لئن كنت اكره الحديث واكره من يتحدثون عن السياسيين الأحياء لما يتبع ذلك عادة من شبهات وتهم التقرب والتزلف والكذب والنفاق والافتراء الا انني ارى من واجب الاحياء ان يقولوا وان يكتبوا كلمة حق وصدق ووفاء في حق من اصبحوا اليوم من عالم الأموات ولا شك انه ليس وراء هذه الكلمة شبهة تملق ولا طمع ولاكذب ولا نفاق وقد افضى هؤلاء الأموات الى ربهم العظيم الغفور الرحيم العادل الخالق الخلاق ومن هذا المنطلق وعلى هذا الأساس فاني اقول ان المرحومة مية الجريبي تستحق فعلا الذكر الحسن والرثاء الجميل الذي يجب ان يسمعه ويفهمه سياسيو هذا العصر او هذا الجيل فهذه المراة الفاضلة المناضلة منذ ثلاثين سنة كانت مخلصة لمبادئها الحقوقية ايما اخلاص ولم تخف يوما بطش الجلادين والظالمين والمتغطرسين الغلاظ في زمن وفي فترة كثر فيها المنافقون والطماعون الذين قلبوا الثوب وارادوا ان يظهروا للناس اليوم انهم مناضلون صادقون ولكنهم يجهلون ان تاريخهم معروف لدى التونسيين من الألف الى الياء.. ولا شك انه سيأتي يوم في حياتهم او بعد مماتهم تكشف فيه حقيقتهم بلا ستار ولا غطاء اقول بعد هذا التقديم لقد عرف التونسيون مية الجريبي مناضلة حقيقية في سنوات الجمر وخاصة في سنوات حكم المخلوع الذي وجه اليها وجماعته وبطانته طعنات حملات تشويهية لم تصب منها والحمد لله لا القلب ولا العقل ولا الضلوع بل زادتها صلابة على صلابة الى ان انتصرت على اعدائها وهم اليوم بلا شك يتجرعون كؤوس الحزن والخيبة والكآبة لقد ابتعدت مية الجريبي عن عالم السياسة بصمت وهدوء بعد ان بلغت فيه قمة الشهرة والشرف المشهود وبعد ان قدمت لبلادها ما استطاعت من مظاهر النضال الذي لا نظن ان الكثيرين غيرها قد فاقوها فيه سواء اكانوا من النساء او من الرجال لقد كنت استمع الى مية الجريبي وهي تتكلم في مختلف المواقع والمناسبات السياسية فكنت ارى فيها الصدق والحزم والاخلاص والصبر والمثابرة التي لم ارها في كثير من الوجوه السياسية الحالية حتى ظننت ان هذه المراة قد خلقت فقط للنضال الصادق ولا تحسن غيره في اي مجال ولكم كنت اتساءل كيف تستطيع هذه المراة الضعيفة الرقيقة من حيث البنية الجسدية ان تقف في وجه اكبر خصومها وتقارعهم في اهم المواقع والمعارك السياسية ولا شك عندي اليوم وقد انقطعت صلة مية بعالم الأحياء انها ستبقى محل دراسة واعتبار وذكرى واحترام وتقدير لدى التونسيين في هذه البلاد الذين يؤمنون ويعتقدون بان الحياة عقيدة وجهاد فنامي قريرة العين في قبرك وعند ربك يا مية وتاكدي ان حياتك ومواقفك ستكون عند الكثيرين منا مرضية ومشكورة ومذكورة غير منسية ولعلك ستكونين عند ربك من الذين قال فيهم في كتابه المبين وهو اصدق القائلين(يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)