بقلم: مصطفى قوبعة إذا كانت بدايات الحوار الوطني على هذا النحو، فكيف ستكون خواتمه؟ هذا تساؤل من بين أهم التساؤلات المطروحة منذ ليلة الاثنين لما أعلن السيد حسين العباسي عن تعليق فعاليات الحوار لحين استئنافه من جديد في أجواء أفضل. يقرّ السيد حسين العباسي بالفشل ولكنه لم يرم المنديل بعد، ويشير بأصابع الاتهام إلى أطراف من داخل المجلس الوطني التأسيسي دون أن يسمّيها بالسعي إلى إفشال المبادرة الرباعية، ولكن هل تساءل السيد حسين العباسي عمّن له المصلحة الحقيقية في إفشال الحوار؟ الأكيد أنّه تساءل في قرارة نفسه ووجد الإجابة المقنعة لشخصه ولغيره ولكنه تحفّظ مرّة أخرى عن الإفصاح للرأي العام الوطني عن هذه الجهة، فقد يكون الوقت غير مناسب بعد من وجهة نظره لكشف الحقائق الأربع التي سبق له أن لوّح بكشفها. نعود إلى البدايات لما اجتمعت الأغلبية من الموالاة ومن المعارضة حول طاولة الحوار دون تأمين الحدّ الأدنى من مقومات النجاح ومن ممهّداته، خاصة في ظلّ هذا التمازج غير الطبيعي بين حسن نيّة البعض وسوء نيّة البعض الآخر، وفي هذه الأجواء قد يكون الرباعي الراعي للحوار الوطني ارتكب خطأين استراتيجيين، الأوّل منهجي والثاني ذهنيّ. 1 الخطأ الأوّل منهجيّ من خلال السعي إلى تفعيل المبادرة دون تقييد الأطراف المجتمعة بتشخيص مسبق للأوضاع ملزم لكل الأطراف، ذلك أن المسألة لا تتعلق بمجرّد التلاقي حول طاولة واحدة للاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بقدر ما تتعلق بالوقوف الجماعي على مكامن فشل الحكومة الحالية وعلى ما يبرّر تقديم استقالتها، وعلى هذا المستوى التقت الأطراف حول طاولة الحوار بتشخيصات مختلفة للأوضاع تراوحت بين الفشل المطلق والفشل النسبي والنجاح النسبيّ، وهو ما ساهم بدرجة كبيرة في انحراف الحوار الوطني في خطواته الأولى عن المسار المرسوم له نظريّا. 2 الخطأ الثاني ذهني ويتمثّل في سوء تقدير الرباعي الرّاعي للحوار للإساءات التي يمكن أن تصدر من بعض الأطراف داخل المجلس الوطني التأسيسي وعدم التفطّن في الإبّان لمخاطر توزيع للأدوار بين أطراف أقصت نفسها من الحوار الوطني دون أسباب وجيهة ومقنعة وأطراف أخرى التحقت به. وإذا كان الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة متمرّسان بشكل جيّد على أجواء وتقنيات التّفاوض الاجتماعي فإن تمرّسهما على أجواء التفاوض السياسي وتحكّمهما في تقنياته وفي آلياته فقد يكونا نقطة ضعف الرّباعي الرّاعي للحوار خاصة أن الشريكين الآخرين وهما الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين يعيشان أوّل تجربة تفاوض سياسي اجتماعي بمثل هذا الحجم وبمثل هذه الأهمية. إن المرحلة الأولى من الحوار الوطني التي أفضت إلى تعليقه مؤقتا تدفع إلى التنبيه إلى خطورة الهوّة القائمة بين السياسة وبين أخلاقيات السياسة، فإذا كانت السياسة هي فعل ونتيجة فإن الفعل يصبح بلا معنى وبلا جدوى إذا أفرغ من كل مضامينه الأخلاقية ويكون مقياس النتيجة ما يمكمن حصده من مكاسب حزبية ضيّقة على حساب ما تقتضيه مصالح البلاد الملحة والعاجلة. تسقط أخلاقيات السياسة بالضربة القاضية، فلا من أخطأ اعترف صراحة بأخطائه، ولا من حضر الحوار أقرّ بصواب الآخر أو على الأقلّ بنصيب من الصّواب، وتغلّب النفاق الوطني على فضائل الصدق والصراحة تحت شعار حتمية التوافق والتلاعب بمصطلحات الشرعية والحكم والحكومة، ليصغر الوطن أمام الحسابات الحزبية الضيّقة للعديد. البلاد تسير نحو المجهول منذ أشهر عديدة، وينساق الحوار الوطني في السّير نحو المجهول كذلك، ولا حتى مقترح حكومة رباعية الإضلاع آخر بدعة من بدعات الحوار الوطني يطمئن، فكيف يمكن لحكومة رباعية الأضلاع السياسية أن تنجح ولو بصفة نسبيّة والحال أنّ الحكومة ثلاثية الأضلاع الحزبية أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن من انسداد للأفق؟ للبعض نقول إن الوطن ليس كعكة، وللبعض الآخر نقول إنّ الحكم ليس غنيمة، فعودوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان.