بقلم: أبو غسان شرع المجلس الوطني التأسيسي أمس في مناقشة مشروع دستور تونس الجديد فصلا، فصلا على أمل أن ينهي أعماله بعد عشرة أيام، أي قبل الاحتفال بالذكرى الثالثة ل 14 جانفي 2011 مثلما اتفق على ذلك المشاركون في الحوار الوطني، ووفقا لما تنص عليه خارطة الطريق التي يجري على أساسها هذا الحوار منذ بداية أكتوبر الماضي. أضاع المجلس التأسيسي الكثير من الوقت في إنجاز دستور جديد لتونس، وهي المهمة الرئيسية التي انتخب أعضاؤه من أجلها قبل أكثر من سنتين. وتجري منذ أسابيع محاولات للتعويض عن هذا الوقت الضائع، خاصة من خلال عمل لجنة التوافقات التي أصبح لها وجود قانوني منذ يوم الخميس الماضي، والتي اتفق فيها على إدراج ما توصلت إليه من اتفاقات ضمن مسودة غرة جوان 2013، وذلك حتى لا تأخذ عملية النقاش ثم المصادقة على الدستور الجديد كثيرا من الوقت، وحتى يتسنى غلق باب المسار الدستوري الذي نصت عليه خارطة الطريق، في أجله بعد أن تكون المسارات الأخرى، وخاصة المسار الحكومي قد استكملت بدورها. ورغم أن هناك إجماعا اليوم من قبل العديد من الخبراء والسياسيين أن نسخة غرة جوان 2013 للدستور، المعدلة بالتنقيحات التي حصل اتفاق حولها في لجنة التوافقات، هي نسخة مقبولة وتستجيب في معظمها لتطلعات كل التونسيين، ودعوة بعضهم إلى وجوب إدخال بعض التعديلات الأخرى البسيطة التي يرونها ضرورية، فإن هذا لا يعني أنه تم تجاوز كل المصاعب على طريق المصادقة على دستور تونس الجديد.. فهناك عقبات أخرى من المؤكد أنها ستبرز أمام نواب المجلس.. وهو ما قد يجعل ولادة هذا الدستور الجديد عسيرة.. فأي تعثر في المسار الحكومي حتى موعد 8 جانفي 2014 تاريخ التكليف الرسمي المنتظر لرئيس الحكومة الجديد قد يؤثر على مناقشة الدستور. كذلك وبشهادة بعض أعضاء لجنة التوافقات - من مختلف الاتجاهات السياسية - هناك بعض النقاط الخلافية التي سيتطلب الحسم فيها الكثير من الجهد والتفهم والوفاق، تحت ضغط الحيز الزمني الضيق جدا، وفي ظل علاقات بين القوى السياسية الكبرى يكتنفها أحيانا كثيرة التشنج والتوتر سواء داخل جلسات الحوار الوطني أو خارجه، وهو ما سيؤثر على عمل لجنة التوافقات أو على الجلسات العامة للمجلس التأسيسي، هذا فضلا عن التعقيدات القانونية الأخرى التي قد تبرز مثلما حصل حتى الآن مع تكوين اللجنة المستقلة للانتخابات التي ماتزال ولادتها تمرّ بمخاض. كذلك لا بد من توقع ردود فعل قوية من النواب المستقلين أو الذين ينتمون إلى الأحزاب غير المشاركة في الحوار الوطني وخاصة الرافضة له أصلا، والذين لن يكتفوا بالتأكيد بدور المتفرج في عملية المناقشة ولن يقبلوا بالتوافقات التي تم إدراجها في مسودة غرة جانفي كأمر واقع مسلم به - وهذا بالطبع من حقهم - وهو ما قد يؤدي إلى بعثرة الأوراق ، وقد تكون له ربما تداعيات سلبية حتى على الحوار الوطني نفسه.