دعا الأستاذ توفيق بودربالة رئيس لجنة تقصّي الحقائق حول التجاوزات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوالها، إلى ضرورة سن قانون خاص لحماية الشهود في إطار السعي إلى كشف الحقيقة ومعرفتها، كما أوصى بأن يُسن القانون الأساسي للعدالة الإنتقالية بعيدا عن كل التجاذبات السياسية والأيديولوجية خاصة في ما يتعلق بضبط الفترة التاريخية وتركيبة هيئة الحقيقة والكرامة المزمع تكوينها وتحديد مهامها وصلاحياتها. جاءت هذه الدعوة خلال ندوة نظمها أمس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية تحت عنوان "عمل اللجان الإستقصائية في مجال معرفة الحقيقة" بمناسبة الإحتفال باليوم العالمي للحق في معرفة الحقيقة في ما يتعلق بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا. وقد مثلت تجربة كل من لجنة تقصي الحقائق حول التجاوزات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها، إلى جانب لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة ولجنة المصادرة واللجنة الوطنية لإسترجاع الأموال المهربة بالخارج والمكتسبة بصفة غير مشروعة وتجربة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، محور نقاش الندوة للوقوف عند نقائص هذه التجارب وسلبياتها والإستئناس بها لسن القانون الأساسي للعدالة الإنتقالية خاصة في ما يهم هيئة الحقيقة والكرامة التي ستشرف على هذا المسار. ومن أهم التوصيات التي تطرق إليها المتدخلون استئناسا بتجاربهم صلب اللجان المذكورة آنفا ضرورة ضمان الاستقلالية المعنوية والمالية لهيئة الحقيقة والكرامة على أن تتمتع تركيبتها بخصوصية تميزها عن بقية اللجان والهيئات مع التدقيق المفصل لمهامها وصلاحيات الهيئات المتفرعة عنها لتفادي أي تجاوزات كما أكد ذلك الأستاذ محمد العيادي ممثل عن لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة. من بين التوصيات أيضا ضرورة إحداث خلايا إعلامية صلب هيئة الحقيقة والكرامة تراقب عمل الهيئة وتتيح المجال لتبليغ المعلومة للمواطن ولمكونات المجتمع المدني على أن تحرص الأطراف المعنية بمسار العدالة الإنتقالية على أن تحقق المعادلة الصعبة بين المحافظة على المعطيات الشخصية وسرية الأعمال وبين حق الجميع في النفاذ إلى المعلومة. كما أكد كل من الأستاذين توفيق بودربالة ومحمد العيادي على أن اللجنتين تضعان على ذمة هيئة الحقيقة والكرامة كل الوثائق المرئية والسمعية والمكتوبة للإستئناس بها أثناء أدائها لمهامها نظرا لأهمية الشهادات التي وردت على هاتين اللجنتين في كشف الحقيقة بصفة خاصة وفي إنجاح مسار العدالة الإنتقالية بصفة عامة. وقد بيّن السيد سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية لدى افتتاحه لأشغال الندوة بأن "مفهوم العدالة الإنتقالية أضحى مفهوما دارجا يحتاج إلى جهد أكبر حتى يصبح مفهوما شعبيا تجاوز مفهوما آخر هو مفهوم الديمقراطية الإنتقالية" مضيفا أننا "حاليا في مرحلة ارتفع خلالها سقف الحرية بوتيرة ونسق أسرع من القدرة على تنظيم الحرية، حيث أصبح مجال الإعلام حرا للتنافس والتعبير والإبداع وأن الحرية تتجاور مع التجاوزات وكل عمل مهما كانت خلفياته ونواياه لا تطاله فقط سهام النقد سواء كان قاسيا أو لطيفا وإنما أحيانا سهام التشكيك" موضحا أن "توجيه سهام النقد والتشكيك لا يعبر فقط عن عقلية ونفسية ولكن خاصة عن ظروف استثنائية" كما ذكر ديلو أنه "من الطريف أن خطوات العدالة الإنتقالية بدأت قبل نجاح الثورة ذاتها وأن الكثير مما تم القيام به في سياق هذا المسار تم بدون أي خلفية أو تصور أو منهج أ ومقاربة واضحة، فكل ما وقع القيام به قد يؤثر سلبا أو إيجابا في مسار العدالة الإنتقالية ، والكثير مما تم القيام به على أصعدة كثيرة سياسيا وقانونيا وقضائيا وفي إطار المجتمع المدني ممكن أن يضر أكثر مما ينفع" مستطردا "لكن قررنا اليوم ونحن نتوقف عند قضية الحقيقة أن نطرح أولا سؤالا ماهي الحقيقة أصلا وهل هناك حقيقة مستقلة عن الناقل أو القارئ أو المسؤول أو المستنطق، فالحقيقة حقيقة عند وقوعها وحصولها ولكن فيما عدى من شاهدوها فان كل الباقين هم مستهلكون لحقيقة منقولة تتداخل فيها مؤثرات كثيرة للمس منها وتطويعها وربما تشويهها عن حسن نية أو عن سوء نية" موضحا أن " المهم أن يجتهد الجميع للوصول إلى الحقيقة لأنه بدونها وبدون الاقتراب منها لا يمكن نفض الغبار عن الماضي وطي صفحته ولا يمكن أن نحلم بان نبني تجربة ديمقراطية مستعصية عن الإنتكاس وأهم ما في ذلك هو عدم القابلية للتراجع إلى الوراء". وتجدر الإشارة إلى أن لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة قد اتخذت يوم 21 ديسمبر 2010 قرارا يقضي باعلان يوم 24 مارس يوما دوليا للحق في معرفة الحقيقة في ما يتعلق بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولإحترام كرامة الضحايا وقد تضمن هذا القرار "دعوة جميع الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية الأخرى وكيانات المنظمات غير الحكومية والأفراد، إلى الإحتفال باليوم الدولي بطريقة مناسبة"