بقلم: مصطفى قوبعة إن المتتبّع لتواتر لقاءات طبقتنا السياسية بعدد من سفراء الدول الغربية وفي مقدمتهم سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي لا يشعر بالارتياح لا على حاضر بلادنا ولا على مستقبلها، ويصبح الأمر مقلقا أكثر عندما تصبح هذه اللقاءات سواء كانت فردية أو ثنائية أو جماعية تجري بشكل يكاد يكون دوريّا ومنتظما. في السابق كنا نجد ما يكفي من التبريرات المقنعة لمثل هذه اللقاءات التي فرضتها حالة الاستبداد السياسي وحاجة الطبقة السياسية آنذاك لإيصال صوتها إلى «صنّاع القرار الدولي» وإلى كسر الحصار السياسي والإعلامي المضروب عليها. وبعد 14 جانفي 2011 تغيّرت الأوضاع وتحرّرت الطبقة السياسية من كل العوائق التي كانت تكبّلها فانتفت بالتالي كل الأسباب الموضوعية التي تجعلها بمناسبة أو دونها بين أحضان أهم السفارات المعتمدة في تونس. ومن المفروض أن تعود الأوضاع بعد 14 جانفي 2011 إلى مكانها الطبيعي على أساس المتعارف عليه دوليا من توزيع واضح وموضوعي للأدوار بين الدولة الحكومة وبين الطبقة السياسية، أي أن تكثف الدولة الحكومة المؤمنة على إدارة الشأن العام من اتصالاتها بالبعثات الديبلوماسية المعتمدة لديها لخلق فرص تعاون جديدة وللتسويق لبرامجها الإصلاحية ولمشاريعها الاقتصادية مقابل تكثيف الطبقة السياسية من اتصالاتها ومن لقاءاتها مع الأحزاب الصديقة في كبرى دول العالم سواء كانت هذه الأحزاب في الحكم أو في المعارضة باختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية، وهكذا نبني العلاقة الصحيحة والمتينة مع شعوب العالم، دولة حكومة مع دولة حكومة، أحزاب مع أحزاب، منظمات مع منظمات ومجتمع مدني مع مجتمع مدني.. إن تواصل الطبقة السياسية مع أهم البعثات الديبلوماسية المعتمدة في تونس بهذا النسق المتواتر والمشبوه هو بدرجة أولى «تشليك» للدولة الحكومة وإضعاف لها في وقت نحتاج فيه أكثر من أيّ وقت مضى للدولة الحكومة القوية القادرة. كما أن هذا المشهد الكاريكاتوري يوحي بأن طبقتنا السياسية لم تبلغ بعد مرحلة الرشد والنضج السياسيين وأنها غير واثقة بالكامل من أهليتها ومن قدرتها على التصرّف في استحقاقات المرحلة من موقع السيادة الوطنية واستقلالية القرار. إن الآخر سواء كان من الأشقاء أو من الأصدقاء لا يقدم لنا هدايا مجانية، فكل خطوة يخطوها تجاهنا ندفع ثمنها السياسي أو الاقتصادي إن في السرّ أو في العلن. لقد اختارت الحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2014 الحل الأسهل باللجوء المكثف إلى موارد الاقتراض الخارجي وإلى إمضاء اتفاقية ضمان مالي مع الإدارة الأمريكية لتعبئة موارد اقتراض جديدة من السوق المالية العالمية بضمان أمريكي وهو ما ليس في مقدور الشعب التونسي تحمل كامل تداعياته على المدى المتوسط والبعيد، وإذا اضطرت هذه الحكومات إلى وضع قدراتنا المالية والاقتصادية في حالة ارتهان، فإنه ليس من حق طبقتنا السياسية الدفع بأيّ شكل من الأشكال إلى وضع قرارنا السياسي موضع ارتهان، وإلاّ فما المانع إذن ولو من باب المخيال الشعبي أن ندعو كبرى السفارات الأجنبية المعتمدة في تونس إلى تعيين مقيم عام يكون وصيّا على بلادنا وكفى الله المؤمنين شرّ القتال، أليس التاريخ يعيد نفسه؟