أثار تصريح الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي في المجلس التأسيسي، حول الصعوبة التي تواجهها لجنة استرجاع الأموال المهرّبة تعاليق بعض الخبراء، خاصة حين قال إنّ مؤسسة أمريكية أبدت استعدادها لأخذ هذا الملف على عاتقها مقابل عمولة لا تتحصّل عليها إلاّ بعد الاسترجاع الفعلي للأموال وإيداعها بالخزينة التونسية، ومضيفا أنه راسل وزارة العدل لإبداء الرأي. وفي هذا الشأن، قال معز الجودي الخبير المالي ل«التونسية» إنّ تكليف شركات أمريكية لاسترجاع الأموال المهربة في الخارج مقابل الحصول على نسبة منها إذا حصل يعتبر إعلان فشل وهروب إلى الحلول السهلة والمكلفة مطالبا الشاذلي العياري بعملية تدقيق واضحة في الخطوات التي قاموا بها من أجل استرداد هذه الأموال و في الخبراء الذين يمكن الاستعانة بهم. وأضاف الجودي أن اللجنة لم تقم بعملها كما يجب ولم تعمل في تنسيق مع مختلف الأطراف مما دفعهم إلى إعلان الفشل والتفكير في اللجوء إلى حلول سهلة قد تكلّف الدولة خسارة مبلغ كبير. وشبّه الجودي هذه الشركات ب«الصقور التي تنقضّ على الفريسة دون رحمة» مشيرا إلى أن هناك حوالي خمس شركات تعمل بهذه الطرق وأنها تابعة للمنظومة المالية العالمية وليست عليها شبهة على المستوى القانوني وأن هناك شبهة اخلاقية ولا إنسانية مثل الضغوطات والتجسّس تحوم حول ممارساتها لاسترجاع الأموال. وأضاف الجودي إن لدى هذه الشركات تجارب ناجحة في العديد من دول العالم منها الإفريقية مشيرا إلى أنّ الإيجابي في الاعتماد عليها هو أن الدولة لن تدفع أموالا دون الحصول على نتائج لكن الخبير المالي أشار إلى انه بدأ يشكك في نزاهة الدول التي ترفض تسليم أموال تونس المنهوبة وتُشدّد في إجراءاتها لتعطيل تسليم الأموال قصد دفع تونس وغيرها إلى اليأس والسقوط في الفخ وبالتالي الالتجاء إلى هذه الشركات وتكليفها بالتدخل مضيفا إن هذه الدول تقدم امتيازات للأنظمة الفاسدة قصد تهريب الأموال واستثمارها في بنوكها. أما الخبير الاقتصادي محمد الجراية فقد كان أقل تحفّظا وأكثر تقبّلا للفكرة مؤكدا ل«التونسية» أنه لا يرى مانعا في ذلك لعدّة اسباب أهمّها أن الأموال المهرّبة وصلت إلى المصارف الأجنبية بطرق ملتوية ومتشعبة. ثانيا، عملية استرجاعها تتطلّب أبحاثا معمَّقة لتحديد موقعها وهي مهمّة ليست في متناول خبرائنا رغم مجهوداتهم والدليل النتائج الحالية. ثالثا، الإطار القانوني يمكن إيجاده وذلك بالالتجاء إلى الأنتربول. على اعتبار أن مهمة استرجاع الأموال في حالة الالتجاء إلى شركة أجنبية سيكون بمقابل، شدّد «جراية» على ضرورة حسن التفاوض حول مبلغ العمولة حتى لا يكون مرتفعا، وختم قائلا إنّ هذا الحلّ هو من مجموع خيارات أخرى ممكنة وفي كل الحالات يبقى أحسن من لا شيء. في المقابل، يعتقد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي عبد الستار المبخوت أن فكرة تكليف شركة أمريكية باسترداد الأموال المنهوبة جريئة لأن العملية صعبة ومعقّدة و تتطلّب العديد من الخبرات لإعادة رسم شبكة تهريب الأموال وكشف الحسابات المرقّمة والجنّات الضريبية مشيرا إلى أن هذه العملية تتطلب مؤسسات متخصصة وإلى أن مثل هذه العمليات متداولة في أمريكا لأن القانون العام في هذه الدول مختلف عن القانون اللاتيني. وأعطى مثالا عن أكبر الشركات المختصة في المراقبة والاستشارة بما فيها تقنيات استرجاع الأموال ك«ديديي لافيون» الأمريكية. أما عن الكلفة، فقد أكد المبخوت ل«التونسية» أن ذلك طبيعي خاصة أن استرجاع الأموال ومنح عمولة مقابل ذلك أحسن من لا شيء وتلك شريعة الأنظمة المالية، قائلا «أضعنا 3 سنوات ولم نتحصّل على شيء»، داعيا إلى الابتعاد عن العاطفة وترجيح كفة العقل رغم أن نسبة استرجاع الأموال ليست كبيرة حتى من خلال هذه الشركات لان إخطبوط الفساد أذرعه متشعّبة يجعل هذه الأموال المنهوبة غير موجودة وغير ظاهرة. وختم بالقول:« إن تونس لا تملك الخبرات القضائية وليس لها مكاتب متخصصة في هذه العمليات لذا اعتقد انه يجب الالتجاء إلى مثل هذه الشركات ومنحها النسبة التي تطلبها فوق الطاولة أفضل من أن تتحصل عليها من أصحاب الأموال المهربة تحت الطاولة».