مباشرة إثر الندوة الصحفية الساخنة التي نظمها الإعلامي الصافي سعيد أول أمس وأدلى خلالها بتصريحات نارية ضدّ مؤسسة رئاسة الجمهورية على خلفية ورود اسمه ضمن قائمات «الكتاب الأسود»، نشر عدنان منصر رئيس ديوان رئاسة الجمهوريّة إصدارا فايسبوكيا تحت عنوان «ليس صافيا ولكن مع ذلك سعيد» ردّ فيه بكلّ قوة على مضامين الندوة الصحفية المذكورة. وكتب عدنان منصر يقول بحبر فايسبوكي : «طالعت اليوم ما جادت به قريحة الصافي سعيد، وبالرغم من أنني حاولت تصور ما سيقوله منذ أعلن عما أسماه ندوته الصحفية، فإن إبداعه فاق مرة أخرى كل جهود خيالي، حيث طفق يخبط خبط عشواء، مطلقا العنان لحديث توقعت أن يحتوي بعض المنطق، فكان كالزبد الذي ذهب كله جفاء. لم يفاجئني الصافي سعيد بعدم مراعاته ذمم الناس، بل لأنه لم يراع ما بقي من ذمته، فاستأت لحاله أكثر من استيائي لأي شيء آخر. أرثي لحالك سيد صافي، فلا يلجأ للافتراء إلا من لم تكفه الحقيقة، أو آلمته الحقيقة، وأحسب أنها آلمتك رغم أنه لم يكن لي في ذلك يد ولا ساق. كان بإمكانك أن تصمت، ولكنها فرصة ضيعتها، وأحسب أنك لو صمتّ لبقي لك في قلوب الناس بعض مودة، ولكنك ككل مريب قلت «خذوني» !!. علمت أنك أشرت إلى لقاء جمعني بك، وأنك قررت قول ما إدعيت أنني قلته لك أمام الناس جميعا، فأردت أن أعرف أخيرا ما الذي قلته لك، وها أنني اكتشفت أشياء كثيرة فاجأتني، ولوهلة فقد ظننت أن نادل المقهى قد وضع لي في قهوتي شيئا من الممنوعات ! يعلم عني أصدقائي أنني كتوم، وأنني لا أقول ما اتفق لمن اتفق. بعض ذلك من طبعي، والبعض الآخر حماية لما أؤتمنت عليه. كان ذلك أول لقاء بيننا، وهو حتما الأخير، ولم أكن لأقول ما ادعيت أنني قلته لك في أول لقاء وقد كنت شديد الحذر منك، ذلك أنني أعرف جيدا أن ما يعلمه عنك الناس أقل بكثير مما يجب أن يعلموه، فأنت أيضا شخصية عامة مطروحة للنقد والتجريح، ولكنني سأصمد أمام إغراء أن أقول للناس ما أعرف وتعرف ولا يعرفون. لنبدأ من البداية حيث اكتشفت أنني اعتذرت لك، وهو ما لم يحصل أبدا، فعلام أعتذر؟ عن شيء لم تنكره حتى أنت ، بل وأكدته بمنطوق لسانك؟ وبأية لغة اعتذرت لك؟ وعبر أية وسيلة؟ ثم أشرت إلى أنني قلت لك أن «راشد الغنوشي وحركة «النهضة» خائنان»، سعيا منك ليس للتلفيق فقط ولكن أيضا للفتنة. هذه كلمة لم أستعملها في كل كتاباتي، وشتيمة لم أوجهها في حياتي لأحد قط، وإذا ما قررت يوما أن أستخدمها، فلن يكون ذلك في حق راشد الغنوشي ولا حركته، رغم كثير من الخلافات والاختلافات بين الخط الذي أنتمي إليه والخط الذي ينتميان إليه. على خلافك أنت، فأنا لا أقسم الناس إلى خونة وأمناء، بل إنني في أوج الصراع السياسي الذي أجد فيه نفسي اليوم، لا ألقي بهذه التهمة في وجه أحد مهما قال ومهما كان. ثم تطرقت إلى الجنرال رشيد عمار، فادعيت أنني قلت لك أن الرئاسة تملك ملفا حوله يجعله «خائنا»، والرجل يعرف أن ذلك غير صحيح، وأنه هو من أصر على تفعيل إحالته على التقاعد، وأنه غادر قيادة الأركان بسلاسة وبناء على رغبته. ما لا تعلمه هو أنه عندما يتعلق الأمر بالعسكريين، فإن تهمة الخيانة لا يمحوها إلا الدم، ذلك أنها أكبر عار يمكن أن تلصق بجندي قضى كامل حياته تحت السلاح. ثم انسقت إلى القول بأن عناصر الأمن الرئاسي التي تحمي بعض الشخصيات الوطنية من المعارضة وغيرها تتجسس على تلك الشخصيات، وهي شخصيات تعلم أن دور عناصر المرافقة الأمنية يتوقف على تأمين انتقالها من مكان إلى مكان، وأنها تتنقل حيث تريد في وضح النهار، وأن تلك العناصر لا تحضر الاجتماعات التي تشارك فيها تلك الشخصيات، هذا المنطق على بساطته لم يجد طريقه إلى عقلك، وأنا أتفهم ذلك جيدا، ذلك أن الأوهام داخله لم تترك المكان لما عداها، وإنني لأرثي بصدق لك ولعقلك ! أما المفاجأة الأخرى التي وردت في ما أسميته ندوة صحفية، فهي أن المرزوقي التقى ببن علي في الحمامات، وأن هذا الأخير عرض عليه وزارة حقوق الانسان، ووضعت كل أحداث هذه الأضحوكة في سنة 2010. لست أدري طبيعة المنظومة التي تسيطر عليك عندما تبدأ في الحديث، ولكنني أعرف فقط أنها منظومة غير سليمة لا تخضع حتى لمبادئ المنطق البسيط. يمكن أن تتهم بن علي بكل خطايا الكون، ولكنك لن تستطيع أبدا اتهامه بالغباء، ويمكن أن تتهم المرزوقي بكل التهم الممكنة، وأنه التقى سنة 2010 بكل سكان المعمورة، ولكنك لا تستطيع مطلقا أن تقول صادقا أنه التقى ببن علي. لست أدري من سيصدقك في ما ادعيت، ولكنني أعرف مسبقا أن القلة التي ستصدقك من اليوم فصاعدا ستتضاءل، بل وأحسب أنها ستخجل إن فكرت في تصديقك ولو لوهلة ! لم يكفنا ذلك فحدثتنا عن مخطط المرزوقي للانقلاب ! هكذا ! انقلاب سيضعه في أي مكان؟ وسيحتل به أي منصب؟ سيحفظ لك الناس أنك أول من وضع نظرية الرئيس الذي يقوم بانقلاب ليصبح رئيسا، أو شيئا آخر غير رئيس، أقول «شيئا آخر» لأن خيالي أعجزني مرة أخرى عن مجاراة نسقك، وها إنني أخيرا أستسلم ! خونة وجواسيس وانقلابات... أغفلت فقط الحديث عن المال، ولعلي أفهم سر نسيانك الحديث عن المال وبعض أصحاب المال ... لكن أهم ما خرجت به بعد ندوتك الصحفية هو أنني عرفت أخيرا أي نوع من الأدب تطالع.» منذ رأيتكم تجعلون الحمامة رمزا لكم علمت أنكم أخطأتم الاختيار وكان عدنان منصر قد كتب يقول قبل ذلك على جداره الفايسبوكي : «إلى الصديق لطفي زيتون، مع الود. قرأت ما كتبتموه عني وعن سمير ديلو، وقد كتبتموه متلحفين برداء «الجماعة» لا برداء الحق، نصا في ظاهره عتاب وفي باطنه «عقاب»، فسمحتم لي من حيث لم تشعروا بالرد، ولكن على غير منوالكم. ما ساءني هو تشخيصكم للخلاف، وكأن بيني وبين سمير ثأرا أو منافسة، ولو علمتم ما بيني وبين سمير من ود لما سعيتم إلى التدخل وإذكاء خلاف لم يكن في الحقيقة إلا اختلافا في النظر إلى موضوع يفترض أصلا أن يختلف حوله الناس. جمعتني بسمير سنوات بعيدة خلت، خبرت فيها الرجل، وعرفت رفعة أخلاقه وسمو معدنه وصلابته في الدفاع عن الحق. غير أنني لم أرد عليه أصلا في شخصه، وإنما في طريقة تعامله كوزير مع موضوع تطرق إليه بكثير من الاستعلاء، وما عهدته كذلك. تحدث سمير عن الرئاسة وكأنها ملك يمينه، وأعلم أن كثيرا من الجماعة يعتقدون أو كانوا يعتقدون أنها كذلك، فكان على الرئاسة أن توقفهم عند حدهم، مرة أخرى. لا أحتاج أن أذكر لك الأمثلة على ذلك، وأنت أكثر من يعرفها. ساءني أن تشخص الأمر إذا، وليس بيني وبين سمير خصومة، وأن تعيرني بأن سمير وغير سمير قد قضوا في السجن سنوات لم أقضها، وهو أمر لا يختلف فيه اثنان. لنترك سمير جانبا الآن، حتى أسألك: ألا ترى أنك وغيرك تلجؤون، أكثر مما ينبغي أحيانا، وكلما ضاقت بكم سبل الحجة، إلى رصيد كاد ينضب من كثرة وسوء استعماله ؟ قرأت لك وأنت تعيرني بحبي لأغاني أم كلثوم، وليس في الأمر معرة ولو بدا لك غير ذلك، وأنت تعلم (أكثر من غيرك) أنني لم أكن فقط ما ذكرت، ولو أحببتم غناءها مثلما أحببت وأحب، لعلمتم أن لها من الأغاني بعض القاتلات، ليس أقلها «للصبر حدود» !!!. لنعد إلى ما أعتقد أنه أصل الموضوع، وهو ما ظننتم أنه مزايدة عليكم، فآلم بعضكم أن يسبقكم غيركم إلى سبل لم تطئوها، وكان في ظنكم أن أحدا لن يتجرأ فيطأها دون إذنكم، وما كان في الأمر منافسة قط، لو علمتم. لم يتحدث أحد قبلك عن القائمات السوداء، ولم يهدد بها قبلك أحد، بل وهدد بها سمير أيضا. وهذا هو الفارق بيننا: أنتم تهددون لأنكم تنتظرون نتيجة التهديد في سلوك الأفراد، أما نحن فلا نرى الأمر متعلقا بأسماء بل بمنظومة فاسدة لا رغبة لنا في شرائها ولو وهبت نفسها إلينا بلا مقابل. تلك المنظومة بكاملها تقريبا وقعت دعوتها، يا لسخرية الأقدار، إلى التداول في شأن «إصلاح الإعلام» ذات يوم في القصبة، وتلك المنظومة هي التي لا تزال اليوم تتحكم في جزء كبير من الإعلام ، تحاربكم به وتحاربنا، تطوع بها الحق ليصبح باطلا، وتمسخ بنفس القدرة الباطل ليغدو حقا. الموضوع مرة أخرى موضوع خيارات، وليس موضوع أشخاص. أما الإعلاميون الذين كانوا خارج اللوبيات المعروفة، فلا يزال معظمهم كذلك، بل وزاد تهميشهم أكثر فأكثر. خيرتم الاستناد إلى «القدامى»، فكنتم كمن استند إلى جرف هار... أما نحن فليس بيننا وبين رجال الإعلام عداوة، مهما نالنا من سهامهم، بل إن مشكلتنا هي مع قوى الضغط التي تتربص من وراء بعضهم، وبمال حرام كثير يتدفق من كل حدب وصوب في جيوب قلة قليلة منهم، هي في الحقيقة أكبر خطر على الإعلام ومستقبله. الفارق يا صديقي أننا نرى غير ما رأيتم وترون... استغربت يا صديقي أنك تدافع اليوم عن أفكار وتوجهات هي نقيض ما غادرت من أجله الحكومة، وأن ميلك إلى التشخيص أوقعك في متناقضات كنت في ألف غنى عنها، وقد تكون نسيت أن الحق لا يعرف بالرجال بل يعرفون به، وأن صاحب الحق يبقى صاحبه ما بقي به ملتصقا. لم أؤمن يوما أن للثورة حزبا، فضلا عن أن تكون لها «جماعة». فالثورة ملك للناس وليس للأحزاب، وكذلك قيمها. كل ما في الأمر أن الأحزاب، مهما علت وارتفعت، لا تتجاوز السعي إلى ترويضها وإدخال هديرها في قنوات كانت ولا تزال تضيق بها، مهما اتسعت. في أفئدة الناس يا صديقي شيء أكبر من الأحزاب، والجماعات، و»الجماعة». في أفئدة الناس توق إلى التحرر لا أعلم ولا تعلم مداه، يحلق في أوسع السماوات، يرانا ولا نراه إلا قليلا قليلا، نتبعه ولا يتبعنا، مهما حرصنا. أصدقك القول، وأتوقف هنا: منذ رأيتكم تجعلون الحمامة رمزا لكم، علمت أنكم أخطأتم الاختيار، ذلك أن الزمن يا صديقي لم يكن أبدا زمن حمام».