سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مهرجان «كان» السينمائي(15 ماي 26 ماي) (Festival de Cannes) عبد اللطيف كشيش حاضر لأول مرّة... وفرنسا الفرنكفونية تسند وسام فارس جوقة الشرف لفريد بوغدير...
مهرجان «كان» التونسية موفدنا الخاص نبيل بنور بعد أن تجاوز الخمسين من العمر ، وبفيلمه الخامس فتح مهرجان «كان» أبوابه للمخرج عبد اللطيف كشيش، الذي لا يراه التونسيون سوى تونسيا مثلهم وهم محقون في ذلك. أما الفرنسيون فيعدونه فرنسيا –رغم إسمه العربي جدا- وهم محقون في ذلك كل الحق، فعبد اللطيف كشيش الذي ولد في تونس، هاجر صحبة والديه إلى نيس جنوبفرنسا ولم يتجاوز السادسة من العمر، وغير بعيد عن مدينة «كان»، درس عبد اللطيف المسرح بمعهد الفنون الدرامية ب«أنتيب»... ترى لو ظل عبد اللطيف في تونس، كيف ستكون حاله اليوم؟ لعله وجد نفسه متهما هو أيضا بأنه من السينمائيين الذين صنعوا أفلامهم في العهد البائد لأنه رضي بأموال وزارة الثقافة ، وبأنه خان الشعب التونسي العاشق للسينما الذي كان يصطف بالآلاف لمشاهدة أفلامه في القاعات التي تعج بها بلادنا من أقصى الشمال إلى أقاصي الجنوب؟ لم أعرف شخصيا عبد اللطيف كشيش ولكني عرفته- عن بعد- من خلال صديقه الراحل مصطفى العدواني الذي لفّه النسيان هو أيضا رغم أنه كان النجم الأبرز لكثير من أفلامنا القليلة («ريح السد» و«بزناس» للنوري بوزيد، «عصفور سطح» و«صيف حلق الوادي» لفريد بوغدير، الأمير لمحمد الزرن، و«باب العرش» لمختار العجيمي وهو آخر فيلم ظهر فيه مصطفى العدواني) حتى رحيله في 14 ديسمبر 2006 ، في تلك السنة إن لم تخني الذاكرة ، أشهرا قليلة قبل رحيله، أخبرني مصطفى العدواني بأنه ذهب رغم تدهور حالته الصحية إلى مطار تونسقرطاج الدولي ليستقبل صديقه عبد اللطيف كشيش ، ويبدو أن عبد اللطيف عاتب صديقه على قدومه خوفا عليه، قال لي مصطفى العدواني بنبرة حزينة وكانت عيناه تلمعان «قلت لعبد اللطيف، جئت لإستقبالك هذه المرة لأنني لست متأكدا أنه ستكون مرة قادمة»...أذكر أني لذت بالصمت وأذكر أن الراحل الكبير مصطفى العدواني حاول أن يغيّر الموضوع ولكن دموعه غلبته... وربّما يذكر أحباء السينما أن عبد اللطيف كشيش عمل ممثلا في فيلم «شاي بالنعناع»للمخرج الجزائري عبدالكريم بهلول، وعام 1994 فاز عبد اللطيف بجائزتين تقديراً لأدائه في فيلم «بزناس»للمخرج النوري بوزيد وفي الفيلم ذاته برزت زوجته غالية لاكروا التي لا نفهم سبب عدم التفات المخرجين في سينمائنا المحلية إليها. في سنة 2000 بدأ عبد اللطيف كشيش مسيرته مخرجا سينمائيا بفيلم «غلطة فولتير» وأتبعه بفيلم «المراوغة» (2003) الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي الدولي وفاز بجائزة «سيزار»لأفضل فيلم فرنسي وأفضل سيناريو أصلي، وعام 2007 قدم فيلم«الكسكسي والبوري» الذي أطلق النجمة حفصية الحرزي تونسية الأصل في سماء السينما الفرنسية وفي سنة 2009 قدم«فينوس السوداء» الذي أثار جدلا واسعا في فرنسا بسبب إثارته لنقطة سوداء في الذاكرة الفرنسية(وما أكثر النقاط السوداء في ذاكرة الفرنسيين)...وبالمناسبة فقد عرض «فينوس السوداء» في سهرة خاصة بأيام قرطاج السينمائية سنة 2010(مديرة الدورة آنذاك درة بوشوشة التي أثبتت تجربة محمد المديوني السنة الماضية على رأس الأيام أنها أقدر الناس على تنظيم هذا المهرجان بالحد الأدنى من الحرفية) بقاعة «أفريكار» –التي أغلقت أبوابها بفضل إخواننا السلفيين المحتجين، لا لنصرة الرسول –أفضل الخلق- هذه المرة وإنما ضد فيلم «لا ربي لا سيدي» لنادية الفاني- ولو قدّر ل«فينوس السوداء» أن يعرض هذه الأيام بتونس لهدّمت القاعة على رؤوس من فيها بسبب ما في الفيلم من مشاهد غاية في الجرأة والقسوة، ولكن «ربي ستر»... ولا يعرف عن عبد اللطيف كشيش قربه من وسائل الإعلام –ولعله محق في ذلك؟- كما أن كثيرين حتى من السينمائيين وخاصة من فئة «النقاد» لا يخفون ضيقهم من أسلوب كشيش بسبب ما يعتبرونه نوعا من الإطالة التي لا ضرورة لها، ويعتقدون أن من الأفضل للفيلم لو كانت اللقطات أقصر ؟ وكأن هذه الأمة الثرثارة التي تجعل من الحديث تسلية وقتلا للوقت صارت بين لحظة وضحاها أمة ميالة إلى الاختصار... ويبدو أن مسألة الوقت هذه لعبت لعبتها ضد عبد اللطيف كشيش الذي لا يتذكر كثير منا أنه تونسي سوى عند تحقيقه لإنجاز سينمائي فيهرول بعض مسؤولينا إلى إصدار بيانات الإشادة –التي لا تكلف كاتبها شيئا مادام حبر الطباعة من المال العام- وبرقيات التهنئة ... وقد اهتمت جريدة «Le Monde» في ملحق خاص بمهرجان «كان» بعبد اللطيف كشيش ، وقد كشف المقال أن تيري فريمو المندوب العام للمهرجان لم يشاهد فيلم «La vie d'Adele»سوى 48 ساعة قبل إعلان قائمة الاختيار الرسمي للصحافة، كانت مدة الفيلم ثلاث ساعات وسبع دقائق. يقول فريمو« في اليوم الموالي للندوة الصحافية تناولت الغداء لأول مرة مع عبد اللطيف، وجدته شخصا منفتحا وابدى إستعدادا ليحذف ربع ساعة من فيلمه ليعد نسخة للعرض يوم 22 ماي ، وانا على ثقة تامة فيه» وربما لا يعلم كثيرون ان مهرجان «كان » رفض فيلم«الكسكسي والبوري» سنة 2007 بتعلة انه عرض عليهم نسخة غير تامة وطويلة جدا ... يواصل تيري فريمو الرجل القوي في مهرجان كان حديثه عن عبد اللطيف كشيش قائلا:« يندرج عبد اللطيف ضمن كبار السينمائيين الذين يتقنون المونتاج مثل تيرانس ماليك (ذو الأصل اللبناني أمريكي الجنسية) أو وونغ كار واي، إنهم يتوفرون على كمية مجنونة من الصور الخام ويعيدون كتابة افلامهم بشكل تام خلال المونتاج على منوال رسام يحسّن من لوحته للحظة الأخيرة بلمسة أزرق هنا ولمسة أحمر هناك» . هل يصدق قارئنا أن عبد اللطيف كشيش إستخدم في فيلمه الجديد إثني عشر مونتيرا بالتمام والكمال – لو فعلها مخرج تونسي لتعقبت وزارة المالية خطاه وأصدرت عقلة ضد ما يملك بسبب إهدار المال العام الذي منه تحصل رشيد فرشيو على ما به صنع تلك الخلطة الغريبة والهجينة التي سماها «شوك الياسمين»- ولا يعمل كل هؤلاء معا وفي مكان واحد وليس شرطا ان يشتغلوا على كل الفيلم، بعضهم يعمل في بيته وآخرون في غرف التركيب الضيقة ، أما المونتير الحقيقي المخرج عبد اللطيف كشيش فيرتشف القهوة تلو القهوة ... صوّر فيلم «حياة آدال» بين أفريل وجويلية 2012 في مدينة ليل شمال فرنسا بميزانية فاقت 4 ملايين اورو وصور كشيش 750 ساعة من الصور الخام أي ما يسمح بإنجاز ثلاثة او اربعة افلام مختلفة بما يسمح له من الآن بإعداد فيلم للدورة القادمة من مهرجان «كان» صائفة 2014 ... في المقال ذاته تحدث Jean Francois Le petit عن عبد اللطيف كشيش الذي عرفته ممثلا ثم انتج له فيلمه الأول «غلطة فولتير» قائلا: «أحب كثيرا شغل عبد اللطيف ولكني افضل الف مرة ان ادفع ثمن تذكرتي لمشاهدة افلامه على ان يكون لي دخل فيها ، فانا اعمل في الإنتاج منذ ثلاثين عاما ولم اعش تجربة بالمرارة التي عرفتها مع عبد اللطيف، إنه رواية في حد ذاته، إنه مدير ممتاز للممثلين وينجح في عقد تواطئ جميل معهم ويصنع فيلمه بأسلوب اللقطة-المشهد بشكل رائع ولكن النتيجة اننا وجدنا انفسنا امام فيلم بثلاث ساعات ، وحين عرضت عليه ان يختصر الفيلم رد عليّ :«أنت منغمس في ثقافة الأفلام الأمريكية» . صوّرنا الفيلم في ماي جوان 1999، وكان الوقت يمر، فوتنا على انفسنا مهرجان برلين في فيفري 2000 ثم مهرجان «كان» في شهر ماي، ولم يقبل عبد اللطيف ان يحذف بعض مشاهد الفيلم إلا عندما إشترط عليه ذلك مدير مهرجان البندقية حيث فاز بالأسد الذهبي وجائزة الشباب ».وسمح نجاح عبد اللطيف كشيش بفيلمي «المراوغة» سنة 2004 و«الكسكسي والبوري» سنة 2007 بأن يعمل اليوم بميزانية تراوح 10 ملايين أورو اي اكثر من 20 مليارا بالدينار التونسي اي ما ينتج حسب مقاييسنا التونسية عشرين فيلما وهو معدل إنتاجنا طيلة سنتين من الأفلام الروائية الطويلة . ماذا عن الحضور التونسي في مهرجان «كان»؟ من السابق لأوانه أن نتحدث عن الجناح التونسي في القرية الدولية بمهرجان كان، ولا نريد أن نصدر أحكاما إستنادا إلى زيارتين قصيرتين خلال يوم واحد لم نلتق فيهما سوى بالقليل ممن نعرف، لننتظر... الحدث يوم الجمعة 17 ماي كان إسناد وسام جوقة الشرف درجة فارس لفريد بوغدير من طرف الوزيرة يمينة بن قيقي نيابة عن رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا هولند، وليس غريبا أن تكرّم فرنسا صديقها فريد بوغدير الذي كان أول مخرج مغاربي يتم إختياره لعضوية لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة سنة 1991 ثم إختير عضوا للجنة تحكيم الأفلام القصيرة في الدورة 62 ، وقد تم إختيار أو إنتخاب بوغدير في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية 2012 رئيسا للصندوق الإفريقي للسينما والسمعي البصري الذي لم ير النور بعد وتم التوافق على أن تكون تونس بلد المقر. ويبدو أن نية وزير الثقافة مهدي مبروك –الذي واكب جزءا من الميلاد العسير لهذا الصندوق خلال دورة العام الماضي لمهرجان «كان»- تتجه نحو تخصيص جانب من فضاء الكازينو بقمرت الذي تمت مصادرته ليكون مقرا للصندوق الإفريقي الذي قامت الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام بدور كبير لبلورته وهذه كلمة حق للطفي العيوني المنسق العام السابق للجناح التونسي في مهرجان «كان». ومع الأسف تم تجاهل ما قام به هذا الرجل حتى من طرف زملائه أو بعضهم على الأقل، كما أن السيدة سعاد حسين مسؤولة السينما بالمنظمة الدولية للفرنكفونية كان لها دور مهم في مشروع الصندوق، ليكون نصيبها التجاهل التام خلال الجلسة المخصصة للصندوق في أيام قرطاج السينمائية السنة الماضية، ليطفو فجأة إسم فريد بوغدير ليكون الرجل المناسب لمشروع ناضل من أجله آخرون. ولابد من تذكير ذوي الذاكرة القصيرة أو المثقوبة بأن المنتج عبد العزيز بن ملوكة الذي لم يكن يشغل أي منصب رسمي هو الذي تكفل بدعوة السيدة سعاد حسين إلى تونس على نفقته الخاصة ونظم لها لقاء مع وزير الثقافة رؤوف الباسطي، ومرة ثانية قام بدعوتها إلى تونس ونظم لها لقاء في رئاسة الجمهورية مع رئيس الدولة السابق فؤاد المبزع للتسريع في بعث الصندوق الإفريقي للسينما، وبطبيعة الحال فإنه لا أحد اليوم يكلف نفسه عناء التنويه بما بذله هؤلاء وغيرهم من سينمائيين من أجل تحقق حلم أجيال من صناع السينما الإفريقية، ونأمل أن يتجاوز فريد بوغدير بروحه الخفيفة وطابعه الساخر، إستعراض صولاته وجولاته في عالم السينما لخدمة جيل السينمائيين الشبان في تونس ...ليكتبوا مسيرتهم كما أتيح ذلك لفريد بوغدير نفسه ...