لقد كثر هذه الأيام حديث واختلاف الصائمين والمفطرين حول مسلسل علي الشورب (باندي) الحلفاوين واظن ان المنتقدين لهذا المسلسل والظانين انه مجرد عرض لمشاهد الخنيفري والبونية والتلاطيخ والتفشيخ والتبوريب سيقلون(بتشديد اللام) و سينقصون اذا تجاوزوا التركيز طبعا على اسم المسلسل وتمعنوا مليا في الجوهر والمحتوى والمضمون فماذا نرى بعد هذا التمعن وهذا التروي المطلوب؟ اننا نرى بوضوح ان هذا المسلسل وعلى الأقل في حلقاته الثلاث الأولى قد تناول في طياته قضايا هامة مصيرية اجتماعية وسياسية ودينية حرية بالبحث والدراسة في كل عصر وفي كل مصر فعلي شورب بطل هذا المسلسل مثلا قد مال الى استعمال العنف او البونية كما يقول هو بلسانه لانه لما طلب حقه باللين والحسنى جوبه بالعنف والقوة فقد رجع يوما الى حيه الحلفاوين مطالبا حقه في استعادة موقع ومكان (نصبة) ابيه التي استحوذ عليها بعد موته مظلوما احد الجيران لكن الذي استحوذ عليها جابهه برد ورفض قبيح فرد عليه شورب بلغة وعضلات الباندي الصحيح ومنذ ذلك اليوم اصبح مهاب الجانب يخافه الأعداء ويحترمه الصاحب كما راينا ان ابا الشورب قد قتل تحت تعنيف البوليس الفرنسي مظلوما مقهورا وهذا ما انطبع في نفس ابنه شورب وجعله شخصا ناقما وبانديا عنيفا خطيرا كما راينا ان علي شورب كان امينا ومسالما في اداء حقوق الناس ويظهر ذلك في عطفه وشفقته على الملاك صاحب الدار اذ ادى اليه الشورب ما استطاع من معلوم الكراء لكن امه هي التي شوهت عنده صورة هذا الرجل وغيره من الرجال ولا شك انها بهذا الصنيع قد دفعته الى النقمة على الناس ومجابهتهم بالازدراء وقلة الاحترام في كل الأحوال كما راينا في هذا المسلسل اثارة لمسالة الزوايا والوعد(بكسر العين) او النذور او الزرد(بكسر الراء) فهل هي اعمال مرضية شرعية ام هي علامات من علامات فساد العقيدة الاسلامية؟ وهذا الجدل طبعا مازال قائما الى الآن واظن انه سيظل متواصلا الى اخر الزمان كما راينا في هذا المسلسل صورة حية واقعية للعلاقات الرديئة العنيفة بين المساجين وصورة اخرى عن العلاقات بينهم وبين السجانين كما لاحظنا في هذا المسلسل كلمات وجملا تستوجب التوقف والدراسة كقول احدى النساء فيه(لقد كنا نظن ان حياتنا ستتغير بعد خروج المعمر) كما راينا في هذا المسلسل صورة حية من صور العلاقة بين السلطة الرسمية والمواطنين مجسمة في ذلك الحوار الذي داربين العمدة والقيم على زاوية يسدي عبد السلام او بين العمدة وشيخ الجامع او بين العمدة وتلك المراة المتعبة الناقمة الى غير ذلك من صور الحقيقية اليومية التي عاشتها ومازالت تعيشها بلادنا التونسية افلا تستحق هذه المواضيع كلها الأثارة والعناية والمتابعة والاهتمام وايجاد الحلول في اقرب الأيام؟ ولكنني مع ذلك اظن ان العيب والخطا الوحيد الذي وقع فيه اصحاب هذا المسلسل هوسوء اختيار العنوان فعلي شورب عنوان يوحي الى السامعين بمقصد الترويج لحياة الباندية والزوافرية والمتسكعين ولكن حقيقة هذا المسلسل اعمق من هذه الفكرة السطحية الأولية ولقد وددت لو ان الذين اختاروا لهذا المسلسل هذا العنوان المعيب المشين لو اختاروا له عنوانا اخراكثررصانة مثل بطحاء او ايام الحلفاوين ولكن مهما يكن من امر فان هذا المسلسل افضل بكثير من غيره من المسلسلات التي راجت و انتشرت في هذه السنوات الأخيرة والتي لم نجد فيها والحق يقال الا الهزان والنفضان والكثير من المقاصد والنوايا الخبيثة الخطيرة