بقلم: جمال كرماوي عندما نسمع بخبر عن مواطن ينتحر بسبب البطالة والتهميش نتألم.. ولكن عندما نسمع عن انتحار رجل أعمال تصيبنا الدهشة..قلة ذات اليد والعجز والحرمان قادرة على طرد الانسان من الحياة ولكن كيف يحدث هذا مع رجل أعمال؟.. صار الامر سيّان.. صار الانتحار طقسا من طقوس العبثية.. المنتحر يموت قبل الاحتراق.. كان جسدا يمشي هائما..والجثة المحترقة هي مرآة اليأس.. مرآة عاكسة لظاهرة خطيرة معدية مؤلمة.. يرى فيها المنتحرون نهاية مأساة وبداية حل للقادمين من بعدهم.. ولذلك تحدث هذه العمليات في الأماكن العامة وهو ما يُعرف بمسرحة الانتحار...الى يومنا هذا لا يعرف أحد سبب انتحار الحيتان على أرصفة الشواطئ ولكن الانسان يعرف..ويدرك ..ومع ذلك ينتحر انتحارا على فشله وفي بعد آخر هي صرخة ألم في مجتمع يتآكل ويعاني.. المنتحر لا ينتحر الا اذا شعر بفراغ داخلي وبفراغ الناس من الانسانية.. تصوروا كمّ الاحلام التي بنيت.. تصوروا كمّ الانتظار وكمّ القهر.. وكمّ الغربة وهم بين الاهل والعشيرة وحتى العائلة.. تصوّرا شابا قدم عشرات الملفات للحصول على شغل..الشاب ينتظر في المقهى.. قهوته من جيب ابيه.. وسجائره من جيب والدته.. الى متى؟.. وماذا عن رجل الاعمال؟.. الذي يحلم بامبراطورية فإذا به يجد نفسه على الصفيح البارد.. كأنما السماء نزلت على رأسه..اين المطافئ وهو حي ولكن الديون ابتلعته... هل من منقذ ..اليوم مات هو ومات معه حلم الامبراطورية التي كان بالامكان ان تشغّل الفقير الذي ملّ الحياة واحترق.. لم يلتقيا في الدنيا وسيلتقيان في السماء تاركين فراغا كبيرا في قلوب أهاليهم..للأسف تعودنا على الجثث المتفحمة تعودنا الى حدّ أننا نقول «حرام» عليه.. وكأننا كنا مكانه..وشعرنا بما يشعر.. النفاق الاجتماعي لم يسلم منه حتى الموت.. لان المحيط مؤثر في هؤلاء.. انظروا الى بؤس ما يُبثّ على التلفزات.. يمرّرون مشاهد مقرفة ومحبطة في قضايا اخلاقية واجتماعية... ويميعون كل ماهو جدير بفتح شهيّة الاقبال على الحياة والتمسك بها.. في أمريكا ترتكز البرامج على النجاح وعلى الذين بنوا أنفسهم بأنفسهم هم يبشرون بالتألق وفي قنواتنا يبرز الفاشل والمخبول والمعتوه.. فقط للضحك.. الضحك البهيمي.. في الاثناء هناك من يتأثر وهناك من يحاكي.. وينسون الناس الذين يعانون .. ومنهم المحترقون..