بقلم: مصطفى قوبعة يستأنف اليوم الحوار الوطني مشواره لاستكمال مشاورات المسار الحكومي خاصة في ما يتعلق بتشكيلة الحكومة القادمة، وصلاحياتها والمهام العاجلة الموكولة إليها. فعلى مستوى الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار، ورغم تباعد الأجواء المترتبة عن اختيار السيد مهدي جمعة رئيسا للحكومة القادمة والتي تتراوح بين الاستياء وبين الارتياح الكامل والنسبي فإنه يستبعد أن تعلن جهات سياسية فاعلة مقاطعتها للحوار الوطني وأغلب الظن أن الجميع سيكون اليوم حاضرا ولو من منطلقين مختلفين: من منطلق استثمار اختيار السيد مهدي جمعة لمواصلة تحقيق مكاسب سياسية جديدة باعتبار أن ما تمّ قطعه في مشاورات المسار الحكومي ليس إلا خطوة أولى على خط التحصين السياسي للمرحلة القادمة. من منطلق العودة المشروطة وإرجاء الحسم النهائي مقاطعة نهائية أو مواصلة في الحوار الوطني إلى حين التعرف على التركيبة النهائية للحكومة وعلى تعهدات وإلتزامات رئيسها. وفي هذا السياق لم يخطئ السيد حسين العباسي عندما قال إن الحوار الوطني لم ينجح بعد حتى في جانب المسار الحكومي منه خلافا لما تسوّق له بعض الأطراف، وفي سياق التخفيف من تداعيات اختيار الشخصية المكلفة برئاسة الحكومة القادمة آلية واسما يسعى الأمين العام لاتحاد الشغل الى تدارك الوضع بتوجيه رسائل طمأنة الى مختلف الجهات المتحفظة على شخصية السيد مهدي جمعة سواء كانت جهات نقابية أو جهات سياسية على حدّ سواء مفادها أن المسألة لا تتعلق باسم الشخصية المكلفة بقدر ما تتعلق بمدى إلتزام هذه الأخيرة بالأسس التي قامت عليها المبادرة الرباعية. وإذا كان بالامكان في نهاية المطاف القبول المبدئي والمشروط بشخصية هي عضو في حكومة متخلية، فإن الرباعي الراعي للحوار الوطني وكذلك رئيس المجلس الوطني التأسيسي يرتكبان خطأ استراتيجيا بمثل الخطأ الأخلاقي الذي ارتكبته حركة «النهضة» وبعض حلفائها، إذ من غير المعقول ألاّ يتفطن الرباعي الراعي للحوار وكذلك رئيس المجلس الوطني التأسيسي الى أن السيد مهدي جمعة هو موضوع طلب مساءلة من طرف مجموعة من نواب المجلس الوطني التأسيسي وجلهم من الموالاة بخصوص شبهات فساد تحيط بالتصرف في ملف الطاقة، ومن اللا أخلاقي كذلك من حركة «النهضة» أن تزكّي مرشحا لرئاسة الحكومة هو مطلوب للمساءلة من طرف عدد من نوابها بالمجلس التأسيسي، وبصرف النظر عن صحة ما هو منسوب الى السيد مهدي «جمعة» من طرف هؤلاء النواب فإن «ديمقراطيتنا الناشئة» كانت تقتضي قبل كل شيء الحسم في موضوع مساءلة السيد مهدي جمعة بأي شكل من الأشكال قبل المرور إلى الحسم في اسم الشخصية المكلفة برئاسة الحكومة. ومن جهته، فإن السيد مهدي جمعة يجد نفسه اليوم بين المطرقة والسندان، فتزكيته لرئاسة الحكومة القادمة بالشكل الذي تمت به لم تمنحه صكا على بياض لا من الرباعي ولا من الأغلبية ولا من المعارضة الواسعة، حتى لو كان هذا الأخير يأمل في قرارة نفسه في أن يتوفق في تحصين نفسه باقناع أوسع طيف ممكن من المعارضة بالانتقال من موقع المعارضة المطلقة الى موقع المساندة النقدية من خلال تقديم ما يتيسر له من ترضيات. ولكن يبدو أن هامش المبادرة لدى السيد مهدي جمعة ضيّق جدا، فمآل حكومته المرتقبة مرتبط أولا وأخيرا بحركة «النهضة» صاحبة «الحل والربط» داخل المجلس الوطني التأسيسي بدرجة أولى، ثم بقدرة الحركة بطرق مباشرة أو غير مباشرة على ترويض حركة «نداء تونس» بدرجة ثانية لتحقيق أكبر اختراق علني في صفوف جبهة المعارضة القوية بمكوناتها والضعيفة بتفاوت نفسها السياسي والنضالي. ينتظر السيد مهدي جمعة سواء بدفع داخلي أو بدفع خارجي إعلان حسن نوايا سرّا أو علنا من حركة «النهضة» يساهم في تهيئة الأرضية الملائمة لعمل حكومته المرتقبة وإذا كان في مقدور هذه الأخيرة مثلا الموافقة على مضض على حلّ رابطات حماية الثورة لتضرب عصفورين بحجر واحد، فترضي جزئيا اتحاد الشغل من جهة وتوفّر سندا معنويا لرئيس الحكومة المرشح من جهة أخرى، فإنه من الصعب على الجميع مفاوضة حركة «النهضة» على الأهمّ خاصة في ما يتعلق بصلاحيات الحكومة الجديدة السياسية والأمنية والاقتصادية فضلا عن تقيّد السيد مهدي جمعة بمبدإ التضامن الحكومي مع الفريق الحكومي المتخلي الذي ينتمي اليه، فمن هنا تبدأ أمّ المعارك.