المحمدية.. القبض على شخص محكوم ب 14 سنة سجنا    تالة: مهرجان الحصان البربري وأيام الاستثمار والتنمية    "سلوكه مستفز": الافريقي يطالب بتغيير هذا الحكم في مباراته ضد الصفاقسي    حالة الطقس هذه الليلة    سوسة: ايقاف مروج مخدرات وحجز 500 قرصا مخدرا    عاجل/ قضية "اللوبيينغ" المرفوعة ضد النهضة: آخر المستجدات..    بتهمة التمييز... أربع صحافيات يقاضين "بي بي سي"    أسعار المعادن في العالم: الذهب والفضة الملاذات الآمنة والنحاس مقياس للصحة الاقتصادية    مجلس وزاري مضيق: رئيس الحكومة يؤكد على مزيد تشجيع الإستثمار في كل المجالات    فاو: ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء... اللحوم والزيوت النباتية والحبوب    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    ألكاراز ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة بسبب الإصابة    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها    تونس تحي اليوم الوطني للدبلوماسية    عاجل/ أعمارهم بين ال 16 و 22 سنة: القبض على 4 شبان متورطين في جريمة قتل    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    ما قصة هروب افارقة من حافلة متجهة إلى ولايتي جندوبة والكاف ؟    توطين مهاجرين غير نظاميين من افريقيا جنوب الصحراء في باجة: المكلف بتسيير الولاية يوضّح    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها    مراسلون بلا حدود: تونس في المرتبة 118 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2024    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستضيف الأولمبي الباجي في حوار فض الشراكة في الصدارة    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    جندوبة: 6 سنوات سجنا وغرامة مالية لممثّل قانوني لجمعية تنموية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه.    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    188 قتيلا في فيضانات جراء الأمطار بكينيا..#خبر_عاجل    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    قرعة كأس تونس 2024.    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهير مخلوف ل«التونسية»:صعود الإسلاميين للسلطة فخّ وقعوا فيه
نشر في التونسية يوم 20 - 05 - 2014

هدف هيئة الحقيقة والكرامة الأساسي هو المصالحة الوطنية
أرفض رفع يافطة «المقدّس» لمغالبة طرف سياسي
لا سبيل لأن تكون الهيئة بديلا للدولة
حوار: أسماء وهاجر
يشغل زهير مخلوف حاليا خطة « تقني رئيس» بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجيّة بنابل التابع لوزارة التعليم العالي. انتدب بالوظيفة العموميّة سنة 1988 وهو سجين سياسي سابق اعتقل في عهد النظام السابق لمدّة عامين ونصف كان آخرها الحكم الصادر ضدّه سنة 2010 والقاضي بسجنه 4 أشهر من أجل الإساءة للغير باستعمال الوسائط الالكترونية. -اختير كشخصية وطنية من طرف كل الحساسيات والفعاليات السياسية والجمعياتية والمهنية ليكون عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي سنة2011 وشغل منصب كاتب عام الفرع التونسي لمنظمة العفو الدوليّة من 2011 إلى 2013 وهو عضو بمنظمة العفو الدولية منذ 2000 وعضو بمنتدى الجاحظ . ساهم في تأسيس الجمعيّة الدوليّة لمساندة المساجين السياسيين سنة2002 . وهو عضو مؤسس لمنظمة حرية وإنصاف سنة 2007 و»كاتبها العام» إلى حدود سنة 2009 وعضو بالمنتدى الإقليمي الدولي لرصد أماكن الاحتجاز في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط . وكان عضوا بالمرصد الوطني لاستقلال القضاء سنة 2012 وعضوا مؤسسا للجمعية التونسية لتأهيل المساجين في مارس 2011 وعضوا بالتنسيقيّة الوطنيّة للسجون المتعاقدة مع وزارة العدل بهدف زيارة ومتابعة أوضاع السجون والمساجين . شارك في كافة أطوار الاجتماعات الخاصة بالعدالة الانتقاليّة ومناقشة مشروع قانونها . أوقف من طرف البوليس السياسي في أكثر من 30 مناسبة وذلك طيلة العشريتين الماضيتين من حكم المخلوع . وقع الاعتداء عليه بالعنف الشديد من طرف البوليس السياسي في 7 مناسبات . ونتج عن ذلك عمليات جراحية في مستوى الأنف واليد اليسرى.اختير بالتوافق الكامل من طرف كل الكتل بالمجلس الوطني التأسيسي في لجنة الفرز لهيئة الحقيقة والكرامة. «التونسية» التقته فكان معه هذا الحوار الشامل .
ألا تعتقد أن اعراض نقص الثقة في تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة أول بذرة لفشلها ؟مثلا هناك من يعتبرها مشروعا طوباويا ؟
اكيد ... فكل من لا يؤمن بالعدالة الانتقالية سيزعم أنه مشروع دغمائي او طوباوي يسبح في فضاءات غير قابلة لتنفيذه ولا تنزيله في الواقع وهم قادرون على الترويج لذلك لما يملكونه من قدرات دعائية وإعلامية ولجهلهم بمحاسن وفضائل هذا النسق والمسار. وأعتبر أن الذين لا يؤمنون بالعدالة الانتقالية لا يملكون بديلا حقيقيا لتطوير حياة التونسيين والانتقال بهم نحو وضع ديمقراطي مستقر يؤسس للتقدم والرفاه كما يؤسس للأخوة والتسامح والتراضي والتحابب البناء وهي السبيل الوحيد لبناء الثقة التي تهندس للعمل المشترك والتوافق الحقيقي الرصين بين الطيف الاجتماعي والسياسي القائم وهي الشمعة المضيئة في طريق بناء دولة القانون .... هذه الهيئة تقدمت لها العديد من الفعاليات المدنية والحقوقية والمهنية والعلمية والأكاديمية وفتح باب الترشح لجميع اطياف المجتمع ،وتقدم لشغل عضويتها أكثر من 400شخص من كفاءاتنا الوطنية ضمن ما ضبطه القانون طبعا وضمن معايير ومواصفات الاستقلالية والحيادية والنزاهة. ولم تكن هذه المواصفات مانعة لأي طيف إلا من كانت له مسؤولية في حزب سياسي على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي أو تقلد مناصب حكومية أو تنفيذية أو نيابية في الفترات السابقة كلها بما فيها فترة ما بعد الثورة أو ناشد رأس النظام السابق للترشح للانتخابات الرئاسية . وقد وقع اختيار الاعضاء من طرف لجنة الفرز التي اعتمدت على معيار الكفاءة ,والخبرة والقدرة والنضالية والاستقلالية والحياد والنزاهة وعلى آلية الإجماع والتوافق على الأفراد المؤهلين لإنجاح هذه المسيرة الصعبة والحساسة والهامة. وبعد بذل الجهد والحوارات والتدقيق في الملفات اختارت لجنة الفرز بالتوافق 15عضوا كان للتجاذبات السياسية نصيب في هذه العملية ولا أتصور أن يتمكن اي مجتمع عند اختيار أية هيئة من التخلص من هذه التجاذبات باعتبار أن لجنة الفرز بدورها قد تشكلت -بامتياز- من خلال كتل وتوجهات سياسية. وأقول إن الأمر فيه بعض الهنات في الاختيار لوجود بعض التجاذب السياسي ولا أتصور أن تكون معطلة لهيئة العدالة الانتقالية أو لعملها الذي سيكون جماعيا ومؤسساتيا وهيكليا وستعتمد الهيئة جهازا تنفيذيا فاعلا ولجانا حدد دورها في كشف الحقيقة والبحث عن سبل الانتقال الديمقراطي وجبر الضرر ,واصلاح الاوضاع والمؤسسات عبر القيام بالتوصيات. وأعتقد انه حتى وإن وجدت اطراف سياسية فلن تقدر على تعطيل أو تجيير المسار والأعمال لصالح أحزاب أو توجهات حزبية. فالعقل الوطني الجمعي والايجابي أقوى من العقل الحزبي الفردي المتحيز ، والعمل الجماعي والهيكلي والمؤسساتي له الدور المركزي في حماية الهيئة حتى لا تحيد عن مسارها. والمجتمع المدني كذلك قادر على اعادة بوصلة المسار الى طريقه الاصلي إن بدأت خطوات التحريف والانحراف وكذلك فإن القانون المنظم لهذه الهيئة يبقى ضمانة إضافية لعدم الانحراف وأمان من عدم سيطرة هذا العضو أو ذاك -إن وجد أصلا- من تحريف مسار الهيئة أو أعمالها كما أن الفصل 37 يمكن الأعضاء بأغلبية الثلثين من إعفاء أي عضو ثبت عجزه او ارتكابه إخلالا خطيرا بواجباته المهنية المحمولة عليه « كما أن الفصل 38 يمنع أيا كان من التدخل في أعمال الهيئة او التأثير فيها ، وتمارس صلاحياتها ومهامها بحيادية واستقلالية تامة طبق مبادئها . كما يمكن محاسبة الأفراد إن حاولوا تحريف مسارات الهيئة والخروج عن مبادئها واهدافها وحياديتها واستقلاليتها,ورغم التخوفات والتشكيك من بعض الاطراف لا اتصور ان هؤلاء لهم القدرة على فرض آرائهم بشكل او بآخر ..
عاد الجدل حول هذه الهيئة من طرف السياسيين اثر صدور الأحكام الأخيرة المتعلقة بقضايا الأمنيين ؟
قانون العدالة الانتقالية لم يكن خيارا استراتيجيا لبعض الأطراف السياسية ، والمواضيع المطروحة في أجندة الحوار الوطني وغياب المسألة خير دليل على إقصاء هذا المطلب من استحقاقات خارطة الطريق. ولم يشهد ملف العدالة الانتقالية حركية فعلية وكخيار جماعي إلا بعد صدور «الكتاب الأسود الملعون» الذي وإن ساهم في تسريع المسار فإنه ضرب المبادئ الأساسية لروح العدالة الانتقالية التي تلتزم مبدأ الانتقال لا مبدأ الإنتقاء أو الإنتقام وزادت القناعة العامة بتسريع هذا المسار حين صدرت الأحكام النهائية الخاصة بشهداء وجرحى الثورة بالمحكمة العسكرية وأنا اعتبرها اشياء موضوعية ضغطت لتحريك ملف العدالة الانتقالية وإصدار قانونها وتفعيلها والوصول بانتخاب هيئتها والتوافق على أعضائها بشكل ديمقراطي تشاركي ولكني أعتبر ان المحاكمات العسكرية حتى وان سرعت موضوع العدالة الانتقالية فان ذلك لن يكون لتكريس عدالة انتقامية أو انتقائية كما حصل في الايام الاولى للثورة عندما كانت المعالجة جنائية وانتقائية. وأتصور أن الهيئة ستعمل على المساءلة والمحاسبة والمصارحة والمعالجة والانصاف وكشف الحقيقة وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات ولكن هدفها الاساسي هو الوصول إلى مصالحة وطنية تعمق وتؤسس للاستقرار السياسي والبناء الحضاري والتقدم الاقتصادي والسلم الإجتماعي والتصالح الانساني والتضامن المجتمعي وتحابب الأجيال القادمة دون إعادة إنتاج البغضاء والكره والحقد ودون استنساخ الانتهاكات الماضية .فهيئة الحقيقة ستكشف الحقائق وستحفظ الذاكرة الوطنية ، فان ثبتت تجاوزات الأفراد بأدلة إدانة قاطعة فليس للهيئة إلا سلطة التوصية للهيئات المشرفة وهياكل الدولة القائمة وأجهزتها المباشرة وتوصيتها إما بإحالة المذنبين على التقاعد الوجوبي أو الإعفاء أو الإقالة ،أو التوصية بإحالتهم على القضاء إذا كانت جرائمهم جسيمة تمس بحقوق الانسان الاساسية والتي حددها الفصل 8وهي اساسا القتل العمد والاغتصاب والتعذيب والاختفاء القسري والاعدام دون توفير ضمانات المحاكمة العادلة واضيف لها الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات والفساد المالي والاعتداء على المال العام والدفع الى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية. وهناك لجنتان ستعنيان بهذه الملفات الأولى«لجنة التحكيم والمصالحة » وستقوم بإيجاد صلح بين الافراد في الانتهاكات التي تقع في ما بينهم أو الفساد الذي حصل في مؤسسات الدولة او في المؤسسات التي لها علاقة بالدولة كما المعالجة بين الجلاد والضحية ولا ينحصر دورها في التوصية بالإحالة على القضاء فحسب كما يعتقد الكثيرون ولكنها ستبذل الوسع للتصالح ولكن بضابط وحيد وهو عدم شراء ذمة وصمت الضحايا بل بإرضائهم ورد الاعتبار لهم والتعويض المجزي.كما أن «لجنة الفحص الوظيفي واصلاح المؤسسات»ستقوم بإصدار توصيات لاصلاح المؤسسات وايجاد مقترحات سواء لغربلة القوانين وتنظيف المؤسسات وليست لها سلطة إصدار العقوبات والقرارات النهائية والتدخل المباشر والعقابي في شؤون هياكل الدولة أو الإدارة أو المؤسسات القضائية أو الأمنية أو غيرها بل لها سلطة الاقتراح وإسداء التوصيات والهدف من كل ذلك تنقية المؤسسات من شوائبها سواء كانوا أفرادا أو نصوصا قانونية مكرسة للفساد أو الإنتهاكات. كما أن للهيئة جهازا تنفيذيا جهويا في كامل الجهات سيقوم بمتابعة الملفات وتفحصها والتحقيق فيها ولكن هيئة الحقيقة والكرامة هي وحدها التي تصدر المواقف والقرارات وبالتالي ستكون للهيئة ادوات جهوية للمتابعة والتدقيق والفحص. أما الحسم النهائي في مثل هذه الملفات فسيكون من مشمولات الهيئة ويوجد ضمن هذه الهيئة ايضا «صندوق الكرامة لرد الاعتبار لضحايا الإستبداد» واموال هذا الصندوق الذي حصل بشأنه لغط كبير وتجاذبات سياسية كادت تضر بالمسار نفسه تتأتى من اعتمادات صغيرة من الدولة ، باعتبارها طرفا في الاستبداد والفساد الذي أحدثته سنوات القمع وهي المسؤولة المباشرة عن تلك الانتهاكات. أما البقية الهامة من هذه الاعتمادات فسيكون مصدرها منح متأتية من هيئات دولية ك«المركز الدولي للعدالة الانتقالية» ومن الصناديق التابعة للأمم المتحدة ومن الهيئات الأممية وكذلك من منح تتأتى من قبل الهيئات الوطنية على ألا تكون مشروطة ويساهم هذا الصندوق في جبر ضرر الضحايا فهو الآلية الأساسية المعتمدة في كل التجارب لمعالجة آلام الناس وضررهم المادي والجسدي والصحي والعائلي والمعنوي وعمليات تفقيرهم التي ساهمت فيها السلطة وأجهزتها. ولا يمكن طي صفحة الماضي الا بجبر ضرر الضحايا من تاريخ جويلية 1955 سواء كانوا بايات تونس أو اليوسفيين أو ضحايا احداث 78أو ضحايا أحداث «الخبز» 1984 أو تلك التي سلطت على الآفاقيين واليساريين في السبعينات أو الانتهاكات التي تعرض لها القوميون أو الاسلاميون أو غيرهم منذ 1955 إلى 2013 أو ما تعرض له ضحايا وجرحى وشهداء الثورة التونسية أو ما تعرض له النشطاء والسياسيون والحقوقيون بعد ذلك على ألا تكون التجاوزات قد حدثت بعد 24 ديسمبر 2013 تاريخ صدور القانون المنظم للعدالة الانتقالية . صحيح ان هناك من يكتفون برد الاعتبار المعنوي ولكن هناك من خسروا ماديا وصحيا وجسديا وهم يعانون من عاهات مستديمة ومعيقة وأمراض مزمنة وحادة ولا يكون جبر ضررهم الا ماديا لتجاوز إشكالية أمراضهم وعاهاتهم ومشاكل تفقيرهم ومحاصرتهم التي كلفتهم الحاجة والفقر وضياع أرزاقهم وممتلكاتهم وذلك من أجل استعادة الثقة بين أفراد المجتمع والدولة التي تسببت في تحطيمهم وتدميرهم . وهذا بعض ما يمكن اعتماده من وسائل لاستعادة الثقة بالدولة لان الشعور بعدم الانصاف قد يؤدي الى ردود فعل انتقامية قد تصل الى حد لا يتصوره أحد وبالتالي لا يمكن معالجة مثل هذه المشاكل الا بجبر الضرر لتجاوز معضلات الماضي وكل تجارب العدالة الانتقالية في كل المجتمعات حتى تلك المتقدمة قامت بجبر الضرر المادي والمعنوي للضحايا ونجحت في عملية البناء والانتقال وخلق روح التضامن والتحابب وهذا جزء من اعمال الهيئة لبناء دولة ديمقراطية وارساء سلم اجتماعي عام .
ما هي خصوصية التجربة التونسية في سنها لمشروع هيئة الحقيقة والكرامة مقارنة مع التجارب المقارنة؟
التجربة التونسية لها خصوصية متميزة حيث انتهجت اسلوب التشارك والتشاور والاستئناس بتجارب الآخرين والاستقلال عن الدولة. وقد انطلق المشوار في 14 أفريل 2012 بندوة وطنية حول إطلاق الحوار الوطني في مسألة العدالة الانتقالية وتم ذلك بإشراف الرؤساء الثلاثة وبحضور كل الطيف المجتمعي والمدني والحقوقي والسياسي وكذلك المجتمع المدني الدولي والخبراء المحليين والدوليين وفي 28 أفريل 2012 انعقدت جلسة حوارية مع المجتمع المدني التونسي أقر فيها بعد التشاور إحداث لجنة فنية مستقلة تتكفل بإعداد مشروع القانون المنظم للهيئة على الا يتعدى الأمر 5 أشهر وعلى أن يتم الحوار والتشاور القاعدي والجهوي ضمن حوار مفتوح مع كل الطيف المدني والجمعياتي والسياسي والمهني والمجتمعي باعتماد «استبيان علمي» وهيئات جهوية مستقلة ومحايدة تشرف على هذا الحوار. ثم احيل القانون على وزارة العدالة الانتقالية التي فتحت من جديد حوارا مع المجتمع المدني الذي نقح المشروع واحيل بعد ذلك على الحكومة التي أحالته بدورها دون تنقيح ولا تصرف على المجلس الوطني التاسيسي الذي قام ببعض التنقيحات الجزئية واحيل على التصويت عليه فصلا فصلا ثم تشكلت لجنة فرز باشراف رئيس المجلس الوطني التاسيسي لاختيار أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة وفتح المجال للطعن في المرشحين من طرف كل الشعب التونسي وفي الاخير تم الاستماع الى المطعون فيهم ومدى مواءمة الطعون مع القانون وتم بعد ذلك اختيار الهيئة بشكل نهائي من لجنة الفرز التي ستحيلها بدورها إلى المصادقة على أعضائها في جلسة عامة بأغلبية الحاضرين على الا تقل عن ثلث الأعضاء. البعض يعتقد أن العديد من أعضاء هذه الهيئة سيقومون بإعادة محاكمة الأمنيين وخلق مطبات للسبسي العدو التقليدي للعديد من أعضاء الهيئة على طريقة حقوق الإنسان ؟ محاسبة الناس ستكون من طرف هياكل الدولة إمّا إداريا أو قضائيا وفي غياب الاثباتات لا يمكن ان تقبل الدعوى قضائيا. وفي حالة ثبوت الاتهامات والدعاوى فستتم المحاكمة ضمن اعتماد أسس المحاكمات العادلة والشفافة والنزيهة ولكن بعيدا عن التأثيرات السياسية والاعلامية. فالهيئة ليست هيئة قضائية إنما ستحيل الملفات المدعمة والمثبتة إلى دوائر قضائية متخصصة بالمحاكم الابتدائية المنتصبة وبالتالي هياكل الدولة والقضاء المستقل والمحايد وغير العسكري هي من ستكون لها الكلمة الفصل في القضايا المحالة وليس الهيئة باعتبار أنها ليست هيئة قضائية .
كيف يمكن لسهام بن سدرين المتهمة بتشويه الأمنيين وبتخريب وزارة الداخلية وتقويض جهاز الاستعلامات وما جر ذلك لتونس من متاعب مع الإرهابيين أن تلتزم بالحياد والموضوعية لو تلقت تظلما من عائلات شهداء وجرحى الثورة؟
أنا لا أميل إلى أسلوب التشكيك والاتهام ولا انخرط مطلقا في التجاذبات وإثارة الضجيج حول الأفراد ومصداقيتهم وحياديتهم وقدرتهم ولكن ما أجزم به هو أنه لن يكون لأي فرد مهما علا شأنه أي تأثير على القرارات النهائية للهيئة ، وحتى لو فرضنا أن الهيئة قدمت توصيات لا تستند لمعطيات وأدلة فإنها لن تنجح في إقناع المؤسسات التي وجهت لها بهذه التوصيات ولن تنجح في إحداث تغييرات داخلها أو إعفاء بعض أفرادها أو معاقبتهم. ويعتبر هذا التوجه مخلا بتطلعات الهيئة في الاصلاح والغربلة وبالتالي فإن ضرورة الموضوعية مطلوبة وحاسمة وبالتالي فالتوصيات الاعتباطية لن تجد تفاعلا ايجابيا ولا فعليا . فالتوصيات الموثقة بالاثباتات هي التي تؤخذ بعين الاعتبار ....وانا لا اتصور نجاح هذه الهيئة الا اذا تفاعلت ايجابا مع هياكل الدولة .والتخوف المهم في هذا المضمار هو أن تصبح هذه الهيئة بديلا للدولة ومؤسساتها أو ان تصبح كيانا مهيمنا قادرا على تقويض هياكل الدولة وهذا المفهوم هو ناتج عن عدم فهم بعض الناس لطبيعة هذه الهيئة ومهماتها وأدوارها ومبادئها ، وسوء الفهم أيضا يتأتى من تخوفات انطباعية من الطرف المقابل المشكّل لمؤسسات الدولة. وان صادف أن حصل التباس من بعضهم بسبب فهم خاطئ لأفراد بعثوا برسائل سلبية فسيتم إصلاح ذلك من خلال العمل الجماعي والتفاعل الايجابي والثقة المتبادلة والدفع بالاصلاح من طرف الجميع.
لا تخسرونا ثورتنا فقد استشهد من أجلها الأكارم وضحّى من أجلها الأفاضل . هكذا قلت في رسالتك للطفي زيتون «لا تخسرونا ثورتنا» : وزدت: فالآخر الخصم إن وجد متسعا للتسامح ولامس تحويرا واستماعا وقبولا بالنقد فهو حتما يلين ويتغيّر وهو لا محالة سيزحزح موقفه إيجابا هل هو استشراف من زهير مخلوف أن لا مجال لاقصاء رموز النظام السابق ؟
أكيد اردت ان اقول له ان الاخر الاصم هو حائط لا بد من ثقبه . وهذا الاصم يمكن ان يسمع خطابا هادئا عقلانيا وأن يعتبر ويصلح نفسه وطبيعته. وانا لا اعتبر أن أيّ تونسي هو شخص أصم لا يمكن لأحد زحزحة قناعته وخطابه بل كلنا يمكن أن يخطئ ويصلح خطأه وكانت دعوتي استشرافية باننا لا بد ان نقبل ببعضنا ضمن أدوات التنافس السياسي والديمقراطي والحقوقي والمدني والطرف الوحيد الذي يمكن أن يقصي الخاطئين أو المذنبين هو الشعب او القضاء وإن «زيتون» قد اقتنع بالامر ولكن بعد سنتين من تلقيه رسالتي وجاء موقفه بعد حصول تعرجات وإخفاقات وخسائر جسيمة ما كان لها ان تحدث أو أن تقع وانا لا اعتبر ما وصل إليه نوعا من الإبداع السياسي فقد جاء الأمر متأخرا . وأعتبر أن من يصل الى هذه النتائج بفعل الضغوط هو ليس بالمحنك السياسي بل لا يصنف أصلا من زمرة السياسيين فالسياسة بمعناها التقليدي هي استشراف فن الممكن..
لماذا كانت رسالتك أقسى لكل من علي العريض والمرزوقي هل أخطاؤهما أفدح بكثير إم تتنزل في نفس خط لطفي زيتون ؟
المسؤولية التي يتحملها المرزوقي كرئيس جمهورية والسيد علي العريض كوزير داخلية حينها هي أكبر وأعظم وإن الانتهاكات الحقوقية التي قاما بها كانت أفدح ولذلك كان خطابي أشد عليهما باعتباري حقوقيا لا اقبل مطلقا وبأي حال من الأحوال أن تصدر مثل هذه التجاوزات من أشخاص عانوا كثيرا من نفس السلوكات في عهد المخلوع.وكان الأجدر بهم ألا يلتجؤوا إلى مثل تلك التجاوزات والخروقات.
كنت اسلاميا قريبا من توجهات «النهضة» بالاساس ثم بعد الثورة لاحظنا أنك ناقد لاذع لحكومتي «النهضة» إلى حد انك جاهرت بفشل حكومة علي العريض هل انت حامل لشعار ضد السلطة مهما كانت؟
أي حقوقي يرفع شعارا مركزيا وهو أن حقوق الانسان يجب أن تصان وتحترم في الأول وفي الآخر وفي كل الظروف . وإذا صادف أن حصلت الانتهاكات حتى وان كانت قادمة من سلطة الاصدقاء فعلى الحقوقي ان يكون ضدها وأن يتصدى لها . اما مسألة اني كنت ناقدا لاذعا لهم فهو من قبيل التجاوز إذ اني كنت ناقدا كذلك لحكومة الباجي قائد السبسي في ما يخص ممارساته ضد السياسيين أو ضد الصحفيين او ضد المتظاهرين ..وفي تصوّري لا يتدخل الحقوقي الا اذا كان هناك انتهاك لحقوق الانسان.... انا لم أعاد أية حكومة ولكني نقدت الحكومات التي قامت بتجاوزات حقوقية ومشكلتي بعد الثورة حقوقية بحتة وليس لي موقف تجاه من يحكم البلد ؟ بل مواقفي تنطلق من إشكالية كيف يحكم أي طرف البلد؟ واهتمامي ينصب في مجال نقد السلوكات الماسة بحقوق الانسان وطريقة تعاطيها ومعالجتها للمسألة الحقوقية ولا يتجه نقدي للأطراف السياسية بذواتها الشخصية أو الحزبية أو الايديولوجية . انا حوكمت منذ زهاء 23 سنة ونيف في إطار المحاكمات التي سلطت على الاسلاميين سواء كانوا من السياسيين او من مجموعات الصوفية أو من مجموعات الدعوة والتبليغ او أعضاء «حزب التحرير» وقد حوكمت حينها من اجل اخفاء هارب من العدالة وعدم الاستنجاد القانوني وافتعال بطاقة تعريف وطنية لكني كنت من الاسلاميين ولذلك وجهت لي تهمة الانتماء ولم أخف توجهي الاسلامي حينها وحتى في نشاطي الحقوقي بعد خروجي من السجن لم استنكف من صفتي وقد كتبت عديد المقالات منذ 1999 ضد بن علي ومنظومة الاستبداد والجميع يعرف طبيعة تديّني المنفتح والذي لا يختلط بالسياسي ومن بين المقالات والدراسات الهامة التي كتبتها دراسة بعنوان «حصاد 20سنة من الانقلاب الابيض» كشفت فيه بالوثائق والأدلة والإثباتات ان نظام بن علي كان يقمع التونسيين لمجرد صفتهم الاسلامية والتزامهم بالتدين وقيامهم باداء الصلوات في أوقاتها .
بقي ان نظام بن علي لم يحاكمني في المناسبات التالية من اجل ذلك لأنه اقتنع انني اسلامي غير متحزب وقد تأكدت استقلاليتي وحياديتي حين اخترت ب«الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» وقد أجمع كل الطيف السياسي والحقوقي والمدني على اختياري ضمن أعضائها وزاد تأكيد ذلك اجماع الكتل كلها على اختياري بالتوافق بينها عضوا ل«هيئة الحقيقة والكرامة» ويتراكم الحكم ويتعزز بعدم التحزب والتسيّس حين لا يوجه ضدي أي طعن من مجتمعنا التونسي كله إلى هيئة الفرز بالمجلس الوطني التأسيسي . لست نهضاويا ولكني من اكثر الموالين لهوية هذا الشعب التي اعتبرها خطا احمر لا يجوز وضعها ضمن الصراعات والاستقطابات الايديولوجية الحادة التي مزقت العديد من البلدان والتي كادت أن تنتكس بها نخبتها وتلقي ببلادنا في هذا الصراع المفتعل وغير المجدي وقد دام هذا الصراع قرابة عام كامل. وفي المقابل فإني أرفض أن تستغل الهوية كشماعة لمغالبة طرف بعينه وقهره بسبب فكره أو انحيازه لتصورات أخرى وأرفض أن يصبح شعار المقدس يافطة يرفعها طرف ضد طرف لمغالبته سياسيا، فالهوية لا تنفي عقائد الآخرين ولا حرياتهم ولا اختياراتهم وتندرج في المفهوم الشائع وهو«العمومي المشترك» في بلادنا ولا يجب ان تكون عنصر تفتين واحتراب ومغالبة سياسية بقي أن الآخر يجب عليه ألا يحارب طواحين الهوى باختلاق هوية أخرى موهومة لشعبنا التونسي . نجيب محفوظ قال «أعطوا للإخوان السلطة فإنهم سيسقطون» فهل يمكن أن يكون الفخ الذي كشف عورات وحكم الاسلاميين هو صعودهم لسدة الحكم؟
كتبت مقالا في شهر سبتمبر2011 تحت عنوان «ويل للعرب من شرّ قد اقترب» نشرته مجلة «الوطن العربي» استشرفت من خلاله المستقبل وكان ذلك قبل ان يدخل الاخوان الحكم بسنة وقبل أن تحكم «النهضة» بشهر ونيف وخلاصته أن القوى المهيمنة ستعمل على تصعيد الإخوان للحكم من أجل إبرازهم في صورة المخفق الفاشل الذي لا يملك بديلا اقتصاديا ولا سياسيا ولا مجتمعيا وقلت حينها إنهم سيقعون في الفخ والشرك الذي نصب لهم وتوقعت ان الثورات العربية ستفشل وسيقع الالتفاف عليها بسبب جهل الحاكمين وعدم اصرار الثائرين وتخطيط الماكرين .
عكس الممجّدين للثورات العربية فانك اعتبرتها ثورات وقع الالتفاف عليها لصالح الكيان الصهيوني كيف ذلك ؟
إذا رجعنا إلى الثورات والانتفاضات التي حدثت وتحدث الآن في المنطقة العربيّة ونسق تطورها وتسارعها والمتدخّلين بها والفاعلين الأساسيين فيها ندرك أنّ المعركة الكبرى هي معركة اقتصاديّة بالأساس تعمل على أن يبقى الأخطبوط (الصهيو- أمريكي) نافذا ومتنفّذا وأيضا تسعى إلى إتمام تشكيل الشرق الأوسط الجديد على الشاكلة الحاليّة والمنتظرة والمُخطّط لها منذ سبتمبر 2001 ولن تكتمل ملامح خارطتها إلا بالتبعيّة الاقتصاديّة التي يُسوّق لها من خلال شعار «الديمقراطيّة على الشاكلة الأمريكية» وهو ما بشّر به «جورج بوش» سنة 2003 ودعا إليه بقوله «لا بد من دمقرطة العالم العربي والإسلامي بشكل أو بآخر» وفي خطابه الثاني ذكر مصطلح «الحروب الصليبيّة» في إشارة إلى المعركة القادمة مع العالم العربي والإسلامي . وكانت العلامات والدلائل والمؤشرات تنبئ ب«ربيع عربي» قادم فقد طُلب من حسني مبارك الرئيس السابق لمصر سنة 2008 الا يترشّح للانتخابات الرئاسية الموالية وقبل في البداية بالمقترح الأمريكي ولكنّه بعد ذلك ناور وبدأ في تهيئة إبنه لخلافته وكان ذلك خطأه القاتل الذي نسفه ونسف حكمه كما أنّ «كوندوليزا رايس» حين قدمت إلى تونس سنة 2009 طالبت من «بن علي» ألا يترشّح للانتخابات الرئاسيّة الموالية ولكنه همّش طلبها واستهان بها وحاول البروز في هيئة الرجل القوي الذي لا يرضخ للتدخّلات الأجنبيّة والإبتزاز معللا ذلك حسب ما كشف عنه موقع «ويكيليكس»بالتزامه باستقلاليّة قراره الوطني .وقد قام نفس الموقع الالكتروني بمثل هذا الدور حين قام بمهمّة نشر غسيل الأنظمة حتّى يحرض عليها شعوبها وهذا ما تؤكّده الوقائع. فكل البلدان والأنظمة التي رامت التمديد أو التوريث حدثت فيها ثورات لانّ ذات الإستراتيجية الأمريكية تستدعي- قبل خوض حروبها القادمة وجود أنظمة وطنيّة منتخبة وشبه ديمقراطيّة على أن تكون «إسلامية» من أجل أن تكون المواجهة ضدّها شاملة وعامة ومدمرة ويكون «دفع الحساب» قاسيا وطاحنا ضد كل من تجرأ وانتخبها . ولذلك فانّ المخطّط القادم يتمثّل في تدمير كلّ المقوّمات المجتمعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والبنية الأساسيّة التحتيّة وحتّى الجغراسياسيّة للدول والشعوب التي حدثت بها ثورات, ويتناسب هذا التدمير المحتمل مع حجم الممانعة والصمود اللذين يمكن أن يظهرهما المواطنون والثائرون ويتناسب ومقدار الضريبة المفترض سرقتها والاستحواذ عليها من مدخرات الشعوب ومن ريع خيراتها من طرف هذا العالم المهيمن الذي لا يؤمن إلا بمصالحه ونفوذه. إنّ كل الثورات في الوطن العربي قد جيرت لصالح الكيان الإسرائيلي وكل ما يحدث من دمار وتمزيق واحتراب واقتتال يصب بالضرورة لصالحه ولصالح القوى المتنفذة ولا تعني هذه الإشارة وهذه الغمزة استنقاصا أو تقليلا من قيمة الثورات في الوطن العربي وأكاد أجزم بوجود أياد خفيّة فعلت فعلها وحرّكت الدمى والقوى السريّة وجعلت الجيشين التونسي والمصري يرفضان تنفيذ الأوامر الداعية للتصدّي للمتظاهرين وإطلاق النار عليهم ويُجبر« بن علي» في تونس«وحسني مبارك» في مصر وعبد الله صالح في اليمن والقذافي في ليبيا على مغادرة الحكم -فرارا أو قتلا أو سجنا ويُقبض على العائلات المتنفذة. والفاسدة في تونس ومصر وليبيا !! . إنّه لا يمكن إقناعنا أنّ شعبنا وحده قد تمكّن من إسقاط جلاديه ودكتاتورييه سواء في تونس أو في مصر أو في ليبيا أو في اليمن وأطاح بحكامه وبتلك السرعة( في أقل من شهر في بعض البلدان) بل هناك اشارات تؤكد وجود أياد أجنبية ومن يقول بغير ذلك فهو من قبيل الاستخفاف بذكائنا والإستغباء بعقولنا والإمتهان لذواتنا المستقلة .
هل تعتبر أن ثلاث سنوات بعد الثورة أسقطت العديد من الأقنعة عن بعض الحقوقيين والمناضلين الذين طالما تشدقوا بذلك ؟
انا في تصوري ان العمل الحقوقي في عهد بن علي كان يتدثر بدثار العمل السياسي وهذا ما ادى الى وجود اطراف في المعارضة السياسية كنشطاء رئيسيين في جمعيات حقوقية لأننا كنا مضطرين لذلك في بعض الأحيان واستمر الأمر إلى ما بعد الثورة وهو ما جعلني كثير الانتقاد لكل أولئك المتمترسين على ذات الأسلوب وذات المنهاج. وقد خرقت هذه القاعدة وانخرطت في العمل السياسي الحزبي داخل «الحزب الديمقراطي التقدمي» قبل الثورة واستعضت عن ذلك بعدها بالالتزام التام بالعمل الحقوقي الخالص ...بقي أن هذه الاطراف الحقوقية لم تستوعب بعد الثورة أن عليها إبعاد لوثة العمل السياسي من دائرة العمل الحقوقي وأخطأت في تعاطيها الحقوقي وانزلقت نحو التجاذبات السياسية والحزبية سواء بسبب ولائها الايديولوجي أو بسبب استعمالها من قبل بعض الاطراف أو رضوخا لإملاءات المانحين أو أصحاب الاموال التي كانت تتلقاها والتي أثرت في توجهاتها الحقوقية وانزاحت بها نحو السياسوي والحزبوي الضيق باستثناء مدرسة طفرت عنهما جميعا وهي منظمة العفو الدولية التي تعتبر مدرسة في العمل الحقوقي الصرف ...وأعتقد أنه في قادم الأيام ستعود هذه الاطراف الحقوقية إلى رشدها وستثوب إلى مشروعها الانساني الصرف لأن المؤمن بالإنسان كإنسان سيبتعد حتما عن تسييس الحقوق ونحن نلاحظ أن من نتائج الخلط بين الحقوقي والسياسي تخندق بعض الجمعيات الحقوقية في دعم بعض مشاريع الاستبداد والانقلابات وبعضها الآخر لم نعد نسمع لها حسيسا ولا ركزا وذلك بسبب الأجندات والمال السياسي الفاسد والضاغط ....فإبعاد العمل الحقوقي عن لوثة المال السياسي والأجندات الحزبية والسياسية من الضرورات الآنية التي تخلص العمل الحقوقي وتبقيه في منزلة تليق به من السمو والنقاء والمثالية .
كمطّلع على كواليس الحياة السياسية هل ترى أن «النهضة» ستفوز في الانتخابات كما يأتي ذلك في خطابها الذي يرى البعض أنه استعلائي؟
رغم ان اطار الأسئلة والاجوبة يخص هيئة العدالة الانتقالية الا ان الإجابة على بعض المسائل السياسية هي لفتة ضرورية تؤكد عدم انقطاعنا وانبتاتنا عن واقعنا وعدم تحليقنا في فضاء ليس له مدى وأن فهم كواليس السياسة والسياسيين وفهم منطلقاتهم وخلفياتهم وطبيعة أفكارهم ومبادئهم وأهدافهم وتحالفاتهم الداخلية والخارجية وميزان القوى الذي يتملكونه هي ضمانات هامة وضرورية لنجاح القائمين على العدالة الانتقالية. واجاباتي على سؤالك الخاص بالخطاب الاستعلائي ل«النهضة» هو أن أي سياسي سيعتمد من ضمن أدواته الدعائية إبراز نفسه للعامة والخاصة في شكل الفائز المنتصر والناجح المظفر والظهور بمظهر الواثق بنفسه والقوي الصامد غير المنكسر وخاصة أمام أعضائه ومنخرطيه وهو أمر مشروع عند السياسيين وكذلك لدى قادة الحروب والمعارك ، لكن نظرة تقييمية وموضوعية بسيطة تقودنا إلى الاستنتاج بان النهضة كمشروع سياسي خسرت شعاراتها التي رفعتها قبل انتخابات 23 اكتوبر2011 ولم تكن ضمن ما طمح إليه الشعب التونسي وضمن تطلعاته وانتظاراته. كما أنها خسرت في بدائلها المطروحة التي انتهجتها حين مارست الحكم وقد أخفقت عمليا في ايجاد بديل اقتصادي وسياسي وهو ما قلص من شعبيتها وتعاطف الناس معها وخسرت مع ابنائها حين لم تقدر على تجميعهم على ارضية فكرية وسياسية يتوافقون عليها .وقد تكون هذه الخسارة في بعض الأحيان عنصرا ايجابيا لصالحها لان الذين استنكفوها وناكفوها الخصومة والعداء لن يقفوا على نفس ارضيتها مستقبلا وهو ما يحررها من الأفكار والأشخاص المتطرفين الذين سيناصبونها العداء وسيعملون في جسدها الجراح . وخسرت في تعاطيها مع الاوضاع الاقليمية والجوار الجغرافي فلم تنبن مواقفها وسياستها على ايجاد وحدة مغاربية وتضامن عربي وموقفها من سوريا ومن دول الخليج أضر بتحالفاتها مع العروبيين والقوميين و تعاطيها مع الشقيقة الجزائر أضر أيضا بالتواصل الايجابي معها واغضب في بعض الأحيان حكامها ، وفي تعاطيها الدولي والإقليمي خسرت «النهضة»لا لأنها اتجهت غربا ولم تنجح في إعمال توازن استراتيجي بين الشرق والغرب بل لأنها وضعت كل خططها وتوجهاتها في اتجاه واحد ومنفرد ، وخسرت حين صاغت تحالفاتها الاولى مع اطراف لم تتماه معها وعادت اطرافا اخرى كانت في تحالف استراتيجي معها كالحزب الديمقراطي وبعض العروبيين والقوميين واليساريين المعتدلين وخسرت حين احتكرت الحكم وخصت نفسها باحتكار وزارات سيادية كان الافضل ان تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية وخسرت حين لم تضع ارضية فكرية ومشاريعية توضح فيها أهدافها ومنطلقاتها وأفكارها الامر الذي احدث خلطا بينها وبين تيارات سلفية متطرفة . وخسرت حين انصاعت لتوجهات دولية إستراتيجية لا تنظر الا لمصالحها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.