*محمّد بوغلاّب وفى مهرجان دبي السينمائي بوعده وأصدر كتابه السينمائي الذي اختار أهم مائة فيلم عربي، مع تميّز للأفلام العشرة الأولى، وكان نصيب السينما التونسية المرتبة الخامسة لفيلم صمت القصور للمخرجة التي اختارت الابتعاد في بلد يجتهد كثير من أبنائه لتنفير المبدعين ودفعهم إلى الكفر بالفنّ . الفيلم التونسي الثاني الذي اصطفاه المصوتون وعددهم 475 من سينمائيين وكتاب ومثقفين من مختلف الأقطار العربية هو عصفور سطح لفريد بوغدير الذي حل في المرتبة 12 ب69صوتا، يليه ريح السد النوري بوزيد الذي تحصل على 59 صوتا ، ثم صفائح من ذهب للمخرج ذاته (المرتبة 20) بعشرين صوتا ، فطوق الحمامة للناصر حمير في المرتبة 61 ب18صوتا فالهائمون للمخرج عينه في المرتبة 65 ب16 صوتا ، وحل فيلم سجنان لعبد اللطيف بن عمار في المرتبة 74 ب13 صوتا وختم فيلم رضا الباهي القائمة برتبته 100 بتسعة أصوات ، أي أنّ السينما التونسية أهدت للعرب ثمانية من أجمل أفلام الشاشة العربية، غير أن اللافت للانتباه أن هذه الأفلام المتوجة أنتجت خلال عشريتي السبعينات والثمانينات وفيلم وحيد مطلع التسعينات وهو صمت القصور الذي أنتجه الراحل أحمد بهاء الدين عطية سنة 1994 فهل هي صدفة أن السينما التونسية لم تقدم شيئا يلفت الانتباه طيلة حكم بن علي؟ ما الذي جرى خلال كل تلك السنوات حتى يتراجع إبداع مخرجينا؟ إنه سؤال يدعونا إلى التفكر والتأمل حقا، فبصرف النظر عن هوية المصوتين وكنت واحدا منهم فإنه من الضروري أن نسائل أنفسنا عن هذا التراجع حتى باتت صورتنا باهتة لا تعجب غيرنا من أشقائنا العرب؟ ولعل من مزايا هذه البادرة التي أطلقها مهرجان دبي أنه أعاد الاعتبار لمخرجين ظلمناهم في كثير من الأحيان، فعبد اللطيف بن عمار ركن إلى التقاعد القسري بعد فيلم "النخيل الجريح" بتعلة قربه من النظام السابق وكأنه كان وحيد عصره، ولكنه من المجحف أن نخلط بين الموقف السياسي والإبداع الفني وإلا كنا شطبنا هيدغر من تاريخ الفلسفة الإنسانية بسبب قربه من النازية ودفاعه عنها ينسى كثيرون أن الفيلم التونسي الوحيد الذي تم اختياره في المسابقة الرسمية لمهرجان كان هو"حكاية بسيطة كهذه" لعبد اللطيف بن عمار ولا تملك تونس بدءا بالمخرج وانتهاء بوزارة الثقافة نفسها نسخة يتيمة من هذا الشريط ؟ وحين كانت الجموع تتغنى بالمجاهد الأكبر أنجز بن عمار فيلم سجنان الذي قدم رؤية مغايرة للرواية الرسمية عن مقاومة المستعمر فهناك عمال وفلاحون وهبوا دمائهم من أجل إستقلال تونس لم يذكرهم التاريخ الرسمي، واليوم يحال بن عمار على التقاعد وكأنه الوحيد الذي كان قريبا من النظام، هو أخرج وغيره كتب وقرأ النص وألف الموسيقى لذلك البرنامج الموسمي كل 7نوفمبر الذي كان يذاع تلفزة وإذاعة ويتبارى"الرجال" للمساهمة فيه كما كانوا يتنافسون ليظفروا بنظرة من سيّد الإعلام في قصر قرطاج ، أما الذين يحظون بشرف مصافحته فتفتح أمامهم أبواب الرضوان.... الغريب أن من أدار الجوقة أطلق سراحه ولعله عائد إلى حلبة السياسة ويعاقب عبد اللطيف بن عمار حتى من طرف بعض زملائه، فلماذا لا يحاسب كل هؤلاء وبأي منطق تحرم السينما التونسية من قامة مثل عبد اللطيف بن عمار؟ والآخرون؟ ماذا فعلنا معهم؟ أين مفيدة التلاتلي منذ موسم الرجال؟ وأين الناصر خمير الذي رأيت بأم عيني فيلمه "بابا عزيز" يعرض في سوق مهرجان كان بإسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأين فريد بوغدير منذ صيف حلق الوادي وأين رضا الباهي الذي مازال يقاوم لتسديد ديون ديما براندو بعد أن خذلته وزارة الثقافة إذ أعطاه الوزير باش شاوش وعدا مكتوبا بمنحة إضافية دون أن يتحول الوعد المكتوب إلى أموال؟ وأين سينمائيونا الشبان؟ ماذا نحن فاعلون بهم؟ هل حرك احد ساكنا إذ علم ان مهرجان ابو ظبي في دورته الأخيرة برمج اربعة أفلام تونسية في مسابقاته؟ وهل سمع احد بتتويج حمزة العوني بجائزة افضل مخرج في العالم العربي؟ هل اتصل به احد من وزارة الثقافة او من جمعية السينمائيين او من جمعية المخرجين او من الغرفة الوطنية للمنتجين؟ كان يمكن لمهرجان دبي ان يكتفي بنجومه وضيوفه المبجلين من الشرق والغرب ، وكنت قبل سنوات أظن مثل كثيرين ان الجماعة لا علاقة لهم بالسينما إلا من بوابة الأموال المكدسة الآتية بلا عد او حساب من جيوب "الشيوخ" ولكني حين حضرت مهرجان دبي بضربة حظ "غير تونسية" ليس هذا مجال ذكرها حتى لا يلعن أصحاب النفوس الخبيثة هذا الحظ الذي اخطأ لمرة لصالحي، اكتشفت ان وراء المهرجان فكرة "عبقرية" تدار بذكاء من رجال من أجمل من يمكن ان تلاقي في حياتك، عبد الحميد جمعة رئيس المهرجان بحزمه ومسعود أمر الله آل علي (المدير الفني) الأب الروحي للمشروع السينمائي الإماراتي الذي لا يحتاج لقاؤه لسكرتيرة وطلب موعد فهو الذي يأتي إلى قاعة الصحافيين بكل مودة ، وعرفان رشيد(مدير البرمجة العربية) الذي يحمل العراق بين ضلوعه صحافة ومسرحا وسينما، وذلك الناقد المشاكس بهدوئه زياد عبد الله الذي لا يمل من الحديث عن ذكريات الطفولة في اللاذقية ولكنه الخبير بدبي وتفاصيلها حتى انه كتب ملحمة دبي قاع المدينة في روايته "بر دبي" هؤلاء وآخرون لا اعرفهم يعملون بحرفية عالية و يمنحونك من الاهتمام بقدر ما تمنحه للمهرجان من عناية، دون أن يطلب منك أحد أن تمدح أو تهلل فأنت حر في ما تكتب، المهم أن تكتب ...وأن تشاهد الأفلام وأن تسابق الزمن للتوفيق بين الحوارات والندوات دون كلل... حين أتذكر هؤلاء في دبي وأصدقاء آخرين في مهرجانات أبو ظبي ومراكش و طنجة أشعر بالغبن لما يحدث في بلادنا حيث يشعر السينمائي والصحافي والناقد إلا المحظيون والمحظيات من المبجلين والمبجلات بالقهر والتهميش، فلا دعوة تصلك لأيام قرطاج السينمائية وإن وصلتك ففي آخر القاعة وفي الطابق العلوي، وأما لجان الوزارة فمحجوزة سلفا للأصدقاء والصديقات والخلان من الرفاق والمؤلفة قلوبهم إلا في ما ندر.... اختار مهرجان دبي من صحرائه البعيدة للعرب أهم 100 فيلم في ما نحن ننظر وننتظر الآخرين لنكون ضيوفا ....ولو في آخر القائمة، ألم يحن الوقت لنكون كما كنا مبادرين خلاقين ؟