م: أهلا صديقي عكرمة ع: كيف حالك يا أخي م: الحمد لله م: ما رأيك في الديمقراطية؟ ع: كفر و العياذ بالله إنها تشرع لحكم الشعب في حين أن المسلم لا يحب أن يحكم إلا بما أنزل الله، عملا بقوله تعالى: » و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » . م: و لكن هذه الآية لا تعني حصرية الحكم بما أنزل الله و إلا لكانت: ومن لم يحكم إلا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ! ع: ماذا تقصد؟ م: أقصد أن من يحكم بالقرآن و السنة الصحيحة و في نفس الوقت يحتكم إلى اختيار الشعب فيما عدا ذلك، لا يعتبر متعديا على حدود الله. ع: و لكن الله لم يفرط في الكتاب من شيء و كل القوانين تستنبط وجوبا من القرآن و السنة و لا حاجة لاجتهاد البشر خارج النصوص الدينية. م: حسنا أخي عكرمة، ما هو نظام الحكم في الإسلام؟ ع: بالطبع : الخلافة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" . م: و من يختار الخليفة؟ ع: يبايعه المسلمون . م: و ماذا إذا حصل اختلاف بين المسلمين حول الشخص الذي بايعوه؟ ع: نأخذ برأي الأغلبية . م: جيد جدا. و ماذا إذا حاد الخليفة عن أداء واجباته على الوجه الأكمل وقام بتجاوزات خطيرة كالخيانة أو السرقة…؟ ع:يسقطه المسلمون و يعزلوه مباشرة أو عن طريق أهل الحل و العقد و يبايعون غيره. م: من هؤلاء : أهل الحل و العقد؟ ع: صفوة المجتمع . م: و من يعينهم؟ ع: يبايعهم المسلمون . م: و ماذا إذا أختلف المسلمون ؟ ع: يتم الاختيار بالأغلبية . م: و ما دورهم؟ ع: من جملة أدوارهم، مراقبة الخليفة . م: جيد جدا ألا ترى يا صديقي، أن من أهداف الخلافة هو العدل و توحيد الأمة الإسلامية. ع: بالتأكيد، و ذلك هو الهدف المنشود. م: ألا يمكن أن يتحقق ذلك على يدي رئيس منتخب؟ ع: سمه ما شئت: رئيس، قائد، خليفة … المفيد أنه حاكم عادل للدولة الإسلامية الموحدة، و ملتزم بما أنزل الله. م: و ماذا لو أطلقنا تسمية نواب الشعب على أهل الحل و العقد ؟ ع: أهل حل و عقد، نواب الشعب … سمهم ما شئت المفيد هو أن يؤدوا أدوارهم الرقابية على أكمل وجه م: و أدوارهم التشريعية؟ ع: بدأت أضجر منك، فالتشريع هو لله وحده . م: ذكرني لكي أعود لهذا فيما بعد، ماهو النظام الاقتصادي في الإسلام؟ ع: يقوم الاقتصاد في الإسلام على حرية الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و على تحريم الربا، عملا بقوله تعالى : "وأحل الله البيع و حرم الربا" و على فرض الزكاة و على منع تجارة الحرام وعلى عدم الغش و على الإتقان و الإخلاص في العمل و التضامن و التعاون و التراحم. م: و لكن » أحل الله البيع و حرم الربا » لا تعني تحريم الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ! ع: ماذا تقصد؟ م: أقصد أن الاقتصاد يمكن أن يكون ليبراليا أو اشتراكيا أو مختلطا، دونما تعارض مع الإسلام. ع: المفيد و المهم أن لا يتعدى حدود الله. م: و هل تعلم يا أخي عكرمة، أن النظريات الاقتصادية مبنية على أسس علمية و عقلانية و منهجية ارتقت بها لمرتبة النظرية؟ ع: لست مختصا في الاقتصاد حتى أجيبك. م: أنا كذلك لست مختصا في الاقتصاد و لكني مدرك أن هناك علم قائم الذات و مستقل اسمه علم الاقتصاد . ع: وليكن ! م: لم يتم استنباطه من القرآن و السنة بل أنتجه عقل بشري، و أصبح هذا العلم ضروريا خاصة بعد تطور العلوم و اتساع مجالات الاقتصاد لتشمل الفلاحة و الصناعة و الخدمات و التجارة … أما في بداية الإسلام فكان الاقتصاد مقتصرا على الفلاحة و التجارة البدائيتان ! ع: يا أخي المفيد أن لا يتعارض مع الإسلام. م: و إذا لم يتعارض مع الإسلام، هل يجوز أن نطلق عليه تسمية اقتصاد إسلامي ع : لا يجوز ذلك, نسميه اقتصاد حلال أو اقتصاد حرام مادام أنتجه كما قلت لي عقل بشري. م: إذا كما قلنا، يمكن أن يكون لنا أكثر من نظرية اقتصادية حلال؟ ع: منطقيا، نعم بدأت أخاف منك يا صديقي م: بالعكس أنا من يتوجس منك، لأنك لم تذكرني بمسألة التشريع، كما طلبت منك سابقا ع: لا بأس، مادام الخوف متبادلا ! م: ماذا لو شرع نواب الشعب قوانين اقتصادية لا تتعارض مع الإسلام؟ ع: لا ضير في ذلك . م و ماذا لو شرع النواب قوانين لحماية البيئة ? ع: لا ضير في ذلك ما دامت لا تتعدى حدود الله . م: و ماذا لو شرع النواب، قوانين تهم الأمن و الدفاع؟ ع: ليس هناك أدنى مشكل إذا كانت متوافقة مع الإسلام. م: هل تقبل يا عكرمة أن يحكم القاضي بما يمليه عليه، رئيس الدولة من أحكام و أوامر؟ ع: طبعا لا، فالقاضي مستقل أو لا يكون. م: و هل تقبل أن يخفي الإعلام حقيقة الحاكم و تجاوزاته؟ ع: طبع لا فالساكت عن الحق شيطان أخرس. م: و هل تقبل يا عكرمة أن يطبل و يهلل الإعلام للحاكم؟ ع: الأحرى أن يكون الإعلام مستقلا و موضوعيا. م: ماذا يا عكرمة لو حكمت البلاد؟ ع: سأطبق شرع الله. م: و ماذا إذا ثار عليك الشعب و رفض حكمك؟ ع: سأقمعه و أوحد المسلمين في دولة واحدة، قوية، تتصدى للغرب و الاستعمار و الإمبريالية الكافرة. م: ألا ترى أن التاريخ سيعيد نفسه و ا ذكرك بالخوارج ! ع: سوف نتعض من أخطاء الماضي . م: كيف ذلك و أنت تقمع من يخالفك الرأي و لا تفسح له المجال ليعبر و يعارض و يجتهد و يتداول معك على السلطة. و كيف تتفادى أخطاء الماضي و أنت لا تسمح بحرية الفكر و الإبداع و تقيم جدار بينك و بين بقية شعوب العالم ! ع: أنت تتعسف عليا فأنا لا أقمع الحريات و الفكر إلا في حدود معينة . و من ناحية أخرى فأنا أستجيب لقول الله تعالى الذي أمر فيه بطاعة أولى الأمر منكم. م: إني لا أعتبر طاعة أولى الأمر تتنافى مع حق المعارضة السياسية فأنا أعارضك لكني ألتزم بقراراتك ما دمت في الحكم و هذا المبدأ معمول به في أعرق ديمقراطيات العالم. أما فيما يخص الحرية الفكرية المحدودة، فدعك من ذلك، الحرية الفكرية مطلقة أو لا تكون و ما على الطرف المقابل إلا تقوية حجته و الدفاع عن فكره بطرق سلمية و منطقية خاصة و أن الإسلام ليس زجاجا ليكسر بحجر ! أقول لك يا أخي في الأخير أن الشعوب لا تقمع الى ما لا نهاية و أن الإقناع و الحكمة و الموعظة الحسنة هما الطريق و السبيل الوحيدان للتغيير و التأثير و أن الإسلام بقي ليومنا هذا في الصين لأنه نشر بحجة و براعة التجار المسلمين و بأنك يا عكرمة لن تنجح في فرض سلطانك على الشعوب و إن كنت أقوى من فرعون، بل سيكون لك ذلك ، في أحسن الحالات، إلى حين ثم تكون المسئول الأول عن انهيار الدولة و تشتت الأمة و تشر ذمها نتيجة فقدان آليات التداول السلمي على السلطة و إمكانيات المعارضة السلمية و التعبير الحر عن الرأي . أنصحك و النصيحة من الدين أن تدرس أولا: « René Descartes » ثم علم المنطق ثم علم الاقتصاد ثم العلوم السياسية ثم أخيرا، أن تعود لتدرس الإسلام بعقلك الجديد, و هو ما سبقك إليه غيرك ممن لم يزده العلم الا تواضعا و رصانة و رشد . في الغد أتاني عكرمة الى المقهى، مستهزئا منتصرا و هو يقول: أذهب لعلاج عقلك يا صديقي لقد أضعت وقتي و أوجعت رأسي بخرافاتك التافهة فحتى صديقي حسن )يقرأ باللهجة المصرية( قد حذرني من مغبة و مخاطر الحديث معك بعد أن قدم لي أطروحات مكتوبة ضافية، شاملة حول الاقتصاد الإسلامي و المالية ألإسلامية و السياسة الإسلامية … وافقت عكرمة على ما قاله بطأطأة رأسية و أقفلت عائدا إلى منزلي. اعترضني في الطريق، الحاج موسى فسلمت على موسى الحاج و أكملت مشواري. أمضيت الليلة متحسرا لأني نسيت أن أقول لعكرمة بأن الله بالفعل لم يفرط في الكتاب من شيء،أحيانا عبر مبادئ عامة و أخرى عبر أحكام تفصيلية. و أن الله قد جعل الإنسان خليفته على الأرض و قد ميزه بالعقل الذي جعل امة تصعد على القمر و أخرى ترزح في الحضيض . إني لا أقدس الغرب، بل أعتبر أن الغرب العقلاني في حاجة للإسلام كما حاجة الشرق الحائر للعقلانية لفهم الإسلام و إدراك إعجازه الحديث المتمثل خاصة في خطوطه الحمراء . ملاحظة أخيرة: صديقي و أخي عكرمة و إن كنت أختلف معه في الأفكار فإني و بحكم معرفتي الطويلة به, لا اشك في صدق نواياه و نزاهته و طيبة قلبه، و هو ما يعطيني أملا كبيرا في تطوره متى أقبل على الحوارات و البحوث الفكرية في شتى المجالات و أقتنع نهائيا باستحالة حكم الشعوب مستقبلا بالحديد و النار مهما بلغت قوة الحاكم و أتباعه. كما إني متفاءل بان التجربة و الممارسة الفعلية للحكم ستدفع حسن الى فصل المجال الديني عن المجال السياسي لان الإسلام لجميع المسلمين ونكون وقتها قد أسدينا خدمة جليلة لعكرمة .