تونس - الصباح خصص مجلس النواب أمس الأول، »الملتقى البرلماني التمهيدي« للمدة النيابية (2014/2009) لتناول جملة من الموضوعات بينها الديبلوماسية البرلمانية.. وقال السيد محمد اليسير، المدير العام لأوروبا والاتحاد الأوروبي بوزارة الشؤون الخارجية، أنّ الديبلوماسية ظاهرة قديمة قدم المجتمعات البشرية، وهي تمثل وسيلة للتخاطب بين الدول، وأداة لخدمة مصالح كل دولة.. ولاحظ أنّ تطوّر العلاقات الدولية واتساع دائرتها، سمح بتطوّر الديبلوماسية البرلمانية، كقوّة تأثير، بوصفها ممثلة للشعوب.. خلفية تاريخية.. وأوضح اليسير في مداخلته التي حملت عنوان »البرلمانات وموقعها في العلاقات الدولية«، أنّ دور الديبلوماسية البرلمانية، ترسخ على الصعيد الدولي بحكم النسق المتسارع لعولمة القضايا الدولية، والتطوّر الملحوظ في سياسات الدول، إلى جانب الدور المتنامي للمجتمع المدني، ما يفسّر اضطلاعها بدور أكثر فاعلية في صياغة خيارات السياسات الوطنية للدول التي كانت حكرا على السلطة التنفيذية... لكن المحاضر، أكّد أنّ الديبلوماسية البرلمانية ضاربة في التاريخ، بدءا بالحضارة الإغريقية، ثمّ الرومانيّة، مرورا بمرحلة الثورة الفرنسية التي شهدت إحداث »لجنة« خاصة عهدت إليها مهمة دراسة المعاهدات التي تبرمها فرنسا مع الخارج، والاطلاع على سياسة فرنسا الخارجية ورفع تقارير في الغرض إلى الجمعية الوطنية... قبل أن يبرز مفهوم الديبلوماسية البرلمانية متعددة الأطراف مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما تمّ تأسيس »اتحاد ما بين البرلمانات« (1889)، ضم ممثلي برلمانات تسع دول. دور جديد.. وقال اليسير، إنّ ظاهرة العولمة واحتدام التنافس بين الدول، والانفجار الهائل في تكنولوجيات الاعلام والاتصال، والصبغة الدولية للقضايا المطروحة، خاصة في مجالات الأمن والسلم ومقاومة الإرهاب والديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستديمة وحوار الحضارات والثقافات، كل ذلك فرض على الديبلوماسية البرلمانية الانخراط في العلاقات الدولية، من خلال تحوّلها إلى رافد من روافد السياسة الخارجية للدول، عبر مشاركتها في »المؤسّسات« البرلمانية المختلفة مغاربيا وعربيا ودوليا وأورومتوسطيا، واضطلاعها بدور التسويق للسياسات الوطنية والدفاع عنها، إلى جانب التعريف بها في الأوساط البرلمانية والديبلوماسية وفي صلب المنظمات غير الحكومية.. حول البرلمان الأوروبي.. وتطرّق المدير العام لأوروبا والاتحاد الأوروبي بوزارة الخارجية، إلى دور الاتحاد الأوروبي في العلاقات الدولية، فلاحظ أنّ معاهدة لشبونة الأخيرة التي دخلت حيّز التنفيذ في ديسمبر 2009، جعلت البرلمان الأوروبي عنصرا أساسيا في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الداخلية والخارجية للاتحاد، والمشاركة في سنّ التشريعات الأوروبية، وبات بوسع البرلمانات الوطنية الأوروبية - تبعا لذات المعاهدة - رفض أيّ مشروع قانون يقترحه البرلمان الأوروبي من زاوية المصالح المحلية للدول الأعضاء ووفقا لضوابط قانونية.. وأشار اليسير إلى أنّ المعاهدة باتت تسمح للبرلمان الأوروبي بالتدخل في عديد القضايا، بما في ذلك ما يجري في دول الجوار الأوروبي، وهو ما يعني أنّ البرلمان الأوروبي يساهم في تحديد السياسات الأمنية والخارجية والتنموية لدول الاتحاد.. وشدّد على أهمية دور مجموعات الصداقة البرلمانية في تطوير علاقات الدول وتشابك مصالحها وتبادل الخبرات فيما بينها.. بما جعل الديبلوماسية البرلمانية، مكمّل للديبلوماسية التقليدية.. أدوار.. ووظائف.. وحرص السيد الصحبي القروي، النائب الأوّل لرئيس مجلس النواب، على توضيح المستوى المفهومي للديبوماسية البرلمانية، فقرر أنها »مجموعة الوسائل التي تدار بواسطتها العلاقات بين الدول«، وأوضح أنّ الديبلوماسية البرلمانية التي كانت تختزل في فن التفاوض، تجاوزت تدريجيا المقاصد القديمة، لتنشد العلاقات بين الدول في زمن السلم والصراعات، وهو ما عزز دورها التكميلي للديبلوماسية الكلاسيكية.. ولاحظ القروي في مداخلته بعنوان: »الديبلوماسية البرلمانية التونسية«.. أنّ الديبلوماسية البرلمانية، تتحرك بالتنسيق مع مواقف الحكومة، ولكنها تسبق الديبلوماسية العادية في أحيان كثيرة، ما يفسّر الرهان الكبير عليها والمتزايد من قبل الحكومة. ولفت النائب الأوّل لرئيس مجلس النواب، الذي يعدّ أحد الخبراء في الديبلوماسية البرلمانيّة، إلى أن الموقع الجغراسياسي لتونس، يجعل منها ملتقى استراتيجيا هاما، تتداخل ضمنه المواقف السياسية والثقافية والاقتصادية والتجارية والأمنية التي تنعكس - ضمنا وضرورة - على المصالح التونسية.. وقال إن الديبلوماسية البرلمانية، استفادت من سياسة الاعتدال والتعقّل والمعالجة الرصينة والصبغة الاستشرافية التي طبع بها رئيس الدولة سياسة البلاد.. وهي قواعد أساسية كشفت الأحداث والتحولات من حولنا جدّيتها وحجمها وتأثيرها.. ولم يخف ما سماه ب»الدور التنموي« للديبلوماسية البرلمانية التونسية الذي يرمي إلى خدمة أهداف التنمية الوطنية بجميع روافدها ومكوّناتها.. تساؤلات... وإجابات... وتساءل عدد من النواب في أعقاب المداخلتين، عن نتائج عمل المجموعات البرلمانية التونسية، ودعا النائب الأزهر الضيفي إلى ضرورة تحقيق اختراقات فاعلة في مجالات ديبلوماسية الشبكات والمجموعات.. وتساءل بوجمعة اليحياوي عن مدى تأثير وزارة الخارجية في مهام وأدوار الديبلوماسية البرلمانية.. فيما دعت رضا بوعبيد إلى ضرورة أن تضطلع الديبلوماسية البرلمانية بمهمة التعريف بالمواقف والخيارات والتوجهات الوطنية، سيما فيما يتعلق بالملفات والمكاسب المعروفة (الأحوال الشخصية.. والبيئة.. على سبيل المثال..). وأكّد الديبلوماسي، محمد اليسير في سياق إجابته على تساؤلات النواب، أن التنسيق بين وزارة الخارجية والديبلوماسية البرلمانية، قائم ضمن مفهوم الشراكة، في جميع الملفات، خصوصا في مجال مقاومة من أسماهم ب»المناوئين« في البلدان الأوروبية.. ورفض اليسير فكرة تعيين سفير تونسي يعنى بحقوق الإنسان على اعتبار أن تونس ليس لديها مشكل حقوق إنسان، »إنما نحن نواجه فئة من المناوئين ممن يحرصون على إلحاق الضرر بالبلاد«، وهؤلاء تجري مواجهتهم عبر عدة قنوات أخرى، يتوفر بها رجال قانون وحقوقيين متمرسين..