نجا أمس كل من وزيرة السياحة أمال كربول والوزير المكلّف بالأمن رضا صفر من الإعفاء من مهامهما خلال جلسة مساءلة ومحاسبة لهما بالمجلس الوطني التأسيسي على خلفية دخول ما يزيد عن 60 اسرائيليا للتراب التونسي ضمن وفود سياحية استعدادا لموسم الحج اليهودي ب «الغريبة»، بعد أن حالت الأصوات المطلوبة لحجب الثقة دون بلوغ النصاب المطلوب والمقدر ب134 صوتا أي ثلاثة أخماس عدد النواب. وبدأت معالم جلسة المساءلة باختلاف إجرائي بين ممثلي الكتل النيابية حول سرية أو علنية الجلسة، حيث طالب عدد من النواب المنتمين لكتلة «النهضة» و«التكتل» والوفاء للثورة والانتقال الديمقراطي على ضرورة أن تكون خلف أبواب مغلقة وبعيدة عن مرأى ومسمع وسائل الاعلام، مبرّرهم في ذلك حساسية المسألة وتداعياتها على الأمن والاقتصاد الوطني، وهو أمر عارضه بشدة نواب «المؤتمر من أجل الجمهورية» والانتقال الديمقراطي والتحالف الديمقراطي والذي بيّن أمينه العام محمد الحامدي أنّ العلنية هي من ضمانات الديمقراطية والشفافية وأنّ دعوات رئاسة الحكومة مساءلة أعضائها عبر السرّية هو أمر في غير محلّه داعيا الى الكف عن مقايضة الأمن بالحرّية التي أعتبرها من شيم النظام السابق، وليحسم الجدل اثر ذلك عبر التصويت ويقرّ عقد الجلسة العامة بصفة علنية. مناهضة التطبيع وأثناء التطرّق إلى لبّ الموضوع، اعلن النائب فيصل الجدلاوي، متحدثا باسم النواب الموقعين على اللائحة أن المذكرة التي أصدرها رضا صفر للسماح بدخول السياح الإسرائيليين في مناسبتين بعد إلغاء الأولى من قبل وزير الداخلية «لا حدود زمنية لها، وتعني بالأساس السماح لهم بالدخول الى تونس في جميع الرحلات الترفيهية». ووفق تقديره، أشار فيصل الجدلاوي، الى أن كل سائح من الإسرائيليين الذين تم السماح لهم بالدخول يمكن أن يكون من المخبارات أو إرهابي أو أي شيء آخر، مذكرا في ذلك بحادثة الاعتداء الإسرائيلي على حمام الشط، واغتيال ثلاثة قياديين فلسطينيين من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، خلال ثمانينات القرن الماضي. وقال الجدلاوي ان الموقف المضمن في اللائحة لا علاقة له بصراع الأديان ولا بالحج إلى معبد اليهود في الغريبة، مبينا أنّ السماح بدخول سياح إسرائيليين يعد تشجيعا ضمنيا للسياسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. تجنّ على الوزراء وفي ردّه عن اللائحة ودفاعا عن موقفه، اعتبر الوزير المكلف بالأمن لدى وزارة الداخلية رضا صفر أّن عريضة المساءلة وسحب الثقة تعّد تجنّيا لأنّها تظهره ووزيرة السياحة أمال كربول وكأنهما يريدان التطبيع في حين أّن القضية إجرائية وإدارية داخلية على حّد قوله. واعتبر صفر أّن هناك ثوابت تتمثل في سيادة الدولة وسيادة القرار وأمن الدولة والأمن القومي وثوابت تتعلق بالقضايا المصيرية مثل القضية الفلسطينية، قائلا «نحن لا نتعامل مع وثائق إسرائيلية... تعاملنا كان مع أشخاص لا مع جوازات سفر إسرائيلية وذلك ضمن رحلات منظمة لمدة ست ساعات، ولم يتم التعامل مع وثيقة رسمية اسرائيلية»، مؤكّدا أّن التطبيع هو كّل ما يتعلق بالتعامل مع وثائق أو جهات رسمية صهيونية. وأكّد أّن هذا الإجراء في التعامل مع الوافدين إجراء متواصل منذ 14 جانفي 2011 وهو سابق لهذا التاريخ، مضيفا أنّ الملحوظة الواردة في اللائحة والمتعلّقة بطبيعة الاجراءات قد صدرت يوم الجمعة 11 أفريل، وعلل إصدارها بكونها جاءت تبعا لأحداث جدت بتونس تتعلق بقرار فردي منع من خلاله ل 14 حاملا للجنسية الاسرائيلية من الدخول، إذ منعوا خلافا للإجراءات والتعليمات الجاري بها العمل فقامت حملة سياسية وإعلامية وروّجوا أن تونس تمارس التمييز بين الأديان. وقال إنه وإلى حدود فيفري المنقضي كان يسمح لحاملي الجنسية الاسرائيلية بالدخول، لكن بعدما عرفته البلاد من أحداث خلال شهر فيفري المنقضي والتي تتعلق بتوجيه ضربات موجعة للإرهابيين في عمليتي رواد وحي النسيم ولأسباب أمنية بحتة، تم التحفظ على دخول هذا الصنف من السياح تجنبا لردة فعل ممكنة، فظلوا في حدود القرية السياحية بميناء حلق الوادي. وأوضح أن الملحوظة تخص 3 فئات وهم: الوافدون للحج في الغريبة وعرب 48 المشاركين في الندوات الدولية والمشاركون في الرحلات البحرية والذي يتم التعامل معهم على اعتبار أنهم في وضع عبور، يقصدون الأسواق أو المتحف أو سيدي بوسعيد أو قرطاج. اتهامات باطلة من جهتها، نفت وزيرة السياحة آمال كربول خلال جلسة المساءلة وسحب الثقة منها ومن الوزير المكلف بالملف الأمني بوزارة الداخلية رضا صفر زيارتها لميناء حلق الوادي منذ توليها شؤون الوزارة. وأكّدت وزيرة السياحة أنّها لم تزر ميناء حلق الوادي لاستقبال سيّاح من جنسيات صهيونية. وأشارت في هذا السياق إلى أنّ تونس اتهمت سابقا في تعاملها مع وفود السياح الأجانب بالتمييز خاصّة ضدّ من هم من الديانة اليهودية. وشددت على أنّ سيادة تونس وسياستها الخارجية وخاصة موقف تونس والتونسيين من القضية الفلسطينية هي ثوابت لدى الحكومة ولا يمكن المساس بها. من جهة أخرى تحدّثت كربول عن إنجازات الوزارة لمدة ثلاثة أشهر وذلك منذ توليها الوزارة من ارتفاع لعائدات السياحة، مشيرة إلى أنّه في الايّام القليلة الماضية ألغيت عدّة رحلات سياحية باتجاه تونس على غرار باخرة «كارنيفال» الأمريكية التي ألغت رحلتها إلى تونس التي كانت مقرّرة لنهار اليوم والتي تقدر عائدات وفودها بحوالي 500 ألف أورو. وقد عبّر عدد من النواب عن احتجاجهم لما اعتبروه خروج الوزيرة عن مضمون الجلسة العامّة الذي لا يتضمن جدول أعمالها الحديث عن إنجازات الوزارة. تباين المواقف وفي إطار النقاش العام أكّد رئيس كتلة التحالف الديمقراطي محمد الحامدي أنّ النواب لا يسعون لزعزعة الحكومة ولا زعزعة أمن البلاد وانه ليس لهم مشكلة شخصية مع الوزيرين على حدّ قوله. وقد اعتبر الحامدي أنّ إجابة رضا صفر لم تكن واضحة وتتعارض مع ما ورد في الملحوظة التي وقّع عليها والتي تتحدث عن وجود إحاطة أمنية لبعض السياح من بينهم حاملي جوازات السفر الصهيونية. وأشار الحامدي الى أنّ ما أقر به الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المتمثل في أن التعامل مع السياح الصهاينة معمول به منذ 14 جانفي لا يبرئ الحكومة الحالية بل يدين الحكومات السابقة ما بعد الثورة، مؤكّدا أنّ التحجج بأن هذا الأمر كان معمولا به وكأنه تصريح بأن التطبيع كان سريا وأصبح معلنا. من جانبه، اعتبر النائب عن حزب التحالف الديمقراطي محمود البارودي أنّ توجيه لائحة لوم لكلّ من وزيرة السياحة والوزير المكلف بالأمن تصفية حسابات سياسية. وأعلن البارودي أن 157 صهيونيا دخلوا تونس في الفترة الفاصلة بين أكتوبر 2013 وجانفي 2014، وأشار الى أنّه من الواجب مساءلة وزير الداخلية لطفي بن جدو بخصوص هذا الملف، وهو ما أثار غضب عدد من نواب كتلة حركة النهضة التي طالبت السلطات بالكشف عن صحّة هذه الأرقام من عدمها. في سياق آخر قال النائب المستقل محمد نجيب حسني إنه لا يوجد أي إشكال في دخول اليهود إلى تونس، مؤكّدا أنّ اليهود هم أشقاء العرب والمسلمين في الكتاب والإنسانية. وأشار حسني في مداخلته إلى أن الإشكال يتعلق بالكيان الصهيوني وبالحركة الصهيونية المغتصبة للأرض العربية في فلسطين على حدّ تعبيره.. لا لسحب الثقة من جانبه صرح عامر العريض رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة والنائب بالمجلس التأسيسي ل«التونسية» أن حركة «النهضة» لن تصوت على لائحة سحب الثقة، مشيرا في الصدد ذاته الى أنّ بعض نواب المجلس من الكتلة قد اتجهوا نحو سحب توقيعاتهم من اللائحة حتى تسقط شكلا، بالرغم من أنّها تندرج ضمن إطار المهمة الرقابية للمجلس التأسيسي على أشغال الحكومة. وأكد عامر العريض أن مداخلة رضا صفر كانت على قدر هام من الوضوح ورفعت اللبس الذي يخيم حول مسألة دخول إسرائيليين للأراضي التونسية، وأن الوزير المكلف بملف الأمن أوضح أن القضية الفلسطينية من الثوابت الوطنية والجوهرية التي لا تراجع فيها، وأن تضامن تونس مع القضية الفلسطينية لا تراجع عنه. مظاهرات لدعم كربول وتزامنا مع جلسة المساءلة، نفّذت الغرفة الوطنية لأصحاب التاكسي السياحي صباح أمس وقفة احتجاجية أمام المجلس الوطني التأسيسي للتعبير عن مساندتهم لوزيرة السياحة آمال كربول والوزير لدى وزير الداخلية المكلّف بالأمن رضا صفر. وأكّد المحتجون أمام المجلس بساحة باردو أنّه ليس هناك أي إشكال مع السياح الاسرائيليين وانه ليست هناك أيّة مشاكل مع أي دولة، مشدّدين على أنّهم ضد تفريق الديانات وأن التونسيين متسامحون مع جميع الأديان الموجودة في هذه البلاد، وهو ما أكّده محمد علي العبيدي نائب رئيس الغرفة الوطنية للتاكسي السياحي في تصريح أدلى به ل«التونسية». وقد طلب المشاركون في وقفة المساندة من نواب المجلس التراجع عن جلسة المساءلة والكف عن تعطيل الاقتصاد على حدّ قولهم.