تضمن مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014 الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا من طرف مجلس الوزراء فصلا جديدا اعتبره العارفون في مجال الوظيفة العمومية بالثوري وبأنه سيحدث نقلة نوعية في أداء الوزارات والهياكل العمومية ويخفف الكثير من الأعباء في اتجاه إكساب الإدارة التونسية النجاعة والفاعلية المطلوبتين. ويتعلق الفصل الثاني من مشروع القانون المذكور بإعادة توظيف الأعوان العموميين الذي تم اعتماده في إطار تكريس التوجّه الرامي إلى التقليص بصفة هامّة في عدد الانتدابات الجديدة وحصرها في الحاجات المتأكّدة قصد الحدّ من تطوّر عدد الأعوان العموميين باعتبار المجهودات الكبيرة والاستثنائية الّتي بذلتها الدولة في مجال الانتدابات في القطاع العمومي خلال سنوات 2011 و2012 و2013 إلى جانب برامج التسوية الّتي تمّت على عدّة سنوات الأمر الذي رفع عدد الموظفين في تونس إلى حوالي 650 ألف موظف وهو رقم مرتفع من وجهة نظر المؤسسات الدولية المختصة ولا يساهم بالمرة في تطوير أداء الإدارات. واعتبر ذات الفصل أنه تمت ترجمة هذا التوجّه بدعوة الوزارات إلى عدم برمجة انتدابات جديدة خلال سنة 2014 ما عدا خريجي مدارس التكوين المرخّص فيهم عند إعداد الميزانيّة إلى جانب عدم اعتماد نفس الأسلوب في سنة 2015 وذلك بهدف تحسين توظيف الموارد البشريّة المتاحة بإحكام توزيعها بين مختلف الأسلاك والوظائف لتلبية حاجاتها من الأعوان دون تكليف ميزانيّة الدّولة لأعباء إضافيّة حيث لوحظ اختلال في التّوزيع بين الأسلاك وبين رتب السلك الواحد في عدد من الوزارات الأمر الّذي انجرّ عنه اختلال بارز اتضح جليا من خلال الاكتظاظ الحاصل في عدد من الوظائف ذات الصبغة الإدارية والعامّة مقابل نقص فادح في عدد آخر من الوظائف الخصوصيّة التي تستدعي تخصّصا في المؤهلات العلميّة. و يقترح الفصل الثاني من مشروع قانون المالية التكميلي إعادة توظيف الأعوان العموميين العاملين في المصالح والهياكل الإدارية بمراكز عمل أو وظائف أو أسلاك غير مراكزهم أو وظائفهم أو أسلاكهم الأصليّة، على أساس التّناظر، وفق المستوى العلمي المطلوب بكلّ رتبة ، لسدّ الحاجات الفعليّة بكلّ إدارة وذلك تكريسا للمساواة بين المعنيين بهذا الإجراء وتفعيل مبدأي الكفاءة والجدارة. كما يقترح نفس الفصل تمكين الأعوان العموميين الّذين يمارسون وظائف أو ينتمون لرتب دون مستوى شهائدهم الانتفاع من إعادة التوظيف وذلك بهدف منحهم إمكانيّة تحسين مسارهم المهني من خلال الارتقاء إلى رتب أو الالتحاق بوظائف تتوافق مع مؤهلاتهم العلميّة الأمر الّذي سيكون له الأثر الإيجابي على وضعيّاتهم المهنيّة والمادّية ممّا سيحسّن سير المرافق الّتي سيعملون بها. إحداث تفاعل مع القطاع الخاص من جهة أخرى وفي إطار فتح باب الحراك للعون العمومي، يقترح نفس الفصل منح الأعوان العموميين إمكانية إلحاقهم لدى الشركات والمؤسّسات الخاصّة الخاضعة للتشريع التونسي والمنتصبة بالتراب التونسي حيث سوف يمكّن هذا الإجراء الأعوان العموميين من خوض تجربة مهنية في القطاع الخاص من خلال وضعيّة الإلحاق بالإضافة إلى تحسين الوضعيّة المادّية للعون وإثراء زاده المعرفي والمهني وخلق تفاعل بين الإدارة ومحيطها الاقتصادي قائم على تبادل الخبرات والاستفادة القصوى من الكفاءات البشرية على المستوى الوطني سواء في القطاعين العام أو الخاصّ. ويقترح الفصل أن تضبط شروط الإلحاق وإجراءاته بمقتضى أمر. نتاج عمل استغرق أكثر من سنتين ويترجم المشروع المعروض الخاص بالحراك في الوظيفة العمومية نتاج عمل قامت به مصالح الهيئة العامة للوظيفة العمومية برئاسة الحكومة منذ سنة 2012 على إجراء إصلاحات عميقة ستشمل الوظيفة العمومية في تونس على المستوى التنظيمي والهيكلي والترتيبي بما يؤسس لإدارة تونسية تواكب التحولات والتطورات التي تعرفها البلاد بعد الثورة. وتجسيما لهذه التوجهات شرعت الهيئة العامة للوظيفة العمومية بداية من افريل 2014 في انجاز استشارة موسعة حول الحراك بالوظيفة العمومية وذلك عبر تعمير استبيان تم إعداده للغرض لفائدة أعوان الدولة والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والجماعات العمومية المحلية. ويأتي الاستبيان في إطار التوجه نحو دعم الحراك في الوظيفة العمومية لما له من تأثير ايجابي في أداء العون العمومي وانعكاس على جودة الخدمات الإدارية ويرمي إلى كشف واقع الحراك في الوظيفة العمومية وسبل تطويره من خلال تجاوز مختلف العقبات التشريعية والإجرائية. كما يأتي في نطاق السعي إلى تطوير النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والرفع من نجاعة العمل الإداري وتحفيز الأعوان العموميين، عبر مراجعة منظومة الحراك بالنسبة للأعوان العموميين، وذلك بالاعتماد على الاستبيان التالي المخصص لأعوان الوظيفة العمومية. ويُقصد ب «الحراك» ( La mobilité) تغيير العون العمومي لعمله من خلال النقلة أو الإلحاق بين الأسلاك والهياكل العمومية، وليس بالمعنى الجغرافي الضيق المعروف لدى بعض الإدارات العمومية بعبارة «حركة النقل». حتمية تغيير القانون الأساسي للوظيفة العمومية ويرمي الحراك أيضا وفق المعطيات التي تحصلنا عليها من رئاسة الحكومة إلى إعداد إصلاح جذري لقانون الوظيفة العمومية الصادر بمقتضى القانون عدد 112 لسنة 1983 المؤرخ في 12 ديسمبر 1983 الذي أصبح لا يستجيب لمتطلبات المرحلة القادمة وللضغوطات التي تعرفها الإدارة العمومية سواء على مستوى عدد الأعوان العموميين أو على مستوى حجم الأجور. كما أن الحراك في الإدارات العمومية أصبح ضرورة لأسباب عدة لعل أبرزها أهمية الحراك في ضمان الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد وإعادة توظيف الأعوان بما يتماشى والضغوطات التي تعرفها بعض المصالح الإدارية التي يحتاجها مستعملو المرفق العمومية (القباضات، البلديات، البريد...) مع إضفاء مزيد من المرونة على التصرف في الأعوان العموميين بما يستجيب لتطلعات العون من جهة في الارتقاء في المسار المهني وإثراء مهاراته ومعارفه. و يتجسد الحراك على مستويين اثنين: أولهما الحراك الداخلي الذي يمكن أن يكون جغرافيا من خلال النقل بين الإدارات وبين الجهات كما يمكن أن يكون مهنيا من خلال الترقية المهنية، وثانيهما الحراك الخارجي الذي يتم إما من خلال الإلحاق لدى المنشآت والمؤسسات العمومية أو وضعية عدم المباشرة.