بقلم: مصطفى قوبعة احتضنت تونس الأسبوع المنقضي الاجتماع الدوري للجنة الدائمة للثقافة العربية المنبثقة عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، ومن جملة ما أفضى إليه هذا الاجتماع هو إعلان مدينة صفاقس عاصمة للثقافة العربية لسنة 2016 بعد أن حظيت مدينة تونس العاصمة بهذا الشرف سنة 1997. وبالكاد أطلق شباب ونشطاء ومثقفون بالمدينة مبادرة « صفاقس تحلم» ( الحلم بمدينة أفضل) حتى خصتها « الألكسو» بصفة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2016، على أمل أن تتوسع مبادرة « صفاقس تحلم» إلى كل مدن الوطن لننتج حلما جماعيا يكون فيه المواطن (المدينة أو الجهة) في خدمة الوطن. ستكون صفاقس على موعد مع التاريخ سنة 2016 أي بعد 21 شهرا فقط وهي فترة بالكاد كافية لتكون المدينة في مستوى الحدث بدعم وبمساندة من السلطة المركزية نأمل أن تكون في مستوى حجم الحدث . ستكون صفاقس عاصمة للثقافة العربية، بالمفهوم الشامل والمتكامل لمصطلح «الثقافة» وفي أبعادها التاريخية والفكرية والأدبية والمعمارية والفنية والتربوية والرياضية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق تحتوي المدينة على مخزون ثري ومتنوع ضارب في أعماق التاريخ منذ العهد الأمازيغي،ويحفظ لها الماضي البعيد مكانة الزيتونة في وجدانها ودور مينائها النشيط الذي كان نافذتها الحيّة على بحر المتوسط بضفتيه الأوروبية والعربية. أما سورها فما يزال شامخا شاهدا على صمود أهلها قديما وحديثا ضد الغزاة وآخره الملحمة البطولية في التصدي للانزال العسكري الفرنسي في جويلية 1881. من موقعها وبعمرانها بنت المدينة أمجادها، وفيها نشأت الحركة النقابية التونسية المستقلة أين قطع الإتحاد العام التونسي للشغل أولى خطوات تأسيسه بتكوين اتحاد نقابات الجنوب وقدمت في مسار حركة التحرر الوطني والإجتماعي شهيدين هما الزعيمان فرحات حشاد والهادي شاكر كانا أوّل ضحايا الاغتيال السياسي في بلادنا. كان شبابها منذ الستينات في الصفوف الأولى للحركة الديمقراطية الناشئة وخاض أهلها كل النضالات التي قادها الشعب التونسي من أجل الحرية والتقدم وصولا إلى دورهم المفصلي والحاسم في ثورة 17 ديسمبر 2010، هذا دون أن ننسى الجيل الأول من فنانيها ومبدعيها على غرار الشيخ أحمد بوديّة، ومحمد الجموسي وأحمد حمزة والجيل الذي أخذ المشعل على غرار السينمائي النوري بوزيد والمطرب صابر الرباعي والمرحوم يوسف الرقيق مؤسس مهرجان المحرس الدولي للنحت وغيرهم كثيرون ممّن أسهموا في إشعاع الثقافة التونسية عربيا ودوليا. مدينة متألقة دراسيا وإجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ورياضيا جديرة بالتكريم ، لم تكرّمها الثورة بعد ثلاث سنوات من قيامها بل جاءها التكريم من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تكريما لمخزونها الثقافي والحضاري ولطاقاتها المبدعة المتجددة، ورغم تآكل واهتراء بناها الأساسية فإنّنا على يقين أن المدينة قادرة على وضع برنامج على امتداد كامل سنة 2016 يكون فيه للجميع نصيب، للمثقفين ولأهل الفن ولرجال الأعمال وللمبدعين وللرياضيين وللحركة الشبابية نصيب. وإننا على يقين كذلك أن أهل المدينة سيشمرون من اليوم عن سواعدهم رغم كل المعوقات القائمة لكسب هذا الرهان، هذه كذلك هديتهم للوطن تونس، فلتكن سنة 2016 على ايقاع « ياقادم لينا ما تفارق تونسنا البيّة، إلاّ ماتجينا وتذوق مريقة صفاقسية».