بقلم : سامي السنوسي () أحمد فؤاد نجم، اسم تردّد على ألسنة ملايين «الغلابة» في مصر والعالم العربي، بكلمات غارقة في البساطة وتفاصيل الفقراء والمهمّشين، بسخرية عارمة من الرؤساء والملوك والسلاطين وبصوت توأم روحه الشيخ إمام، استطاع أن يرسم لنفسه مسارا لم يتراجع فيه قيد أنملة رغم عذابات السجن وضيق اليد. الكلمات عنده تعبير آني موجع عن أحداث حارقة، يُنشدها ببساطة فتغدو «حدّوتة» شعبيّة تغنيها الشوارع الخلفية للمدن الكبرى وتشدو بها الأرياف والحارات المنسية. نجم شاعر برتبة مواطن بسيط لذلك كانت «طلقاته» تدخل بسرعة الذاكرة الشعبية للمهمشين والعمّال والطلبة، كيف لا وهو المتنقّل من مهنة إلى أخرى: كوّاء، عامل بسكة الحديد، موظف ثم عامل بالنقل الميكانكي وتعرض هناك للتعذيب ورأى أمامه عاملا يموت بين أيادي المحققين. فكانت أغاني«الفول واللحمة» و«همّا مين واحنا مين، هُمّا الأمراء والسلاطين».. نجم أيضا، شاعر برتبة مؤرخ بامتياز، من رثاء لتشي غيفارا بعد إعلان مقتله«غيفارا مات آخر خبر في الراديوهات/ وفي الكنايس والجوامع/ وفي الحواري والشوارع/ وع القهاوي وع البارات»، إلى تدوين نكسة 1967 التي أثرت فيه، إذ أنه ورغم حبه الشديد لجمال عبد الناصر، استرسل في نقده اللاذع له ولحكوماته قائلا بعد فترة طويلة أنه ينقد من يحبّ ليشحذ الهمم، ويشتم مَنْ يكره حتى لا يواصل استغباء الناس، لذلك كتب حزينا بعد رحيل عبد الناصر قصيدة رثاء ومصالحة:« السكة مفروشة/تيجان الفل والنرجس/والقبة صهوة فرس/عليها الخضر بيبرجس والمشربية عرايس/بتبكي/والبكا مشروع/ من ذا اللي نايم وساكت/ والسكات مسموع». لم يكن سجن نجم والشيخ إمام زمن السادات إلا فرصة للانغماس الكامل في التأليف والتلحين: آدي كلمه من عذابي قلتهالك/ باقي كلمه من حنيني صنتهالك/ في الضلوع من دنيا ظالمه « كنت خايف يلمحوها يقتلوها في سكة ظلمه/ شقشقت و النور بشاير زهرة الصبار يا سلمي يا نسيم الشوق يا طاير خُذْ لمصر الصبح كلمه » سجن القناطر1973. شاعر يكره اللف والدوران، مباشر في خطابه، محرّك للألسنة «الراكدة» عن قول الحق، «بذيء» بما يليق بأكاذيب أصحاب الفخامة والوجاهة كما كان يقول، مهاجم مستفِزّ لمثقفي الموائد (قصيدة القوّاد الفصيح)، حامل فلسطين المقاومة في كل أشعاره وحواراته، شاتم تخاذلَ النظام العربي الرسمي، محرّض على المواجهة (يا فلسطينية والبندقاني رماكو/بالصهيونية تقتل حمامكو فِ حماكو) وقصيدة (لمّا نحالف ما نحالف إلا الأخيار/ لمّا نحارب ما نحارب إلاّ الفُجّار). رغم كبر سنّه، بقي صوت ال«لا» الدائم فأوغل في معارضة نظام حسني مبارك بأسلوب ساخر حفظته العامة عن ظهر قلب (حمامتك يا ريّس حمامة السلام) ثم انتقد نظام الإخوان بشدّة. نجم عاش حياته بالطول والعرض كما يحلو له، فكلما ازدادت الممنوعات، زاد في إعلاء صوت حريته: ممنوع من المناقشه/ ممنوع من السكات/ وكل يوم في حبك/ تزيد الممنوعات «وكل يوم بحبك/ أكتر من اللي فات» لذلك، وكما اختلفت عليه الآراء وتعارضت في حياته باعتباره ظاهرة مثيرة للجدل، كان رحيله فرصة أخرى لمعرفة حقيقة كارهي الحياة والشعر والاختلاف والفن والإنسان، فلا اختلافٍ فكري معه، هلّل الكثيرون من «ناقصي العقل والدّين» وسارعوا إلى إبراز الشماتة والابتهاج بغيابه الجسدي دون مراعاة لحرمة الموت أو كأنهم عن جوف الأرض مُستثنون!. إنهم لا يفهمون: نعم رحل «الفاجومي» ولكن! بقي «نجم» خالدا بكلماته.. « دور يا كلام على كيفك دور/ خلي بلدنا تعوم في النور»