هل عبثت سنية بالمصداقية، أم هي مقالب غيرة نسائية ؟ لاح جليّا عند المهتمّين بالشأن الفني والموسيقي في تونس أن الطبق الطربي في برمجة عروض مهرجان قرطاج في دورته الخمسين بدا مختل التوازن... استنتاج لا يحتاج إلى جهد بل هو استنتاج يطرق أبواب الدهشة والاحتجاج بعد أن رأى الملاحظون في غياب نجمات الطرب التونسي عن البرمجة إقصاء متعمدا مشبوها ومخطّطا له بخبث وعناية... صفعات اللوم والاتهام طالت أيضا مديرة الدورة سنية مبارك باعتبارها المسؤول الأول عن محتوى البرمجة ولم تشف أعذارها غليل المنتقدين... فتغييب أمينة فاخت وصوفية صادق ولطيفة العرفاوي عن موعد الخمسينية اختيار لا يمكن أن يتقبله الجمهور إلا برفضهن تلقائيا المشاركة لموانع صحية أو لالتزامات دولية مسبقة! فهل تمّ الزجّ بسنية المتعقّلة الرصينة, الفنانة المؤدبة في مقلب «قذر» كمقالب «عرابنية» الدرجة الرابعة أم هل زجت سنية بنفسها في معركة خسرتها قبل أن تبدأ؟ وهل غامرت بالعبث بمصداقية وسمعة صنعتهما بحسن الأخلاق والعطاء الفني الرفيع؟ وهل سمحت سنية لسنية أخرى أن تحل محلها وتصبح محل شبهات وغضب لدى الرأي العام؟ فصوفية صادق ولطيفة العرفاوي وأمينة فاخت من بهارات الفن التونسي المعاصر ولكل واحدة منهن طابعها ولونها وشخصيتها وميزة يحبها لأجلها الجمهور... لذلك سيكون لغيابهن عن مهرجان قرطاج 2014 مبعثا أكثر من تساؤل بل لعل هذا التساؤل والرغبة في معرفة حقيقة دوافع هذا «الإقصاء» أصبحا بحجم يعادل حجم الغضب من غيابهن. للبحث عن إجابات حول هذه التساؤلات طرقت «التونسية» باب بعض المعنيين بالموضوع ورصدت آراءهم: مقداد السهيلي (نقيب المطربين المحترفين): «عرض صوفية ناقص ورقة ...!» كثيرا ما يتعلل الفنان التونسي «المهاجر» حين يسأل عن سبب طرقه لأبواب الشهرة خارج حدود وطنه بالقول إنّه لم يجد حظه و«قدره» في بلده فاختار المغادرة كرها لا طوعا ! أما الباقون من أهل الفن في ربوع الوطن فغالبا ما يشتكون من التهميش واللامبالاة وعدم التقدير... ولعل هذه الشكوى زادت حدّة وتضاعفت ألما لدى الفنانات التونسيات ممن عملن على تقديم ترشحهن لخمسينية مهرجان قرطاج... فإذا بأملهن يخيب وجهودهن تسقط في الماء ! وفي هذا الصدد قال كاتب عام نقابة المطربين المحترفين مقداد السهيلي في تصريح ل«التونسية» معلقا على غياب الفنانات التونسيات عن الاحتفال بخمسينية مهرجان قرطاج: «طبعا لإدارة المهرجان سديد النظر في ترشيح ملفات وإسقاط أخرى... و لكن ما نعيبه على القائمين على الدورة الخمسين هو تغييبنا ,أثناء الإعلان عن البرمجة , كطرف مشرف ومسؤول بصفة مباشرة ودائمة عن المطربين التونسيين .أما بخصوص مسألة غياب الفنانات التونسيات فالأمر مثير للتساؤل سيما أني على علم بتقديم عدد منهنّ لملفات محترمة على غرار الفنانة صوفية صادق التي اطلعت شخصيا على ملف ترشحها لخمسينية المهرجان حيث أعدت عرضا ضخما بعنوان «صرخة أمة» ضم أكثر من 60 عازفا تونسيا وعربيا ولكن وقع رفضه بدعوى وجود نقص في أوراق الملف.. فإلى متى يبقى الفنان في بلدنا رهين الاستظهار بالأوراق في حين يستقبل الفنان الأجنبي بالأحضان وصكوك «الأورو»؟». وأردف السهيلي قائلا : «ليس بوسعنا سوى الاحتجاج على تغييب الفنانات التونسيات في حدود المعقول فليس بإمكاننا أو من صلاحياتنا إيقاف البرمجة أو تغييرها...». عبد الرحمان العيادي (موسيقار وملحن): « لماذا لا تغني سنية مبارك... في قرطاج !؟» ما إن باحت الدورة الخمسون بعناوين عروضها وأسماء فنانيها حتى تأكد تخلف الفنانات التونسيات عن سهرات مهرجان قرطاج الدولي. غياب أو اقصاء استنكره الموسيقار والقائد السابق للفرقة الوطنية للموسيقى عبد الرحمان العيادي حيث قال في تصريح ل«التونسية»: «لا أفهم سبب استبعاد الفنانات التونسيات من الدورة 50 لمهرجان قرطاج فقد كان بالإمكان تشريكهن ولو في قالب سهرات ثنائية أو مشتركة في إحياء خمسينية مهرجان قرطاج خصوصا ممن سبق لهن اعتلاء ركحه على غرار علياء بلعيد وأمينة فاخت... فهذه المناسبة الخاصة والمميزة تفترض وجود أغلبية من الأصوات التونسية واحتفاء برموز الفن في بلادنا على مرّ الأجيال الماضية وتكريما لأرواح الراحلين منهم .. ثم أين لطفي بوشناق وحسن الدهماني وغيرهم في هذه الدورة؟ وحتى على المستوى العربي والعالمي لم ألاحظ وجود أسماء كبرى تليق بالاحتفال بمرور 50 سنة على انبعاث مهرجان قرطاج الدولي». و أضاف العيادي مازحا: «طالما أنّ المطربات التونسيات سيتغيّبن في خمسينية المهرجان... لماذا لا تحيي المطربة الرائعة والعجيبة سنية مبارك سهرة خاصة بها على ركح قرطاج؟». محمد علاّم (عضو لجنة اختيار العروض): اللجنة نزيهة «ميّة الميّة» من هنا وهناك أطلّت برأسها مجموعة من التكهنات والتخمينات في محاولة لإيجاد أجوبة عن أسباب غياب فنانات تونس عن مهرجانهن في دورة ليست بالعادية أو العابرة في تاريخ مهرجان بلغ من العمر نصف القرن . ووصل الأمر إلى حد توجيه أصابع الاتهام إلى طريقة عمل لجنة اختيار العروض, لكن عضو اللجنة الموسيقي محمد علام فند تورط اللجنة بأي شكل من أشكال في التعامل مع ملفات المترشحين للدورة 50 من مهرجان قرطاج الدولي مضيفا: «لقد عملت اللجان في مختلف الاختصاصات من موسيقى ومسرح وسينما... في كنف النزاهة والشفافية ولا وجود لحسابات أو خلفيات مسبقة. كما إن انتقاء عرض ورفض آخر لم يقع بصفة اعتباطية ولم يخضع لتدخل مديرة المهرجان أو لأعضاء اللجنة بل تم تطبيق مقاييس محددة ومعايير معينة وواضحة. وعموما على كل من يدخل في مسابقة أن يقبل شروط اللعبة وإمكانية الانتصار أو الهزيمة فيها». سنية مبارك (مديرة المهرجان): «كل حاجة في بلاصتها... الصحبة صحبة...» إنّ قدح عدد من الأطراف في عدم تواجد أسماء الفنانات التونسيات في قائمة سهرات مهرجان قرطاج في دورته الخمسين واعتبروا في العموم أن البرمجة لا تليق بخصوصية وقيمة الاحتفال بمرور خمسين عاما على بعث هذا المهرجان العريق وأنّها لم تكن في مستوى الانتظارات, فإن رأي مديرته المطربة سنية مبارك جاء مخالفا لهذه التحفظات ومتحديا لكل الانتقادات إذ قالت في تصريح ل«التونسية»: «يسعدني انجاز ما وعدت به عند تقلدي لمهام إدارة مهرجان قرطاج حيث تعهدت بالعمل على تحقيق رقم قياسي في عدد العروض التونسية وفعلا فإن 50 بالمائة من العروض المبرمجة في هذه الدورة هي بإمضاء فنانين تونسيين .كما ان عرض الافتتاح سيكون تونسيا وسيؤثّثه الفنان أنور براهم الذي يعد قيمة موسيقية عالمية .و في ما يتعلق بملفات الفنانات التونسيات فلا وجود لأيّة حسابات أو خلفيات... والخلل يكمن في تقديم ملفات في غير موعدها أو غير مستوفية للوثائق المطلوبة». و تابعت مديرة مهرجان قرطاج قائلة: «أنا فنانة وكل الفنانين والفنانات أصدقائي وزملائي لكن «كل حاجة في بلاصتها» والمقاييس تطبق على الجميع... بلا استثناء».