(حاجب العيون) دخل إلى مكتب «التونسية» وفي جرابه تجربة تتعدى ثلاثة عقود قضاها في خدمة عامة الشعب في محاولة لتضميد الجراح والتخفيف من ألم الآخرين ولكنه اليوم يحمل بداخله ألما يبحث عن متنفس له ... بعد استراحة قليلة أطلق زفرة طويلة ثم اردف قائلا: «لقد جئتكم محمّلا بكمّ هائل من الأسئلة الحارقة في محاولة لإيصال صوتي إلى الجهات الصحية المختصة». بعد الترحيب به قال: « أنا الدكتور محمد العنابي طبيب رئيس بالمستشفى المحلي بحاجب العيون لي تجربة عمل تتجاوز الثلاثة عقود من الزمن عملت خلالها بالعديد من المؤسسات الاستشفائية بمختلف جهات البلاد التونسية . قريبا سوف أحال على التقاعد الوجوبي بعد سنوات عديدة قضيتها في مجال الصحة التي تتطلب الكثير من المعاناة وكذلك التحلي بالصبر» وقد استشهد على ذلك بقوله أنه في أحد الأيام الصيفية الحارة قام بمعاينة 286 حالة مرضية في يوم واحد حسبما هو موثق بسجل العيادات الخارجية بمستشفى حاجب العيون . وحين سألناه عن سبب تنهيدته الطويلة أضاف قائلا: « لقد حزّت في نفسي معاملة وزارة الصحة العمومية لأبنائها من الأطباء وهم يحالون على التقاعد حيث كان من المفروض أن تتم عملية تقاعدهم في إطار التكريم باعتبارها لمسة وفاء لجنود خفاء عملوا بكل جهد وتفان لرسم البسمة على الشفاه الحزينة». قاطعت الدكتور العنابي لأستفسره عن العلاقة بين تقاعده وموضوع التكريم فأجاب بأنه قام منذ مدة طويلة بتقديم مطلب كتابي لمرافقة البعثة الطبية للحجيج التونسيين لموسم 2013 وذلك عبر التسلسل الإداري انطلاقا من مدير المستشفى المحلي بحاجب العيون وصولا إلى المدير الجهوي للصحة العمومية بالقيروان على أمل أن تقع إحالة المراسلة إلى السيد وزير الصحة العمومية بالبلاد التونسية مضيفا أنه وللأسف الشديد تغافل المدير الجهوي للصحة عن توجيه مراسلته إلى وزارة الإشراف ولما استفسره عن ذلك أجابه بأن الوزارة قد طلبت من الإدارة الجهوية للصحة مدها بقائمة في أطباء الاختصاص فقط . وتساءل محدثنا: كيف يحدث ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الصحة أن البعثة الصحية المرافقة للحجيج لهذه السنة تضم 82 إطارا منهم 50 إطارا شبه طبي و32 طبيبا من بينهم 20 طبيب صحة عامة و12 طبيبا في مختلف الاختصاصات ؟ وأردف الدكتور العنابي حديثه بالقول أن الإطارات الطبية وشبه الطبية بمختلف معتمديات ولاية القيروان لم ينلها الحظ منذ سنوات عديدة للمشاركة في وفد البعثة الصحية للحجيج التونسيين . وأنه يرى في ذلك مظلمة كبرى في حق جموع أطباء الجهة باعتبار أن الأطباء يعتبرون من المتمركزين في الخطوط الأولية لخدمة ضيوف الرحمان. وتساءل حول المقاييس الموضوعية التي تعتمدها وزارة الإشراف لضبط قائمة البعثة الطبية المرافقة للحجيج والتي تتهمها أغلبية الإطارات الطبية وشبه الطبية بالاحتكار في توجيه الدعوات لمرافقة ضيوف الرحمان إلى البقاع المقدسة . لذلك رجا محدثنا الا ينطبق على الأطباء المثل القائل « كيف جنود زوارة .. مقدمين في الربح ..مؤخرين في الراتب» . فهل تعيد وزارة الصحة الاعتبار لإطاراتها الطبية الذين هم كبار جدا فوق مقاعدهم وصغار جدا وهم يحالون على المعاش .؟