الواسعة لما يدور فيها ثم تتولى الوزارة القيام بنشرها لتعم بها الفائدة قضلا عن بثها طيلة السنة وفي اطار التكامل تولت مجلة جوهر الاسلام نشر الكثير من ابحاث هذه الملتقيات تعميما للفائدة والحديث عن هذه الملتقات لايمكن الاتيان عليه في مقالة بل في مقالات عديدة حسبنا هذه الاشارات الشيخ محمد الغزالي رحم الله "دفين البقيع" ممن عرفتهم واجتمعت بهم من بين عشرات العلماء الذين شاركوا في ملتقيات الفكر الاسلامي من مختلف انحاء العالم الاسلامي استمعت اليه بانصات واهتمام كلما اعتلى المنصة وتناول الكلمة الا وشد الاهتمام فالرجل متمكن من ناصية اللغة العربية فصيح اللسان قوي الحجة واضح الرؤية يتوخى منهج الرفق واللين مسكون بالدعوة الى الله لايترك فرصة تمر الا ويمرر قناعاته التي هي اسلام الرحمة والمحبة واللين وهو في هذا المنهج ظل عليه طيلة حياته وقدلاقى بسببه اذى كبيرا ليس فقط ممن بايديهم السلطة والنفوذ بل من الشيوخ ومن المتعالمين الذين كادوا ان يخرجوه من الملة بسبب مواقفه الجريئة في قضايا المراة وقضية السنة لقد كانت حياة الشيخ مليءة بالمعارك الشريفة النظيفة وهذا لايعني انه كان دوما على صواب لان نقول ذلك ولاندعيه له ولم يدعه لنفسه حسبه رحمه الله انه اجتهد وباخلاص كان الشيخ الغزالى رحمه الله رقيق المشاعر غزير الدمع بكاء من خشية الله اعود الى اليوم الذي كنا معه في بهو نزل الاوراسي وكان الشيخ قدوصلته من القاهرة خبر مفاده انه من بين المطلوبين الذين امر الرءئس السادات بسجنهم في اطار حملته الواسعة التي شنها على معارضيه كان الشيخ الغزالي في حيرة من امره ايعود الى القاهرة ولايدري ماذا ينتظره وكم ستطول مدة ايقافه وكيف سيعامل وهوالشيخ المسن والذي لاشك انه يشتكي من بعض العلل كان بين يدي د يوان الشيخ الوالد ('مع الله) وهو تاملات شعرية جمعتها له بعد وفاته رحمه الله قال لي الشيخ الغزالي ناولني ماعندك لعلني اجد فيه مايسليني ويخفف عن غمتي فناولته الديوان وانطلق بصوته المتهدج يقرا ما وقعت عليه عيناه في استغراق كامل وتاثر كبير متوقفا بين كل مقطع ومقطع مهللا ومكبرا ومترحما على الشيخ الوالد ويقول اين هذا من الادب الهابط الله الله على الشيخ الحبيب لقد كان ربانيا من ربانيي هذه الامة في هذا الزمن الردئء واجهش بالبكاء وفيما نحن واجمين حائرين على الشيخ الغزالي حتى اقبل علينا الشيخ عبد الرحملن شيبان وكان انذاك وزيرا للشؤون الدينية ليبشر الشيخ محمد الغزالى بان الرئيس الشاذلي بن جديد قرر بان يبقى الشيخ الغزالي مكرما معززا في الجزائر الى ان تنجلى الازمة فهنا الحاضرون الشيخ الغزالي الذي مالبث ان سمي رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الامير عبد القادر بقسنطينة ولعل ذلك ببركة المنفرجة التي تضمنها ديوان مع الله ولعلماء تونس منفرجات مجربات في كشف الكروب وما ذلك على الله بعزيز اليس هوالقائل "امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء" صدق الله العظيم