تتأثر الديبلوماسية كسائر مجالات الحياة بجميع التحولات والتطورات التي تطرأ على الساحة الدولية ، والديبلوماسية اليوم عمل تشترك وتتداخل فيه عديد الأنماط وإضافة إلى الديبلوماسية التقليدية أو الرسمية هناك الديلوماسية الاقتصادية والديبلوماسية الثقافية وكذلك الديبلوماسية البرلمانية التي تعتبر أهم مجالات الديبلوماسية الموازية. إذ تضطلع البرلمانات بوظائف تقليدية متعارف عليها تتمثل أساسا في المهام التشريعية ومراقبة عمل الحكومات، إلى جانب اضطلاعها اليوم بدور هام وطلائعي لا يقل قيمة عن وظائفها التشريعية والرقابية من خلال مشاركتها في العمل الديبلوماسي. ولقد استعمل مصطلح الديبلوماسية البرلمانية أو استحدث هذا المفهوم من قبل السياسي الأمريكيDean Rusk ثم السياسي والجامعي المكسيكي César Sepulveda ، باعتبارها حسب رأيهما محورا هاما من محاور العلوم السياسية ومصدرا من مصادر قواعد السلوك السياسي. وقد تطورت الديبلوماسية البرلمانية في عالم اليوم حتى أصبحت تتصدر قائمة مختلف أصناف الديبلوماسية الموازية وذلك لعدة عوامل منها أنها تمارس من قبل ممثلي الشعب الذين يتمتعون بهامش أوسع وأرحب من الاستقلالية مما يسهل عملية التواصل بين البرلمانيين من مختلف البلدان فضلا عن إتاحة الفرص لتبادل وجهات النظر والنقاش والتفاوض بعيدا عن الإكراهات والضغوطات الرسمية والبروتوكولية، التي تواجه عادة الديبلوماسية الرسمية أو الحكومية. هذا، ويزداد العمل الديبلوماسي البرلماني أهمية في محيط دولي أصبح معولما على كافة المستويات وهي ظاهرة أفرزت تعدد المتدخلين في المجتمع الدولي بكيفية تؤسس لبيئة دولية جديدة يصعب على الديبلوماسية الرسمية التحكم فيها دون مساعدة من غيرها، وهو ما يستدعي دعم العمل الديبلوماسي للحكومات في الوقت الحاضر من قبل روافد تسانده وتدعمه من أجل تنمية قدراته على دعم وتطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف بين الدول والشعوب. ولهذه الغاية يزداد الرهان على تفعيل الديبلوماسية البرلمانية في بلادنا لدعم الديبلوماسية الرسمية من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية لتونس . إن المتتبع للنشاط البرلماني الخارجي في تونس سواء في الحقبة السابقة ( مجلس النواب) أو المرحلة الانتقالية الحالية ( المجلس الوطني التأسيسي) يلاحظ كثافة هذا النشاط الذي من ابرز أوجهه استقبال الوفود البرلمانية الأجنبية وإيفاد بعثات برلمانية تونسية إلى الخارج إما للمشاركة في مؤتمرات وندوات الاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية أو في إطار تبادل الزيارات التي تندرج ضمن العلاقات الثنائية حتى يتسنى الدفاع عن مصالح تونس ومواقفها في ما يتعلق بالقضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز العلاقات الثنائية مع عدد من البلدان الصديقة والشقيقة. لكن ورغم كثافة هذه الأنشطة فإن تأثيرات مثل هذه الديبلوماسية البرلمانية لم ترتق إلى مستوى التطلعات لعدد من الأسباب والعوامل الموضوعية من أهمها غياب المتابعة الفعلية والعملية لما تمّ التطرق إليه والتوافق عليه في لقاءات برلمانية ثنائية أو متعددة الأطراف، بالإضافة إلى الاكراهات المتعددة التي وضعتها مرحلة الانتقال الديمقراطي أمام المجلس الوطني التأسيسي التي عرقلت قيامه بدوره الرقابي كاملا بخصوص السياسة الخارجية للحكومة ، فضلا عن عوائق ذاتية تتعلق بمدى استعداد النواب واطلاعهم الجيد على ملفات التعاون وعدم إلمامهم أحيانا ببعض الحقول المعرفية والاختصاصات محور المؤتمر أو التظاهرة التي يشاركون فيها وعدم تمكن البرلمانيين من ممارسة النشاط الدبلوماسي بالشكل الكافي والذي يتطلب تكوينا وتجربة . كما وجب لفت النظر إلى غياب التنسيق بين البرلمان في مجال العمل الديبلوماسي مع الدوائر الحكومية الماسكة لعدد من ملفات التعاون وسائر الهياكل وخاصة مكونات المجتمع المدني المعنية مما يجعل من تأثيرات ومساهمة الديبلوماسية البرلمانية محدودة أو منعدمة في كثير من الأحيان ، كما أن عدم موافاة البرلمانيين بالملفات والمعلومات واقتصارهم في الاعتماد والتعويل في ذلك على إمكانياتهم الخاصة لا يسمح لهم باستيعاب الوضعيات بشكل جيد يمكّنهم من تشخيص المشاكل المطروحة وبالتالي تمكينهم من القيام بمأموريتهم بنجاح والاسهام في رسم ملامح السياسة الخارجية لتونس وفقا لمصالحها. وبناء على ذلك، فان البرلمان التونسي القادم وتحديدا مجلس نواب الشعب في حلّته الجديدة بعد انتهاء المرحة الانتقالية يجب أن يستوعب كل هذه المواصفات ، وهو ما من شأنه أن يساهم في إشعاع صورته دوليا والرفع من أدائه الديبلوماسي. ولا بد من التأكيد على أن تعقيدات المشاكل والقضايا الدولية تفرض مراعاة قدرات ومؤهلات البرلمانيين الذين يتم اختيارهم ضمن البعثات المشاركة في تظاهرات في الخارج من أجل ضمان أفضل للدفاع عن القضايا المطروحة والحوار والتواصل الجيد مع نظرائهم من الدول الأخرى، وهي مسؤولية تتحملها المجالس وتحديدا الكتل النيابية في انتقاء من يمثلها في النشاط الديبلوماسي البرلماني، والى جانب ذلك، لا بد من أن يشمل التكوين والتأهيل الديبلوماسي الموظفين والإطارات العاملة بالإدارة البرلمانية باعتبارهم من يتولى مرافقة البرلمانيين في الخارج والماسكين الفعليين بالملفات والساهرين على المساهمة في إنجاح أي نشاط يندرج ضمن سياق الديبلوماسية البرلمانية ، علاوة على أنهم ذاكرة البرلمان. إن هيمنة الطابع الظرفي على النشاط الديبلوماسي البرلماني للمجلس الوطني التأسيسي في غياب لتنشيط مجموعات الصداقة البرلمانية يؤثر على حجم اللقاءات والحوار مع أصدقاء وأشقاء تونس وهو أمر لا يجب أن يستمر وقد اكتملت المرحلة الانتقالية ، فلا بد أن يبادر البرلمان القادم الى تجديد مجموعات الصداقة البرلمانية حتى تكون رافدا مهما داعما للديبلوماسية البرلمانية. وتبقى الأنشطة الديبلوماسية البرلمانية رغم كثافتها في حاجة لإستراتيجية واضحة تتكامل أهدافها السياسية والديبلوماسية. وبالفعل فانه يتضح من خلال حصيلة النشاط الديبلوماسي البرلماني للمرحلة الانتقالية ورغم حرص المجلس الحالي، تبقى الديبلوماسية البرلمانية محدودة الفاعلية السياسية لعدم اهتمامها بالعمل الاستكشافي أو الإستباقي أو الاستشرافي وهي أبعاد تظل غائبة في الأجندة الديبلوماسية للبرلمانات لمواجهة مختلف هذه التحديات أصبح تفعيل الديبلوماسية البرلمانية يحتاج لمقاربة جديدة ومتطورة لممارسة النشاط الديبلوماسي بشكل مغاير وعلى أسس تعتمد البحث العميق والمدروس وبكيفية إستباقية حتى تشكل بالفعل سندا قويا للديبلوماسية الرسمية ومرآة عاكسة لتطلعات الشارع ونبضه واهتماماته.. بقلم: محمد المأمون حامدي (إطار بالمجلس الوطني التأسيسي)