قرصنة... سطو... تقليد ...تتعدّد المسميّات والقضية واحدة:انتهاك للملكية الفكرية ! وقد وجد لصوص الجهد الفكري الإنساني في التطوّر التكنولوجي المتزايد أرضا خصبة لتكاثر وتناسل جرائمهم . من يحمي حقوق المؤلفين والمنتجين والمسجلين ...من قراصنة الإبداع؟وكيف السبيل إلى ذلك ؟ في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة ,نظمت الخميس الفارط وزارة الثقافة يوما دراسيا امتد لساعات طويلة متناولا المستجدات القانونية والهيكليةالمتعلقة بحقوق الملكية الأدبية والفنية في تونس . تشكلّ الحماية القانونية للملكية الفكرية عموما, ضمانة أساسية للمبدع حتى يرتقي بفنّه دون الخشية من السطو على عصارة فكره ودون الخوف من هضم مستحقاته المادية والمعنوية...و قد حملت الأيام الأخيرة في جرابها مستجدّات قانونية في هذا المجال, ففيم تتمثّل هذه التشريعات الجديدة؟ وما هي إضافاتها لحقوق الملكية الأدبية والفنية في تونس؟ إضافة ل«الحقوق المجاورة » مرّت أكثر من 15 سنة على بعث المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين,ولكن الجديد هو اتساع رقعة نشاط هذا الهيكل العمومي ليشمل علاوة على حقوق التأليف «الحقوق المجاورة» التي تعني حقوق فناني الأداء ومنتجي التسجيلات السمعية والبصرية وهيئات البث الإذاعي التلفزي. وذلك طبقا للأمر عدد 2860, المؤرخ في غرّة جويلية 2013 ,المتعلق بإحداث المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة,وضبط تنظيمها الإداري والمالي وطرق تسييرها .و أكد محمد السالمي المكلف بتسيير هذه المؤسسة العزم على تصعيد التصدي للقرصنة والتعدي على حقوق الملكية الأدبية والفنية ,و استعرض في هذا السياق إقدام المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة على إبرام اتفاقيات شراكة مع الشركة العالمية للبرامج المعلوماتية والمعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية في إطار الأكاديمية التونسية للملكية الفكرية ...كما ذكر أن أعوان المؤسسة المحلّفين قاموا أيام 2 و3 و4 سبتمبر الجاري بزيارات لعدد من الفضاءات التجارية الكبرى بتونس العاصمة وبعض المؤسسات السياحية بضاحية قمرت, ورفعوا في أعقاب هذه الزيارات جملة من المخالفات تتمثل بالنسبة للفضاءات التجارية الكبرى في عرض وبيع مصنفات موسيقية وأفلام ومسرحيات محمية وألعاب فيديو دون الحصول على ترخيص في حق المؤلف إلى جانب استعمال موسيقى في الفضاء التجاري العام دون رخصة.أما بالنسبة للمؤسسات السياحية فتمثلت المخالفات المسجلة في إحياء حفلات فنية للعموم دون الحصول على ترخيص في حق المؤلف.و صرّح السالمي أن النية تتجه إلى توسيع قاعدة عمل أعوان المراقبة لتشمل المندوبيات الجهوية للثقافة وأيضا التعاون مع ضابطة الشرطة العدلية والوزارات والهياكل المعنيّة ... صندوق للتشجيع على الإبداع صدر مؤخرا بالرائد الرسمي الأمر المتعلق بضبط شروط وتدخل صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني .و يقدّم هذا الصندوق ,المعوّض لصندوق التنمية الثقافية الملغى سنة 1986 ,نسبة دعم للمؤلف أو الملحن وتقدر ب 40 بالمائة و30 بالمائة لفنان الأداء ,أما منتج التسجيل السمعي أو السمعي البصري فيتمتع أيضا ب30بالمائة.و قد نص الأمر الجديد على إحداث لجنة لتتوّلى النظر في الملفات الطالبة للدعم وفق عديد المقاييس ,من أهمها القيمة الفنية والثقافية للعمل ...وينتفع بتدخلات هذا الصندوق المبدعون في مجالات الفنون الركحية والسمعية البصرية والتصوير الشمسي والكتاب والنشر والآداب والفنون التشكيلية والموسيقى والرقص والتراث الثقافي والحرف الفنية وفنون الفرجة الحية .و شدّد وزير الثقافة على أن التعامل مع هذا الصندوق والذي يحتوى حاليا على 11 مليون دينار لا يجب أن يكون على أساس الغنيمة والوليمة بل وفق مبدأ الأخذ والرّد ...وكشف الوزير أن الدولة التونسية تكاد تكون الاستثناء في العالمين الإفريقي والعربي بتوفيرها نسب دعم عالية لمبدعيها والتي بلغت هذا العام حوالي 38 مليون دينار. دور الديوانة ...معطّل ! لا يقتصر انتهاك الملكية الأدبية والفنية على المجال الوطني فحسب بل يعتبر هذا النوع من أنواع القرصنة ظاهرة عابرة للقارات ,فأي دور للديوانة التونسية في التصدّي لتهريب إبداعات العقل البشري ؟ الإجابة جاءت على لسان النقيب بالديوانة «فاضل الزعروني» الذي صرّح أن للديوانة حقّ وواجب حماية الملكية الفكرية طبقا للفصل عدد33 لسنة 2009 المنقح عن قانون سنة 1994,و ذلك بالتصدّي لكل تعدّ على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة...وأشار إلى أن هذا التدخل يقتضي إيداع مطلب من طرف صاحب الحق لدى مكتب التشريع والدراسات بالديوانة ليصبح لها الحق في حجز هذه البضاعة غير القانونية .و لكن النقيب «الزعروني» شدّد على أن دور الديوانة يبقى معطلاّ ومشلولا في ظل عدم صدور قرار من وزارتي الثقافة والمالية يحدّد شكل هذا المطلب وشروطه...وبالتالي يبقى تطبيق الديوانة لقانون حماية الملكية الفكرية حبيس تخلّف وزارة الثقافة خصوصا عن إصدار هذا القرار! هل تكفي الدسترة ؟ إن تمّت دسترة حقوق الملكية الفكرية في مشروع دستور غرة جوان 2013,فإن تغليف هذه الحقوق بحماية تشريعية لا يمكن أن يكون مرهما سحريا من شأنه إزالة كل أتعاب أصحاب الملكية الأدبية والفنيّة إن اقتصر على مجرّد إعلان النوايا ...على حد ّ تعبير القاضي ومستشار رئيس الجمهورية محمد المسعي . وعرّج المسعي على حزمة القوانين التونسية الضامنة لحقوق الملكية الفكرية في تونس معتبرا إياها مجرّد استنساخ للقانون الفرنسي دون مراعاة الخصوصية التونسية لذلك فشل التشريع في حماية هذا النوع المعقد والشائك من الحقوق...و في المقابل ذهب القاضي المسعي إلى أن القانون المطلوب هو القانون الذي يوفق بين حق المبدع في التمتّع بعائدات منتوجه وحق المواطن في الاستمتاع بهذا الإبداع.وللحصول على هذا القانون المنشود قدّم مقترحات لإصلاحات تشريعية وأخرى هيكلية . وتتلخّص الأولى في تجنّب الترجمة الحرفية للقانون الفرنسي والاستعانة بالدساتير على غرار الدستور البرازيلي ودستور جنوب إفريقيا ...و أيضا مراعاة التوازن بين المصلحتين الخاصة والعامة ...أما الإصلاحات الهيكلية فتتمثّل في دعم الجمعيات الناشطة في هذا المجال وتدعيم الهيكل البشري المختص في مراقبة ومعاينة الاعتداء على الملكية الفكرية وتثقيف المجتمع في مجال هذا النوع من الحقوق التي يعد انتهاكها في الدول المتقدمة خطيئة وجريمة بحجم تجارة المخدرات ! رأي أصحاب الشأن ذاقوا الأمرّين من هضم حقوقهم الأدبية والمعنوية والمادية واشتكوا مرارا من غزو القرصنة لحقوق ملكيتهم الفكرية وطالبوا تكرارا بمستحقات إبداعاتهم المنتهكة مجانا ... إنهم فنانو ومبدعو تونس. وفي هذا السياق تساءل في إنكار كاتب عام نقابة المطربين التونسيين المحترفين مقداد السهيلي :«القوانين عديدة والاجتماعات حول حقوق الملكية الأدبية والفنية كثيرة ...لكن «وينو» الصحيح؟»واعتبر السهيلي أن شبكة قرصنة الممتلكات الفكرية متشعبة ومتفرعة ,انطلاقا من التلفزات والإذاعات وصولا إلى سواق سيارات التاكسي الذين يستهلكون الأغاني مجانا ..وأضاف :«لماذا لا يكون للموسيقى ثمن تماما كالخبز والحليب؟» أما الشاعر الحبيب محنوش فقال متوجّها لوزير الثقافة:«اقتطعوا من فاتورة الكهرباء 100 مليم فقط لصالح المبدع التونسي ,و سيهنأ بالكم على الثقافة والمثقف». و عن الجهات المهمّشة وحرمانها من الحق الثقافي ,اختار الفنان رؤوف بن يغلان أن يتحدّث ويذكر بالواقع الثقافي المزري في المناطق الداخلية وحرمان متساكني تونس الأعماق من الاستمتاع والاستفادة بحقهم ...في الثقافة ! ليلى بورقعة