بقلم: أبو غسان كان متوقعا أن تكون التظاهرات التي جرت أمس في مدينة سيدي بوزيد بمناسبة الذكرى الثالثة لأحداث 17 ديسمبر 2010، أقرب بكثير إلى الاحتجاجات والتعبير عن عدم الرضا منها إلى الاحتفالات. وكان منتظرا أن تغلب مشاعر الغضب على أجواء الفرحة. فبعد ثلاث سنوات على اندلاع الشرارة الأولى للتحركات الشعبية التي عرفتها سيدي بوزيد إثر إقدام المرحوم محمد البوعزيزي على إضرام النار في نفسه أمام مقر الولاية ، لم يتحقق لسيدي بوزيد الكثير مما انتفضت من أجله.. ولا تزال المدينة كما هي تقريبا، تتقاسم مع بقية مدن المناطق الداخلية الفقر والتهميش والحرمان.. كان لسيدي بوزيد شرف إعطاء ضربة البداية في مسيرة تغيير مجرى تاريخ تونس، ولكن لا شيء تغير في المدينة إلى الآن .. وضعت سيدي بوزيد المسمار الأول في نعش نظام مستبد جثم على أنفاس التونسيين أكثر من عشرين سنة، ولكنها لم تجن إلى اليوم غير الكلام الجميل والوعود والألقاب الشرفية. لا تزال الأسباب التي انتفضت من أجلها سيدي بوزيد قبل ثلاث سنوات قائمة. ومهما اجتهد المسؤولون الرسميون في استعراض أرقامهم لما رصد للولاية وللولايات المشابهة من اعتمادات وأموال، وما تقرر من مشاريع فإن ذلك لا يجد أي صدى في نفوس الناس في هذه الربوع لأنهم لم يلمسوا إلى الآن نتائجه وعوائده على واقعهم اليومي.. وعلى العكس من ذلك فإن خيبة أملهم تكبر يوما بعد يوم، وهم يرون النخب السياسية تبتعد عنهم في كل يوم أكثر فأكثر ليغرقوا في معاركهم وتجذاباتهم التي لا تنتهي، ولا يلتفتون إلى معاناتهم وأوجاعهم . أهالي سيدي بوزيد عبروا أمس عن غضبهم بصوت مرتفع لأنهم يعتقدون - وهم محقون في ذلك - أن ثلاث سنوات فترة كافية ليتغير واقع حالهم بشكل أفضل مما حصل حتى الآن ..هم يرون أن حصاد ما بذلوه من دماء شهداء وآلام جرحى وتضحيات جسيمة جاء هزيلا، وأقل بكثير من تطلعاتهم، وبعيدا جدا عن سقف ما طالبوا به قبل ثلاث سنوات.. وذلك بعد أن أرسلوا إشارة صريحة وواضحة إلى المسؤولين السامين في الدولة بألا يكلفوا أنفسهم مشقة المجيء إلى المدينة للاحتفال .. لأن لا شيء في واقع المدينة وحالة أهاليها يدعو إلى الاحتفال. وكل الأمل أن يكون الساسة على اختلاف مواقعهم قد فهموا أبعاد رسالة شباب سيدي بوزيد إليهم.. هم ملوا المسكنات ويريدون حلولا جذرية تكفل لهم الشغل اللائق والكرامة، لا التعامل معهم كحالات اجتماعية تستجدي الصدقة، ويدعونهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم لتكون جهات تونس الداخلية وأبناؤها الذين كانوا وقودا للأحداث التي جدت قبل ثلاث سنوات على رأس اهتماماتهم. وليس هناك أفضل من هذا الظرف الذي تعيش فيه تونس على وقع تشكيل حكومة جديدة للتفكير مليا في هذه الرسالة، والاستفادة من أخطاء الماضي، والتفكير بطريقة مغايرة تماما في التعامل مع الملف الحارق للتنمية في الجهات الداخلية المهمشة وكل الفئات المحرومة حيثما كانت قبل أي شيء آخر.