بقلم:أبو غسان هبوط قيمة الدينار التونسي في الأيام الأخيرة أمام العملات الأوربية «اليورو» و «الدولار» الأمريكي إلى أدنى مستوى لها حمل معه هذه المرة مؤشرات مزعجة جدا. فقد جاء هذا التراجع بشكل يومي تقريبا وبقيمة مرتفعة نسبيا. وهو ما جعل التحسن الذي سجلته العملة الوطنية في الثلاثي الأول من السنة الحالية يتبخر، رغم أن البعض رأوا أن التحسن المسجل في بداية السنة كان «اصطناعيا» ويعود بالأساس إلى تحسن رصيد البلاد من العملة الصعبة في ذلك الوقت «بفضل» القروض التي حصلت عليها حكومة مهدي جمعة وليس لتحسن فعلي في أداء الاقتصاد التونسي. الأسباب الآنية المباشرة التي تفسر التدهور الأخير للدينار التونسي هي تفاقم العجز التجاري، وهو ما يعني أن تونس ما فتئت في الأشهر الماضية تستورد أكثر وأكثر، وتصدر أقل. فضلا عن موسم سياحي سيء جدا حتى الآن. وهذا ما يجب على الأطراف المعنية بشؤون الاقتصاد في البلاد الاشتغال عليه سريعا ومحاولة معالجته حتى لا تزداد الأوضاع سوءا. كالنظر في ترشيد الواردات دون إضرار بالطبع بالنشاط الاقتصادي خاصة بالنسبة للمواد غير الأساسية وكذلك وجوب العمل على إنقاذ ما تبقى من الموسم السياحي. أما الأسباب الأكثر عمقا لرحلة الانهيار المتواصلة للدينار التونسي والتي جعلته يفقد أكثر من 20 بالمائة من قيمته في السنوات الثلاث الأخيرة ، فهي أن تونس أصبحت تعاني من الخمول وفقدان لثقافة العمل ، وأن كلفة الإنتاج في المصانع التونسية أصبحت مرتفعة وغير تنافسية ، وأن إنتاجية التونسي تدهورت أكثر وأن المستثمرين الأجانب أصبحوا لا يلتفتون إلى بلادنا لأنها تعيش أوضاعا أمنية صعبة وتهديدات إرهابية خطيرة ولا تكاد تتوقف فيها الإضرابات عن العمل والاضطرابات الاجتماعية والاعتصامات وحتى قطع الطرقات. تونس باختصار أصبحت منذ سنوات تنفق أكثر بكثير مما تخلق من ثروات ، أصبحت تقترض لتستهلك لا لتستثمر.. لقد أصبح تواصل انهيار الدينار التونسي منذرا بالخطر وسيكون لهذا الانهيار انعكاسات سلبية وتداعيات كارثية اجتماعية واقتصادية ما لم ينجح الاقتصاد التونسي في توفير شروط وقف هذا التدهور. فتدني قيمة الدينار فضلا على انعكاساته على النسيج الاقتصادي الوطني عموما، يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض المنتجات الاستهلاكية خاصة التي تستورد موادها الأساسية من الخارج، وهذا يعني أن تواصل وضع كهذا سيساهم في تزايد مصاعب عيش المواطن العادي الذي لم يعد بإمكانه تحمل المزيد. ورغم صيحات الفزع التي أطلقها العديد من الخبراء الاقتصاديين حول مخاطر تواصل تراجع قيمة الدينار، فإن الحكومة لم تعبر إلى حد الآن عن أي موقف من هذا الوضع خاصة وهل أنّ لها خطة لمحاولة إيقاف هذا النزيف. والحال أن بعض الحكومات تكوّن في مثل هذه الأوضاع خلايا أزمة للمتابعة والتفكير في حلول عاجلة.