أجّل المجلس الوطني التأسيسي النظر في مقترح القانون عدد 44 لسنة 2012 المتعلّق بإحداث دوائر متخصّصة في قضايا شهداء وجرحى الثورة، وذلك لغياب ردّ من قبل الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بخصوص دستورية المقترح. وتحوم حول مشروع القانون المتعلق بسحب قضايا شهداء وجرحى الثورة المنشورة لدى المحكام العسكرية وإحالتها إلى دوائر متخصصة لدى القضاء العدلي تخوفات عديدة ومتعدّدة من إمكانية خرق دستوري محتمل من خلال مخالفة أحكام الفصول 110 و149 من الدستور الجديد، زادت فيها معالم الفوضى التشريعية المتأتية تحت الضغط الجماهيري المرابط يوميا أمام المجلس والمتكوّن من عائلات شهداء وجرحى الثورة ومكوّنات من المجتمع المدني تكلّلت بتعاطف عدد هام من نواب الشعب بمختلف انتماءاتهم الحزبية مع القضية، ودعوتهم إلى ضرورة تمرير القانون عدد 44 لسنة 2012 بعد إخراجه من درج مكتب المجلس الوطني التأسيسي بعد أن رزخ فيه ما يفوق السنة والنصف، غير عابئين بتحذيرات زملائهم النواب خصوصا منهم المنتمين للكتلة الديمقراطية وفئة قليلة من المستقلين من امكانية حدوث خرق دستوري في حالة المصادقة على المشروع، وهي رؤية فنّدها النائب بشير النفزي عن كتلة «المؤتمر من أجل الجمهورية» مصرّحا ل«التونسية» أنّه لا صحة لما ذهب اليه البعض من ان المصادقة على القانون عدد 44 لسنة 2012 في طبيعته خرق قانوني، مبيّنا أنّ ما سيقع هو إحداث دوائر متخصصة تتوفر لها كل الإمكانيات الفنية واللوجستية وتتخصص بمحاكمات قتلى الشهداء دون سواهم، وأنّ الأمر لا يتعلق بتاتا بإحداث محاكم إستثنائية أو سواها، مشيرا الى أنّ طرحها في قانون العدالة الانتقالية سوف يأخذ وقتا طويلا وقد يصبح طرحه ثانويا، وانه لذلك تدعم كتلة «المؤتمر» بقوة مشروع هذا القانون لتمريره في أسرع وقت ممكن. تحذيرات من خرق دستوري من جانبه، نبّه محمد الطاهر الإلاهي أمين عام «حركة التونسي» خلال تصريح أدلى به ل«التونسية» من خطورة ومغبّة تمرير مشروع القانون عدد 44 لسنة 2012 بتعلّة التضامن مع شهداء وجرحى الثورة، موضحا أنّ هذا التمشي قد يضيع حقوق أهالي شهداء وجرحى الثورة ويزيد في معاناتهم، مشيرا إلى انه كان أجدر بالنواب المتعاطفين معهم أن يتحرّكوا تجاه المنطق السليم والضامن للقانون والحقوق عبر الدعوة إلى تنقيح قانون العدالة الانتقالية بتمكينها من امكانية النظر في ملفات قضايا شهداء وجرحى الثورة والتعجيل بإرساء هيئة الحقيقة والكرامة أو على الأقل ادراج تنقيح قوانين القضاء العسكري في اختصاصه للجريمة العسكرية على معنى الفصل 110 والفصل 149 من الدستور، مؤكّدا أنّ مشروع القانون المتعلّق باحداث دوائر متخصّصة في المحكة الابتدائية وأخرى في محكمة الاستئناف بتونس غير دستوري بالمرّة ويمثل مهزلة تشريعية بامكانها أن تعصف بحقوق شهداء وجرحى الثورة كما ان من شأنها ضرب مصداقية النواب الذين يعتقدون أنّ هذه الدوائر استثنائية، والحال أنّها مرفوضة ومحجّرة دستوريا، مشيرا الى ان معالجة أخطاء بأخطاء أخرى أفدح وأعظم حسب قوله، رغم أنّ الدستور في فصله 149 قد فوّض محاكم القضاء العسكري بمواصلة مهامها و النظر في القضايا المتعهدة بها الى حين تنقيح القوانين الرّاجعة لها على معنى الفصل 110 من الدستور. مزايدات سياسية وحلول مقترحة وعن رأيه في المسألة وما خلفته من لغط وارتباك قانوني على المستوى التشريعي، دعا قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري في تصريح ل«التونسية» الى ضرورة الكفّ على المزايدات السياسية في التعاطي مع قضية الشهداء وجرحى الثورة في بادئ الأمر، معتبرا أنّه قد تمّ التلاعب بالجرحى والشهداء كما تتلاعب النكداء بالحسباء على حدّ قوله، ملاحظا في ذلك أنّ قضية الحال كانت تعلن فيها المواقف في الندوات الصحفية لكن لم تتبعها إجراءات كفيلة بحفظ حقوق الجميع، خاصة انها قضية ليست بالعادية باعتبارها تهم مئات الشهداء والجرحى ولم يتم التعامل معها بالطريقة المطلوبة، قائلا بصريح العبارة إنّ تونس شهيدة كما كانت شهيدة مع عبد العزيز الثعالبي.أمّا في ما يتعلّق بالجوهر، فقد أشار قيس سعيد إلى وجوب توضيح بعض الأمور من بينها الفرق بين المحكمة المتخصصة والمحكمة الاستثنائية، موضحا أنّ الدستور الجديد يمنع احداث محاكم استثنائية بالفصل 110 منه، وأنّه ومن الصعب التفريق بين المحكمة المتخصصة والمحكمة الاستثنائية اذا كان الامر يتعلق بالقانون الجزائي، مبيّنا أنّ مثل هذا الاشكال سيتضح حال احداث مثل هذه الدوائر، من بينها «كيف سيكون الأمر اذا قبلت محكمة التعقيب الطعن في الأصل وتولت احالة القضية الى دائرة استئنافية بالمحكمة العسكرية بهيئة أخرى؟ وماهو مآل الأحكام التي صدرت؟»، معتبرا أنّ أفضل طريقة للتعامل مع هذا الوضع المستجد هي ادخال تنقيح على الفصل الثامن من القانون الاساسي المتعلق بالعدالة الانتقالية وذلك بإدراج هيئة جديدة تتركب من قاض ويتولى عضويتها اربعة اعضاء من ذوي الاختصاص في القانون اثنان منهم يمثلان عائلات الشهداء ولا يتم تعيينهما الاّ بناء على اقتراح من الجمعيات واهالي الشهداء ، اما الاثنان الاخران فيمثلان الجرحى ولا يتم تعيينهما الّا بناء على اقتراح للجمعيات الممثلة للجرحى، على أن يكونوا من بين ذوي الاختصاص والاستقلالية والحيادية، وهو حلّ وصفه بالممكن من منطلق أنّ الفصل 148 من الدستور في باب الاحكام الانتقالية يتيح مثل هذا الحل خاصة انه لا يعتد بمجال العدالة الانتقالية بحجة الشيء المقضي به على حد تعبيره. فحوى المشروع وينصّ المشروع المؤجل عرضه على الجلسة العامة للمصادقة عليه، والذي تقدمت به حركة «وفاء» بتاريخ 11 جويلية 2012 على أن تتخلّى المحاكم العسكرية بمختلف درجاتها عن النظر في قضايا القتل والجرح المتعلّقة بمسؤولي النظام السابق وأعوانه إبّان الثورة.ووفق مشروع القانون المذكور، سيتم إحداث محاكم مختصة تتولى القيام بأعمال البحث والتحقيق ومحاكمة المتهمين في الجرائم المشار إليها تتركّب من قضاة مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وغير مورطين في منظومة النظام السابق، على أن يتم نشر قائمة أسمائهم بالرّائد الرسمي للجمهورية التونسية، ويقع تعيينهم بأمر ضمن قائمة تقترحها الهيئة الوقتية للقضاء العدلي. كما يعتبر نص القانون كافة الاعتداءات المرتكبة التي استهدفت مراكز الشرطة والحرس الوطني أو مقرّات التجمع الدستوري الديمقراطي المحلّ أو مقرات الإدارة العمومية أو ممتلكات رموز النظام السابق أثناء أحداث الثورة أعمال مقاومة للاستبداد شرعية وغير موجبة للتتبع، وكذلك الأمر بالنسبة لأعمال طرد رموز النظام السابق من وظائفهم بمناسبة قيام الثورة وبعدها.