التونسية كلّ شيء في هذا الوطن يزداد قتامة وسوءا يوما بعد يوم, رائحة الدم المختلط بعطر البارود الساخن تملأ أرجاء المكان...لا شيء يوحي بانفراج قريب فالغمة مازالت تراوح مكانها وسحابة الإرهاب تتّسع رقعتها يوما بعد يوم فتقطر دماء بدل الماء وتبني لدولة الفناء هكذا دون استحياء حتى صارت الزغاريد حكرا على مجالس العزاء وتأبين الشهداء... اليوم تنعى تونس أبطالها... تزفّ رجالها الذين رابطوا حول عزّة هذا الوطن واعتصموا بحبله فدفعوا باهظا فاتورة الإرهاب المقنّع المتخّفي في عباءة الدين... إرهاب ينمو ويكبر على أنقاضنا محاطا بدعوات التكفير ينبض صراخا أشبه بالعويل لكنّه في الأخير كان نداء «تكبير» تسّرب بيننا فجأة هكذا دون تبرير...الموت يطاردنا في كّل مكان و«حمارنا الوطني» جثم على ركبتيه قبل أن يبدأ المسير ورجال الدولة ينشدون تقرير المصير على كرسي هزّاز بلا ضمير... الكلّ يهرول باتجاه «القصبة» على أمل أن تصير الساحة امتدادا لميدان التحرير وجوقة «التأسيسي» مازلت تمارس طقوس شرعيتها على تخوم دستور مبتور كرهناه قبل أن يرى النور وعلى الطرف المقابل معارضة تلفّ وتدور لا همّ لها سوى تحصيل نصيب من الغنيمة أو إعادة توزيع المقاعد حول طاولة الوليمة... بين هذا وذاك لم نجن سوى الوعود الزائفة والشعارات الزائلة ليبقى الشعب يعظّ أصابع الندم على حبر أراقه ذات فجر صوّروه لنا ميلادا جديدا لدولة الحريّة والكرامة والديمقراطية لكن ما شيء من ذلك حصل وسيذكر التاريخ يوما بعدما شحّ الربيع العربي بأنّ قوما اختلفوا فيما بينهم فدمّروا بلدهم... لست ممّن يستبيح خلوته أو ممّن يشّخص ألمه على الملأ لكن المصاب جلل ورائحة الدمّ تدمع العين و تسلب البصر...لذلك فتحنا هذا الباب بعد أنّ ترجّل الإرهاب وصار قريبا من الأعتاب بعد أن كان يتوارى وراء الضباب... اليوم آن لكم أن تنصرفوا جميعا بيمينكم ويساركم...حلالكم وحرامكم فقد سئمتكم العيون... رصاصة ألم... هناك دائما على هذه الأرض ما يستحق الحياة...والأمل يولد حيث تزهر الحياة بعيدا عن تجّار الخراب وبائعي السراب...سبحانك ربّي حتّى المرض له تجّار وحتى الموت له عرّاب... يتاجرون بآلامك وأحزانك و لا يلقون بالا لأنّاتك... منذ فترة تعرّض الزميل العزيز عبد العزيز السلاّمي إلى وعكة صحيّة أجبرته ملازمة الفراش...وبحكم الحالة الصحيّة والاجتماعية ل«عزيزنا» تهافتت بعض الأصوات حينها لمدّ يد العون والوقوف إلى جانبه وتتالت الوعود و التطمينات وإذا ما التزم البعض بوعده وكان في مستوى كلمته ولم يخلف عهده فإنّ هناك من ركب كعادته على الحدث وتاجر باسم الزميل وبمعاناته لا لشيء سوى للفوز بعبارات الثناء والإشادة ولكون كالعادة ملاذ المستضعفين... عبد العزيز السلاّمي تلقى وعودا و تطمينات من الهيئة المديرة للنادي الإفريقي بحكم أنّه محسوب على العائلة الإفريقية و قبل أن تستحيل الوعود حقيقة على أرض الواقع تغنّت بعض الأقلام المطيعة ببطولات سليم الرياحي وكرمه اللامحدود وبوقوفه إلى جانب «عزّيزّ» في محنته بل بتخليصه منها قبل ان ينجلي الامر ونكتشف أنّ كلّ العناوين كانت مساحيق تجميل لا غير... من حقّ الرياحي أن يمنح ماله من يشاء ومن حقّه كذلك أن يغدق على اليمين وعن الشمال بلا استثناء لكن ما نعيبه حقّا على رئيس الاتحاد الوطني الحرّ هو أن يخلف عهده وان يتنكّر لوعده ويسرق بسمة «العزيز» بعد أن منحه الأمل ... برهان بسيّس قال ذات يوم إن وقوفه في صفّ سليم الرياحي قضيّة «رجولية» ونحن نقول له إنّ الرجولية لا تعني أن نبيع السراب ونتاجر بآلام البعض ونبني لهم قصورا من الأوهام ثمّ ننقلب عليهم ونرفض حتّى مجرّد الردّ على مكالماتهم الهاتفية... قبل أن أختم عضو المجلس التأسيسي الموقّر سمير بالطيّب ذلك المعارض الشرس الفصيح البليغ الذي يبكي صباحا مساء حال «التونسي الزوّالي» و يتلذّذ بكشف عوراتهم هو صديق مقرّب من عبد العزيز السلامي وكلاهما كانا في نفس القائمة التي خاضت انتخابات 23 أكتوبر والتي صعدت بالطيّب إلى المجلس التأسيسي...هو الآخر تنكّر لصديق الأمس وتجاهل كلّ مكالماته...فما الذي ننتظره من هؤلاء...؟ أو ليس الموت صناعة رخيصة في دفاتر الجبناء...؟