بقلم : أبو غسان جاءت الاحتفالات بالذكرى الثالثة لثورة 11 جانفي 2011 أمس باهتة. وكان حضور التونسيين في الشوارع والساحات العامة ضعيفا، واقتصر تقريبا على أنصار بعض الأحزاب السياسية التي نظمت أنشطة ومسيرات بهذه المناسبة في الشارع الرئيسي للعاصمة وفي بعض المدن الكبرى. ويعكس هذا الحضور الجماهيري الضعيف تنامي خيبة أمل شرائح واسعة من التونسيين مما يجرى في البلاد، بعد ثلاث سنوات من سقوط النظام السابق، حيث لم يتحقق الشيء الكثير من الشعارات التي رفعت منذ 17 ديسمبر 2010. ماعدا الحرية التي أصبح التونسيون ينعمون بها، وخاصة حرية التعبير، والتي ليست لأي جهة فضل فيها عليهم، لم تنجح خمس حكومات متتالية في تحقيق الحد الأدنى من المطالب التي انتفض من أجلها التونسيون. وانخرطت النخب السياسية ولا تزال في معارك جانبية ضاعت معها المهام الأساسية التي كان عليها أن تنجزها. بل إن عناوين جديدة للمعاناة أضيفت إلى المصاعب التي أصبح يتكبدها شعبنا، حيث صارت التهديدات الإرهابية والحديث عن الأسلحة المهربة جزءا من واقعه اليومي. ويعيش الكثير من التونسيين تحت خطر فقدان مواطن عملهم بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، فضلا عن تزايد عجزهم على تلبية حاجياتهم الأساسية بسبب الغلاء المشط للأسعار. لم يحتفل التونسيون العاديون أمس كما يليق بذكرى ثورتهم لأنهم يشعرون بأن النخبة السياسية لم تكن في مستوى الانجاز الذي حققه الشعب قبل ثلاث سنوات عندما أطاح بنظام ديكتاتوري مستبد جثم على الأنفاس لأكثر من عقدين من الزمن وعاث فيها فسادا كبيرا، وأتاح لهذه النخبة فرصة تاريخية لم تكن لتحلم بها. ولكن لا أحد رد إلى هذا الشعب جميل هذا الإنجاز العظيم أو التفت بجدية إلى مشاكله الحقيقية، بعيدا عن منطق المزايدات والحسابات الحزبية الضيقة. لم يحتفل التونسيون أمس لأنهم لم يقطفوا بعد ثمار إنجازهم الذي ألهم العالم، ولأنهم يعرفون أنهم لن يقطفوا هذه الثمار قريبا. فهم لم يروا بعد أي مؤشرات تدل على أن الأحوال قد تتغير على المدى القريب، ولأنهم يدركون أن حجم الضرر الذي لحق بالبلاد، وخاصة من الناحية الاقتصادية يتطلب سنوات من الإصلاح وخاصة من العمل الاستثنائي الجبار، وسيكون المواطن العادي البسيط هو المدعو للتضحية أكثر من غيره. ولعل ما جرى بداية هذه السنة بسبب قانون المالية 2014 وما فرضه على الشرائح البسيطة من إتاوات وزيادات خير دليل على ذلك. تزداد معاناة التونسيين يوما بعد يوم ، وتكبر خيبة أملهم شيئا فشيئا إلى درجة أن البعض منهم صار لا يخفي حنينه إلى ما قبل 14 جانفي 2011، وتلك مصيبة كبرى إن كان هؤلاء يعنون حقا ما يقولون. فهل كان هناك حقا ما يدفع التونسيين إلى النزول للشوارع للاحتفال، وقد أصبحت الصورة على ما هي عليه اليوم ؟