ابن أخ بن علي وراء العملية وإطارات أمنية في «اللعبة» هربت وعائلتي إلى فرنسا.. الثورة أنهت معاناتي فمن يرفع عني المظلمة؟ هي قصة رجل وقف في وجه طواغيت العهد البائد ورفض الإملاءات. همه الوحيد كان أداء واجبه المهني بكل أمانة لكن عوض أن يكافأ لحسه الوطني وجد نفسه مضطهدا ونقل من مقر عمله وسلطت عليه الضغوطات من كل حدب وصوب ثم عندما فشلت هذه المحاولات معه تعرض إلى تهديدات فعلية بالقتل –حرق سيارته –فاضطر إلى الهروب الى فرنسا كلاجئ سياسي لكن حرب أعدائه عليه لم تنته الا عند قيام الثورة. حقيقية المظلمة التي يعيشها الإطار الأمني السابق فتحي العمدوني رواها ل «التونسية» وفي ما يلي التفاصيل: يقول محدثنا أنه عمل في سلك الأمن منذ الثمانينات لمدة 22سنة غير انه تعرض إلى مظلمة عرقلت مساره المهني عندما كان يعمل رئيس أحد المراكز القريبة من العاصمة انطلقت حيثياتها في مارس 2003عندما تقدم شخص أجنبي يحمل الجنسية الايطالية إلى مركز الأمن بشكاية أفاد ضمنها أن منزله تعرض إلى محاولة سرقة من قبل مجهولين وان حارس المنزل منعهم من تنفيذ مبتغاهم. واضاف محدثنا ان الشاكي قال إن الجناة كانوا يمتطون سيارة تابعة لاحدى الوزارات وانهم حاولوا الدخول إلى المنزل على أساس انهم تابعون للوزارة المذكورة فتم تحرير محضر في الغرض. وعملا بالتدابير المعمول بها في مثل هذه الحالات خاصة عندما يتعلق الأمر بأجنبي قال محدثنا إنه تم تحرير تقرير في الغرض وإحالته على رؤسائه في العمل وأنه تلقى برقية من مدير بالداخلية آنذاك اعلمه ضمنها بالاهتمام بالموضوع والإعلام في صورة وقوع أية مستجدات. وأضاف محدثنا انه بعد حوالي أسبوعين تقدم مجددا صاحب المنزل بشكاية اخرى لتكرار العملية نفسها معه إلى أن بدأت شيئا فشئيا تتضح طلاسم هذا الموضوع أمام محدثنا وذلك على اثر اتصال هاتفي من قبل احد زملائه في العمل أعلمه بأن لديه موضوعا يخص قريبا له وطلب منه مساعدته فلم يمانع محدثنا احتراما لواجب الزمالة غير انه اعلمه انه سيقبل مساعدته في حدود المعقول وما يمليه عليه القانون مستفسرا عن الامر غير ان زميله رفض الإفصاح عنه بل انه أصر على لقائه لبسط الأمر عليه. وقال محدثنا ان اللقاء تم وحضره القريب المزعوم –تبين لاحقا انه لا تربطه أية علاقة قرابة بزميله بل أن ما يجمعهما هو المنفعة المادية لاغير. وان هذا اللقاء كان اول متاعبه اذ علم يومها أن السر الذي سمعه ليس بالهين ولن يمر مرور الكرام دون أن يحدث منعرجا في حياته إذ اعلمه زميله أن قريبه يحتاج منزل الشخص الايطالي الذي تعرض للسرقة وأعلمه انه يريد منه خدمة من نوع خاص وانه مستعد أن يكافئه من اجلها بمبلغ لا يمكن أن يخطر على باله. واضاف محدثنا انه باستفساره عن الموضوع اعلمه زميله أنه يحتاج للدخول إلى منزل الايطالي لمدة 48ساعة فقط وان مهمته تتمثل في تسهيل عملية الدخول وذلك بإبعاد حارس المنزل عن المكان لافتعال جريمة لشخصه واعتقاله حتى يوفر الأجواء الملائمة للمجموعة للولوج في كنف الأريحية للمنزل ودون أن يتفطن احد للأمر باعتبار أن صاحب المنزل لا يطرح إشكالا لأنه يسافر في فترات متتالية إلى فرنسا لزيارة ابنائه. وكان السؤال الذي جال بذهن محدثنا (دائما حسب روايته) هو سبب الحرص على دخول المنزل؟ لكن حيرته لم تعمر طويلا إذ اعلمه زميله ان بالمنزل مبلغا ماليا هاما يقدر بملايين الدولارات وأضاف أنه بمزيد التحري اعلمه أن منزل الايطالي ملاصق لمنزل «أبو جهاد» الفلسطيني وان هذا الأخير قام سابقا بكراء منزل الايطالي عن طريق شخص ثالث قبل وفاته وأن هناك ممرا سريا بين العقارين وان «أبو جهاد» قام ببناء مكان خصص لاخفاء أموال كان قد تلقاها كإعانة من ليبيا وسوريا دون علم منظمة التحرير الفلسطينية. وقال فتحي العمدوني انه باستفسار محدثيه عن مصدر المعلومة خاصة أن «أبو جهاد» اغتيل منذ سنوات أعلماه أن الحارس الشخصي لأبو جهاد المقرب منه كثيرا والحافظ لأسراره والشخص الذي اشرف على بناء المكان الذي أودعت فيه الأموال هو من أسرّ لهما بالأمر ...وأضاف محدثنا ان رئيس المركز و«قريبه» عرضا عليه نظير خدمته مبلغا ماليا هاما لا يخطر على بال... وقال محدثنا انه وحتى لا يثير شكوكهما ويتمكن من اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة وعدهما بالتدخل في الأمر وانتهى اللقاء عند هذا الحد. ولم يكن محدثنا يعلم أن السر الذي علمه سيحول حياته الى جحيم لا لشيء إلا لأنه رفض المشاركة في هذه اللعبة القذرة. واضاف محدثنا أنه التزاما منه بالتراتيب الجاري بها في المسائل المشابهة كان لابد من إعلام رئيسه المباشر حسب هرم التسلسل الوظيفي فاتصل به وأعلمه بالتفاصيل المتجمعة لديه وقال محدثنا انه اندهش من ردّ فعل مخاطبه إذ قال له حرفيا حسب ذكره «لا ريت,لا شفت ولا سمعتك ولا تتصل بي على التليفون». وأضاف محدثنا انه «حينها تأكدت لديه من خلال هذه الإجابة خطورة الأمر الذي بين يديه غير انه رغم يقينه انه في مواجهة عدو لازال غامضا لديه -لأنه لم يكن يعلم العقل النافذ ومن يحرك اللعبة خلف الستار- قرر التوجه إلى شخص من الثقات بوزارة الداخلية يكن له الاحترام والمودة والذي أنصت جيدا لحيثيات المسالة وطلب منه التوجه مباشرة إلى مدير بالداخلية خاصة ان الأمر يتطلب إسداء تعليمات عن كيفية التصرف إما المواصلة أو أن تتعهد الإدارة بالأمر. واضاف محدثنا ان احد المسؤولين بالداخلية عندما علم بفحوى المقابلة طلب منه الانتظار قليلا بقاعة الجلوس. وقال محدثنا انه في الأثناء تلقى اتصالا هاتفيا من زميلين له تظاهرا ضمنه باستفساره عن سبب توجهه إلى الداخلية وانه أيقن أن المدير الذي اتصل به لم يتكتم عن الموضوع وبما يفرضه واجب السرية في مثل هذه الحالات حيث اعلم أطرافا كان من المفترض أن تبقى في غفلة من امرها وأن هذا الأخير ساهم في المظلمة التي تعرض لها. وأضاف محاورنا أن الخطوات التي أقدم عليها شكلت ضغطا مباشرا على المسؤولين جعلهم يتخذون قرارات من اجل تهدئة الأجواء حتى لا تتسع رقعة الموضوع أكثر إذ تم ايقاف الحارس الشخصي ل «أبو جهاد» فيما ظل الطرف الثاني -من شيد مكان اخفاء الأموال- متحصنا بالفرار. وقال محدثنا انه تم الاحتفاظ بحارس «أبو جهاد» لمدة ثلاثة أيام بمقر فرقة مكافحة الإجرام وأن الحارس كشف لدى التحري معه أن رئيس الإخطبوط ومن يختفي وراء هذه المجموعة وهو ابن شقيق الرئيس المخلوع «مهدي بن علي». واضاف محدثنا ان معلومات بلغت إلى منظمة التحرير الفلسطينية تخص الموضوع وذلك في شهر جوان 2003وأن ياسر عرفات كلّف ممثلين عن منظمة التحرير بالدخول إلى المنزل بتعليمات من الرئيس المخلوع وتحت إشراف إطارات امنية وأنه ذلك الحين أصبحت حياته (محدثنا) مهددة بالخطر وانقلبت رأسا على عقب إذ أصبح يتلقى تهديدات عن طريق الهاتف بشكل دائم وأنه تمت نقلته إلى مركز منفلوري وانه رغم تغييره لأرقام هاتفه وكذلك أرقام الهاتف الإداري كانت الاطراف النافذة دائما تتوصل للأرقام الجديدة وتسعى إلى تنغيص حياته وأنها نجحت في مخططها لان هاجس محدثنا لم يكن منصبا على ذاته بل على أسرته وأبنائه خاصة عندما تم تنفيذ أول تهديد وهو حرق سيارته. واضاف محدثنا انه قرر حينها انقاذ افراد أسرته خوفا على حياتهم فسارع بتسفيرهم إلى فرنسا حتى يهنأ باله رغم ما مثله هذا القرار من ضرر نفسي لشخصه فأسرته تشتت وهو لا يعلم ما تخفي الأيام له فهو يصارع أطرافا في السلطة سخرت كل الإمكانيات لتدميره تدريجيا. وقال محدثنا انه بات خائفا من تصفيته حتى يطمس آخر خيط قد يخرج هذا السر الدفين للعلن وان الضغوطات تتالت عليه حتى أن اصدقاءه رغم علاقته الطيبة معهم أصبحوا يتحاشون التحدث اليه خوفا على حياتهم إلى أن وجد نفسه وحيدا ... محدثنا قال ايضا ان فصول معاناته لم تتوقف عند هذا الحد وانه في سنة2007 ومن فرط الأزمات المتتالية اصيب بأزمة نفسية حادة أثرت على رجله –اصيب بشلل-جعلته يعجز عن الحركة وأقام بإحدى المصحات إلى أن تعافى تدريجيا وأنه في سنة 2008نصحه بعض الأصدقاء المقربين بمغادرة التراب التونسي لان ذلك هو السبيل الوحيد للنجاة فطلب اللجوء السياسي بفرنسا ملاحظا أن بعد المكان لم يثن غرماءه على مواصلة الحرب الضروس ضده إذ تمكنوا من معرفة المكان السري الذي أخفته فيه السلطات الفرنسية وتعرض إلى محاولة اغتيال فتم نقله إلى مكان آخر حفاظا على حياته. وقال محدثنا ان ما يحز في نفسه أن والدته توفيت سنة 2010دون أن يتمكن من رؤيتها. مظلمة لم ترفع بعد ... لا ينفي محدثنا ان المرارة التي يعيشها حدت من شدتها ثورة 14جانفي التي خلصته من بن علي وعصابته الذين طاردوه على مدار عدة سنوات واضطروه إلى العيش في الغربة ملاحظا انه رغم مرور ثلاث سنوات على الثورة لم يرفع الغبار بعد عن مظلمته التي تسببت له في أضرار مادية ومعنوية هامة جسيمة ولم يتم فتح بحث في قضيته حتى ينال حقه وحتى يتمكن من العودة إلى تراب بلاده الذي اشتاق اليه كثيرا. فهل من التفاتة إلى هذا الرجل أم أن قدره أن يبقى في الظل رغم ما قدمه من عمل يستحق التكريم والتنويه ؟