التونسية(تونس) أثارت الأنباء التي تواترت مؤخرا حول إلقاء القبض على أبي عياض عديد الردود وإلى غاية اليوم لا تزال الحقيقة شبه غائبة. فهل تم فعلا القبض على زعيم «أنصار الشريعة» في ليبيا أم أن الأمر لا يعدو ان يكون سوى مجرد فرقعة اعلامية؟وإن كان كذلك لماذا تم تسريب هذا الخبر قبل يوم واحد من نهاية السنة الميلادية ؟ ثم ما الغاية من ترويجه في ذلك الوقت ؟وما حقيقة المعلومات التي وقع تداولها؟ وماهي السيناريوهات الممكنة ؟ وهل يمكن الحديث عن طيّ صفحة الجماعات الجهادية في تونس ؟وماذا عن معسكرات التدريب في ليبيا؟ «علية العلاني» المختص في الجماعات الإسلامية يجيب عن هذه التساؤلات في الحوار التالي: ماهي نسبة صحة ومصداقية الأخبار التي راجت مؤخرا حول إيقاف أبي عياض؟ خبر القبض على أبي عياض لا تزال دوافعه غامضة إلى حدّ الآن وفي الحقيقة هناك 3 سيناريوهات محتملة: السيناريو الأول: هو إما أن يكون قد وقع القبض عليه من أجل التحقيق معه،أو من أجل التثبت في عديد المعلومات خاصة أنه موجود في منطقة مليئة بالتيارات الجهادية وهو على صلة جزئية بالبعض منها وكلية بالبعض الآخر، وبالتالي فإنّ إفاداته تحتلّ أهمية لدى عديد الأوساط ويمكن الإفراج عنه بعد التحقيق معه إذا كان متعاونا مع هذه الأوساط. السيناريو الثاني: يمكن أن يكون قد تمّ إيقافه من أجل التنبيه عليه وتحذيره من الأخبار الرائجة حول مخطّطاته في تونس وحول دوره في معسكرات التدريب في ليبيا وتونس ،وإقناعه بأن هذه المعسكرات التي وقع الإيهام في البداية بأنها مجهولة لتجنيد الجهاديين إلى سوريا قد إستنفدت أسبابها في ظلّ اتفاق المجتمع الدولي على الحلّ السلمي في سوريا ،وفي هذه الحالة لن يعود لمعسكرات التدريب أيّ مبررّ للبقاء، ولا ننسى في هذا الإطار الإتّفاق الأمني الليبي الجزائري منذ أيام قليلة والذي يشددّ على مقاومة الإرهاب والجريمة المنّظمة بين البلدين. ويمكن لأبي عياض في هذا الإطار أن يلعب دورا في إقناع التيارات الجهادية متعددة المشارب في ليبيا بضرورة التخليّ عن كلّ نشاط جهادي داخل التراب الليبي والمغاربي عموما وإلاّ فإن هذه التيارات تصبح عرضة للتصفية الكاملة خاصة أن جلّها متجمّع في ليبيا. السيناريو الثالث: يمكن أن يكون الخبر عاريا من الصحّة،وتم إعلانه للتغطية على أحداث أخرى، لكن تظلّ إحتمالات هذا السيناريو ضعيفة والمرّجح انه تم القاء القبض على أبي عياض والتحقيق معه. وربّما يكون على ضوء التحقيق معه قد تم الإبقاء عليه طليقا أو شبه طليق،في إنتظار التأكد من إمكانية تحسن المؤشرات الأمنية في ليبيا لأن الشركات البترولية الأجنبية والمؤسسات الإقتصادية الدولية لها مصالح كبرى في ليبيا ولا يمكن أن تستمرّ في ظلّ الفوضى الأمنية العارمة بهذا البلد ،بالإضافة إلى أنّ معظم الشعب الليبي ضجر من حالة اللّإستقرار الأمني وهو مصرّ على تحييد التيارات الجهادية في مرحلة أولى ثم منعها في مرحلة ثانية . هل يمكن القول إن العدّ التنازلي لنهاية التيارات السلفية الجهادية قد بدأ بعد أن دخل تيار الإسلام السياسي الإخواني في أزمة هيكلية ؟ أعتقد أن إبعاد خطر التيارات الإرهابية أولوية قصوى لدى الليبيين والتونسيينوالجزائريين والمغاربة بصفة عامة،وبالتالي فإنّ خبر الإعلان عن القبض على أبي عياض سواء صحّ نسبيا أو جزئيا يمكن أن يكون مقدّمة لإزالة معسكرات التدريب التي لم تعد لها وظيفة بعد التحولات الأخيرة في سوريا ،وهي أيضا مقدّمة لإنهاء الوجود الأمني في 4 مدن ليبية كبرى تكاد تكون تحت السيطرة الكاملة للتيارات الجهادية وللخلايا النائمة ل «القاعدة» ،وهو ما يشبه إلى حدّ ما وضعية «أنصار الشريعة» في تونس عندما تمّ منعهم في البداية من عقد اجتماع عام في القيروان يوم 19 ماي 2013 ثم منعهم لاحقا من إقامة خيمات دعوية وإنتهت بتصنيفهم حكوميا كتيّار إرهابي في أوت 2013 ممّا اضطرّ زعيمهم إلى الهروب إلى ليبيا. واتضح للّيبيين أنّ المقاربة التونسية في التعامل مع التيارات الجهادية مقاربة جيّدة و«براغماتية» وهو نفس التمّشي الذي تقوم به حاليا المغرب إذ أعلنت السلطات عن تفكيك ومتابعة الخلايا التي تسفّر الجهاديين المغاربة إلى سوريا . أمّا الجزائر فوقفتها الأمنية الحازمة يمكن أن تفيد ليبيا كما أفادت تونس ولذلك يمكن القول إنّ العدّ التنازلي لنهاية الارهاب في ليبيا وتونس والمنطقة المغاربية عموما بدأ يأخذ مجراه خاصة بعد الأزمة الهيكلية التي يمرّ بها تيار الإسلام السياسي في مصر ،وأعتقد أنها ستمس قريبا تونس وليبيا وهو ما يعني العودة إلى التطبيع تدريجيا في هذه البلدان مع الإسلام المحلي أي الإسلام الإصلاحي الذي طبع المنطقة العربية منذ القرن 19 . هل يمكن القول إنّ التيارات الجهادية ستشهد هجرة جديدة بعد خروجها من مالي وإستقرارها في ليبيا حاليا؟ وماهي الوجهة المحتملة لها مستقبلا؟ أعتقد انّ المثلث الجهادي الذي حاولت «القاعدة» تركيزه في بلاد المغرب الإسلامي بعد الربيع العربي والذي يضمّ تونس وليبيا والجزائر لن يصمد طويلا، وربما ستكون وجهة التيارات الجهادية القادمة نحو مناطق أخرى في إفريقيا لمحاولة التموقع بشكل أكبر في الساحل الإفريقي الذي خرجت منه منذ فترة نظرا لاتّساع المساحة الصحراوية لكن تموقعهم سيكون محدودا حسب تطور الأوضاع، وحسب تقدّم العملية السياسية في ليبيا. كما ستحاول التيّارات الجهادية إحياء جيوبها في نيجيريا وربما في إفريقيا الوسطى بعد الاضطرابات الأمنية بها،لكن لا يمكن القول أن الخلايا النائمة للقاعدة ستخرج نهائيا من المنطقة المغاربيّة لأنها «نائمة» وتستيقظ كلما ظهرت اهتزازات أمنية في المنطقة . أعتقد أن من مصلحة الجزائر خصوصا مضاعفة التنسيق الأمني والتعاون الإقتصادي لجعل المنطقة المغاربية أكثر أمنا لأن بعض الأوساط تسعى منذ فترة إلى ضرب إستقرار هذا البلد وأعتقد أن من مصلحة الجزائر الإسراع بإصلاحات عميقة في المجال الإجتماعي والإقتصادي والسياسي لأن تماسك الجبهة الداخلية مع هدوء الجبهات الخارجية يمثل «صمّام أمان» لأمن الجزائر وإستقرارها الإقتصادي . لماذا كلّ هذا التركيز الأمني على المنطقة المغاربية والإفريقية ؟ أظنّ انّ قارة إفريقيا أصبحت قبلة المستثمرين من أمريكا وأوروبا وآسيا والتسابق نحو ثروات القارة المعدنية والبترولية هو أحد الأسباب في البحث عن أفضل تموقع في القارة ،ولهذا سيصبح الإرهاب ورقة توافق بأشكال مختلفة وفي إتجاهات متعددة إمّا للتخويف أو للتأثير، لكن يبدو أنّ بعض الدول الكبرى بدأت تقتنع أن القضاء على ارهاب التيارات المتشددة أفضل من بقائه ويصبح هذا السيناريو ممكنا ومحبذا إذا نجحت الإصلاحات المشار إليها في الدول المغاريبة والإفريقية عموما. أين موقع تونس من كلّ هذه السيناريوهات؟ وهل أن الإعلان عن خبر القبض على أبي عياض «مفبرك» وماهو الغرض منه؟ إنّ السيناريوهات المطروحة حول إعلان القبض على أبي عياض هي في صالح الإستقرار الأمني في تونس وله عدة دلالات: أولا: سيحرم الجهاديين في تونس من الإنتفاع بالخدمات التي يقدمها لهم نظراؤهم في ليبيا. ثانيا: سيكون مقدّمة لتجريد الميلشيات المسلّحة في ليبيا ممّا سينعكس على تنشيط المبادلات التجارية بشكل أفضل بين تونس وليبيا. ثالثا: سيساهم في تحسن مناخ الإستثمار مع ليبيا والجزائر وسيجعل المناطق الحدودية أكثر إزدهارا ورخاء إقتصاديا عندما يتم تركيز سوق حرة على الحدود التونسية الليبية والجزائرية . رابعا : سيجعل الحكومة القادمة مع رئيسها الجديد أكثر قدرة على تعديل عقارب الساعة في إتجاه الخروج من الأزمة الإقتصادية والأمنية بأسرع وقت وبأقل التكاليف. إن الحديث عن خبر القبض على أبي عياض اليوم لم يعد هاما سواء كان مفبركا أم لا،ويصعب ان تكون المصالح التونسية وراء فبركة هذا الخبر إن صحّ انه كذلك ولكن المهم أن تونس ستكون أكثر أمنا وأكثر ديمقراطية في ظلّ غياب هيمنة التيارات التي توّظف الدين في السياسة ويمكن أن نقرأ الأحداث الأخيرة في تركيا كإشارة على بداية طي صفحة الإسلام السياسي،كما أنه لا مستقبل للديمقراطية والأمن والرخاء الإقتصادي في تونس وفي الوطن العربي إلا بتطبيع علاقة شعوب هذه البلدان مع إسلامها المحلّي المتسامح ،والمعتدل ومع حركاتها الإصلاحية القائمة على مبدإ المواطنة والتعايش الإيجابي مع الآخر، ولن تتحسن أوضاع هذه الشعوب إلا إذا انخرطت في منظومة التعليم الجيّد وحينها يصبح الإرهاب من مخلّفات الماضي. وشاهدنا كيف أن القوات الأمنية والعسكرية كانت في مستوى رفع تحديات الأخطار الإرهابية ليلة رأس السنة وهذا المجهود يسجلّ لفائدة بلادنا. إن المطلوب من الأحزاب السياسية هو الدعم الكامل للحكومة القادمة وإلا فإن العودة إلى الأزمة يصبح ممكنا، ويمكن البحث عن هيكل إستشاري جديد يسند هذه الحكومة ويقدّم لها النصح لا تتعدى تركيبته 11 أو 13 عضوا يرأسه رئيس ويعوّض مؤسسة الرئاسة الحالية . حاورته: بسمة الواعر بركات