بالاستناد إلى أراء العديد من المراقبين وحتى المعنيين مباشرة بالأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ اغتيال الشهيد محمد البراهمي، فإن المبادرة التي قدمتها المنظمات الوطنية الراعية للحوار بعد تعديلها، وضبط آجال محددة لمختلف محاورها جاءت متوازنة، وبحثت عن التوافق والتقريب بين وجهات النظر بعد «مارطون» من اللقاءات والمشاورات ويحسب لها خاصة أنها قدمت مخرجا معقولا ومشرفا للجميع لتجاوز معضلة توقيت استقالة الحكومة. ولقد كان منتظرا أن تأتي بعض ردود الفعل والإجابات الأولى على شاكلة « نعم.. ولكن».. ليتأكد أن لا أحد من الطيف السياسي بيساره ويمينه ووسطه مستعد لتقديم «صك على بياض» قبل انطلاق الحوار الفعلي إن كتب له أن ينطلق... ولكن لا أحد طلب أصلا من أي طرف كان تقديم «صك على بياض». فما سعت إليه المنظمات الراعية للحوار الوطني هو جمع هؤلاء الفرقاء السياسيين على مائدة الحوار على قاعدة بعض المسلمات والمنطلقات التي تؤكد كل الأطراف أن لا اعتراض مبدئي لها عليها، ومنها بالخصوص تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة ترأسها شخصية مستقلة، والتعجيل بإنهاء المجلس التأسيسي لمهامه المتأكدة وعلى رأسها المصادقة على الدستور الجديد للبلاد واستكمال تكوين هيئة الانتخابات والتصويت على قانون انتخابي جديد. ويبدو وفق آخر الأخبار أن الردود الرسمية التي وجهتها الأحزاب المعنية بالمبادرة إلى رباعي المنظمات الوطنية لم يتضمن بعضها قبولا صريحا بمبادرة الرباعي، وتضمنت معاني قريبة جدا العبارة إياها «نعم، ولكن..» وكل ما نتمناه ألا تكون ال «نعم، لكن» هذه «لا» مقنعة، ولا مقدمة لرفض مبادرة الرباعي على مراحل قبل الإجهاز عليها نهائيا ودفع المنظمات إلى إعلان الفشل لمساعيها. وذلك بعد أن عمدت بعض الأحزاب وبمجرد أن تلقت وثيقة المبادرة في صيغتها النهائية بشكل رسمي الأربعاء الماضي الحديث عن تحفظات بهذا الشأن ، ومآخذ بخصوص تلك المسألة. وهو ما سيتواصل بالتأكيد خلال الفترة المقبلة حيث سيعمل كل طرف وكالعادة على الحضور القوي في الفضاء العام وفي وسائل الإعلام للتعبير عن مواقفهم في غياب الحوار المباشر بينهم. بالنظر إلى حساسية المرحلة التي تمر بها تونس فإن شعار «الحيلة في ترك الحيل» هو الشعار الذي نعتقد أنه على مختلف الأطياف السياسية المعنية بالوضع السياسي الراهن أن ترفعه في هذا الوقت. ذلك أن فشل مساعي الحوار والامتناع عن الجلوس إلى مائدة واحدة قبل فوات الأوان يمثل مخاطر عديدة لا تخفى على الفاعلين السياسيين الرئيسيين. فإذا كانوا جميعا مقتنعين حقا كما يصرحون علنا أن العديد من المسائل بالبلاد بحاجة إلى إعادة نظر، وأن الوحدة بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية أكثر من مطلوبة في هذه اللحظة، وأن هناك بعض المهام التي لا تحتمل الانتظار ولا الاختلاف ويجب التوافق حولها، لذلك فإن مبادرة الرباعي الراعي للحوار تمثل أرضية جيدة لتجاوز الأزمة الراهنة، وهي تمثل بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ويجب على الجميع أن ينظر إليها من هذه الزاوية وعلى هذا المعنى، وليست لصالح طرف على حساب طرف آخر، وأن ما يأمله أغلب التونسيين اليوم هو توفر إرادة صادقة من الجميع للخروج من الأزمة الراهنة وفي أقرب الأوقات.