المرسومان 115 و116 في حاجة ماسة للتنقيح المرسوم 115 جرّم أفعالا ولم يعط النيابة العمومية آلية اكتشافها أو البحث فيها حاورته: خولة الزتايقي يعتبر المرسومان 115 و116 المتعلقان بحرية الصحافة والطباعة والنشر من أكثر المراسيم المثيرة للجدل منذ تاريخ نشرهما في الرائد الرسمي في نوفمبر 2011. وينظم المرسوم 115 حرية الصحافة والطباعة والنشر، في حين ينص المرسوم 116 على إحداث الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري وهي هيئة تعديلية تتولى تعيين مسؤولي المِؤسسات السمعية والبصرية العمومية وتحمي إستقلاليتها إزاء السلطات. إلا أن المرسومين عرفا بإحتوائهما للعديد من الأخطار خاصة المرسوم 115 الذي عانى من العديد التناقضات والثغرات القانونية، كما أنه وصف ب«الجزائي بإمتياز» حيث تحدث عن أكثر من 50 جريمة و84 حكما جزائيا، أكثرها غير مستصاغة منهجيا، أما إجرائيا، فهي محررة ومصاغة في شكل غير متناسب مع مضامين غير متناسقة، أما على مستوى الأصل، فالأحكام الجزائية المتعلقة بالتجريم والعقاب لا يمكن القبول بالإبقاء عليها ووجب إعادة النظر فيها. في حوار أجرته معه «التونسية» تحدث السيد علي قيقة المساعد الأول لوكيل الجمهورية بنابل عن الأخطاء الإجرائية والجزائية الواردة بالمرسومين واكد على أهمية إدخال العديد من التنقيحات للوصول إلى نص في مستوى المنظومة الجزائية الوطنية يحترم المبادئ القانونية الأساسية في المادة الجزائية. هل أن المرسومين 115 و116 المنظمين لقطاع الإعلام مستوفيان لكافة الإجراءات القانونية؟ المرسوم عدد 116 مستوف لجميع الاجراءات القانونية، أما المرسوم عدد 115 وبعد إصدار الأمر عدد 59 لسنة 2014 المؤرخ في 7 جانفي 2014 المتعلق بضبط إجراءات التسجيل والإيداع فإنه لم يتبنّ سوى تركيز لجنة إسناد البطاقة الوطنية للصحفي المحترف والأمر المحدد لطريقة تقديم مطلب الحصول على بطاقة الصحفي المحترف وشروط إسنادها ومدة صلوحيتها وطريقة سحبها. حسب العديد من الخبراء في القانون، يعاني المرسوم 115 العديد من الثغرات والغموض وأوجه التضارب كما يشكو من ضعف في المنهجية والصياغة ومن عدم إلمام بالقانون الجزائي وإجراءاته، ما رأيكم في ذلك؟ وماهي أهم الأخطاء القانونية؟ بالفعل هذا الرأي سليم، والأخطاء كثيرة نذكر أهمها التضارب في بعض الفصول في المسائل الإجرائية الهامة على غرار الفصلين 71 و75 حيث نصا على أجلين متضاربين، الأول خمسة عشر يوما والثاني شهر، ومردّ ذلك هو أن الفصل 71 تضمن نقصا في الجمل مقارنة بالفصل 73 قديم من مجلة الصحافة. كذلك ما يمكن ملاحظته، ورود فصول غير مكتملة على غرار الفصل 72 الذي حشرت الفقرة التي من المفترض أن تكون ذيله ومتممة له في فصل آخر وهو الفصل 71، حيث أن الأمر يتعلق بالحط من أجل العشرين يوما إلى 48 ساعة وهو ما تثبته قراءة لنفس الأحكام الواردة بمجلة الصحافة الملغاة وقانون الصحافة الفرنسي. ومن بين الأخطاء، إبقاء نصوص مقارنة ألغتها هيئات محاكم دستورية ببلد المنشأ على غرار ما تم نقله حرفيا ضمن الفصل 34 من القانون الفرنسي المتعلق بالصحافة. والحال أنه نص ملغى من قبل المجلس الدستوري الفرنسي. كذلك إلغاء فصول من المرسوم بموجب نفس أحكامه بإعتبار أن ما ورد بالفصل 47 من تطبيق العقوبة المنصوص عليها بالفصل 315 مكرر من المجلة الجزائية قد نسخته أحكام المرسوم نفسه، بإعتبار أن نفس الفصل 315 مكرر يقع تحت طائلة الإلغاء الذي يشمل جميع النصوص المنقحة والمتممة لمجلة الصحافة ومنها قانون 3 ماي 2001 الذي سحب الفصل 315 المذكور وإدراجه مجددا بالمجلة الجزائية. ما مدى تطابق المرسوم 116 مع قانون الإجراءات الجزائية؟ إن الأمر لا يتعلق بمدى تطابق أو إختلاف بقدر ما يتعلق بالطبيعة الخصوصية للجرائم الصحافية التي لها نظام إستثنائي يخرج عن قواعد مجلة الإجراءات الجزائية وهو أمر نلمسه في عديد المواضع في المرسوم من بينها تحديد أوصاف الأشخاص الواجب تتبعهم، سواء كانوا فاعلين أصليين أو مشاركين، وأجل سقوط الدعوى العمومية المختصر (6 أشهر)، بعض الأحكام الإستثنائية في خصوص جريمتي الثلب والشتم (ضرورة الإستدعاء وتحديد أجاله وبيان وصف الأفعال والنص القانوني المنطبق، الحجة المضادة) والآجال المختصرة للحكم في جريمتي الثلب والشتم، وكذلك الأحكام الإستثنائية في المدة الإنتخابية. هناك توجه كبير يحمله المرسوم 115 نحو التجريم، 80 بالمائة من الفصول تنص على خطايا مالية مثل الفصلين 34 و41 وغيرهما، كما أنه لم يضع حدا للعقوبات السالبة للحرية (أكثر من 50 حكما بالسجن) كما يقول واضعوه وهم بالخصوص الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وخبراء عن نقابة الصحافيين والهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام، ألا تعتقدون أن تفعيل المرسوم قد يؤدي إلى الإضرار بالصحفي أولا وحرية الصحافة ثانيا؟ بالتأكيد الإجابة هي النفي، بإعتبار أن طرح عدم التفعيل غير مقبول بالمرة لأنه ليس هناك أية إمكانية لعدم تطبيق قانون نافذ المفعول، فالنيابة العمومية والقضاء بصفة عامة ليس لهما حق الاختيار بين تطبيق المرسومين من عدمه، وعلى كل حال يمكن إيجاد الحلول التطبيقية لذلك على مستويين: أولا على مستوى النيابة العمومية، بتجنبها إيقاف الصحافيين بإعتبار أن جرائم الصحافة تخرج عن مفهوم التلبس، إعتبارا إلى أن ركنها المادي في الغالب يتمثل في عملية النشر والتي تتطلب تدقيقا في معرفة تاريخ النشر وهوية الناشر. ثانيا ، على مستوى قضاة الأصل، بتطبيق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية والتخفيف في العقاب وتعويضه في بعض الحالات التي ينص فيها المرسوم على عقاب سالب للحرية بخطايا مالية. المتأمل في فصول المرسوم 115، يلاحظ أن موضوع المنافسة تم تناوله في 8 فصول من أصل 77 فصلا، ألا ترون قانونيا أن هناك نوعا من الإرتجال والتناقض مع المنظومة المتعلقة بالمنافسة؟ بالفعل هذه الملاحظة في طريقها ومردّها أن المؤسسة الإعلامية بإعتبارها مؤسسة إقتصادية بالأساس تبقى خاضعة للقانون الإقتصادي ونظمه، لذلك لم يوفق واضع المرسوم في هذا الجانب، وهذا الإخفاق نلمسه في العديد من الفصول من بينها الفصل 24 الذي وضع تحديدا لنسبة المشاركة في رأسمال المؤسسة الإعلامية وبذلك منع الهيمنة والحال أن قانون المنافسة لا يمنع الهيمنة ولكنه يمنع الإفراط فيها. كذلك الفصل 37 الذي ألغى دور مجلس المنافسة بأن اقتضى بأنه «يطلب» من الهيئة القضائية المختصة تتبع المخالفات التي يرصدها. جرائم التحريض بين المجلة الجزائية والمرسوم 115 ماهي أهم الثغرات القانونية المتعلقة بها؟ هي ليست ثغرات بل إشكاليات قد تطرح مستقبلا على فقه القضاء وذلك في مستويين على الأقل، بالنسبة لجريمة التحريض على النهب التي ورد ذكرها وتجريمها بالمجلة الجزائية (الفصل 257) وكذلك بالمرسوم (الفصل 51) والمنطق يفرض في هذه الصورة تطبيق أحكام الفصل 51 من المرسوم بإعتباره النص الخاص من جهة والنص الأرفق بالمتهم من جهة ثانية. وقد يطرح أيضا بالنسبة لجرائم التحريض غير المنصوص عليها بمرسوم الصحافة كالتحريض على إضرام النار والمفترض في هذه الصورة أن يقع تطبيق أحكام المجلة الجزائية حتى على الصحفي بالنظر إلى خطورة هذه الجرائم والتي لا تقل بل قد تزيد شدة عن الجرائم المنصوص عليها صلب الفصل 51 من المرسوم. ماذا عن التضارب بين الأجل الوارد بالفصل 71 والفصل 75 من المرسوم 115؟ هذا التضارب بيٌن خاصة إذا تعلق الأمر بجريمتي الثلب والشتم، فالفصل 71 المتعلق بحصول تتبعات طبقا للفصول من 50 إلى 58 ومن 60 إلى 66 يضبط هذا الأجل بخمسة عشر يوما في حين وقع تحديد ذات الأجل بشهر كامل ضمن الفصل 75 المنطبق على الفصول 55 و56 و57 من المرسوم أي على جريمتي الثلب والشتم. ما يمكن ملاحظته عند تقصي سبب هذا التناقض، أن نقل الفصل 73 قديم من مجلة الصحافة وتعويضه بالفصل 71 جديد هو الذي أوقع واضع المرسوم في ذاك التناقض نظرا لحصول نقص في الجمل موضوع العملية النقلية. ضرورة أنه بالعودة إلى الفصل 73 قديم في فقرته الثانية يلاحظ أن أجل ال15 يوما الجديد الوارد بالفصل 71 من المرسوم عوٌض أجل ال8 أيام قديم موضوع هذا النص الملغى والذي لم يكن مخصصا للبت في دعوى الثلب أو الشتم وإنما للنظر بحجرة الشورى في إيقاف النشرية موضوع التتبع لمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر بالنسبة للنشرية الدورية ولمدة ستة أشهر لغيرها من النشريات. ويزيد الأمر تعقيدا عند محاولة إيجاد الحلول لهذا التضارب، ففي صورة التسليم جدلا بأن الأجلين المشار إليهما يتكاملان بإعتبار أن الأجل الوارد بالفصل 71 يتعلق بالتتبع (ولو أن واضع المرسوم أشار إلى موضوع التتبع) والأجل الوارد بالفصل 75 يتعلق بالمحاكمة، فإن هذا التحليل حري بالإستبعاد بمجرد مراجعة أحكام الفصل 72 من المرسوم، بإعتبار أن هذا الفصل أشار في فقرته الثانية إلى أن الأجل بين تبليغ الإستدعاء والحضور لدى المحكمة لا يقل عن 20 يوما بما يعني أن تاريخ الجلسة الأولى المشار إليها صلب الفصل 75 هو التاريخ المبين بالإستدعاء وينطلق إحتساب الشهر للتصريح بالحكم إنطلاقا من الأجل المذكور ولا مجال بذلك للحديث عن أجل آخر خاصة أن واضع المرسوم لم يشر إلى أن تاريخ بدء إحتساب الأجل الوارد بالفصل 75 ينطلق من نهاية تاريخ الأجل الوارد بالفصل 71 من المرسوم. وفي صورة التمسك باعتبار الاجل الوارد صلب الفصل 71 متعلقا بالنظر في إجراءات التتبع سيؤدي حتما إلى صدور أحكام اعتباطية تفصل النظر في الشكل قبل الأصل وهو أمر مخالف لأحكام المرسوم نفسه، وتتبنى حرفية نص الفصل 71 خاصة وأن الفصل المذكور وفضلا على النقيصة المشار إليها في طالع تحليلنا، فإن الفقرة الثانية منه حشرت فيه والحال أنه من المفترض أن تكون مكملة لأحكام الفصل 72 من المرسوم. ولعله من المفيد في الختام، التأكيدعلى ضرورة إستبعاد تطبيق الأجل الوارد صلب الفصل 71 المشار إليه إستبعادا تاما باعتبار أن التمسك بحرفية النص سيؤدي حتما إلى صدور أحكام مخالفة لروح المرسوم بأكمله، كما أن محاولة تبني الحل الطبيعي المتمثل في إعتبار الفصل المذكور ورد ناقصا نتيجة عملية النقل المبتورة من الفصل 75 قديم من مجلة الصحافة غير واردة بالمرة بإعتبار انه تم الغاء الفصل المذكور صراحة بموجب الفصل 79 من المرسوم الذي ألغى مجلة الصحافة برمتها. مع إقصاء واضعي المرسوم لخبراء القانون الجزائي، عانى المرسوم 115 خاصة من أخطاء في التقنين والتبويب مثل الفصول 6 و28 و53 وغيرها، كذلك الفصل 34 الذي كان نقلا كليّا للفصل 11 من قانون 1984 الفرنسي والذي ألغي العمل به بقرار من المجلس الدستوري والتناقض الذي يعاني منه الفصلان 50 و51 ووجود عقوبة بلا نص مثل الفصل 67 والإحالة على فصول غير موجودة ضمن المجلة الجزائية مثل الفصل 64 والعديد من الأخطاء الجسيمة، أليس من الضروري اليوم إلغاء المرسومين وإيقاف العمل بهما والإلتزام فقط بمقتضيات المجلة الجزائية؟ لا مجال لذلك وإمكانية التنقيح فقط هي الواردة خصوصا بالنسبة للمرسوم عدد 115 لعدة إعتبارات. أولا، المرسومان يعدان مكسبا هاما للصحافة المكتوبة والمرئية ولا غنى عنهما خاصة في ضل تطور المنشآت والمؤسسات الإعلامية وتعددها، والنفس التحرري الذي أضحى يشعر به المواطن التونسي بعد الثورة. ثانيا، المجلة الجزائية لا يمكن أن تؤطر العمل الصحفي بالنظر إلى إحتواء جميع فصولها (حتى المخالفات منها) على عقوبات بالسجن وهو ما يتعارض مع طبيعة العمل الصحفي والدور المنوط بعهدته. ثالثا، الدستور الجديد نفسه يمنع المساس بهذه الحريات المضمونة وتحديدا الفصل 31 منه الذي اقتضى أن «حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة» وأنه «لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات». بصفتكم قاضيا، ماهي أهم الإشكالات التي تواجهونها في قضايا الصحافيين وفي تطبيق المرسومين 115 و116؟ بالفعل لقي القضاة عديد الإشكالات في تطبيق المرسومين وهذا راجع إلى نقص في أحكامهما وأحيانا غموضهما. وفضلا عن ذلك يمكن أن نعيب تحديدا على واضع المرسوم عدد 115 أنه وضع النصوص التجريمية والعقابية غير أنه حرم النيابة العمومية والقضاء الجالس من إمكانية إجراء التتبع والمحاكمة على الوجه الأكمل وذلك على النحو التالي: أولا بالنسبة للنيابة العمومية وبعد إلغاء الإيداع القانوني لديها وإختيار واضع المرسوم أن يقدم التصريح إلى رئيس المحكمة الإبتدائية بتونس على خلاف المشرع الفرنسي الذي إختار أن يقدم التصريح إلى وكالة الجمهورية (الفصل 7 من قانون 29 جويلية 1881)، وقد يكون واضع المرسوم قد إعتمد هذا الخيار رغبة منه في ألا يصبح التصريح آلية للرقابة من طرف وكيل الجمهورية، غير أن القراءة المتأنية للمرسوم سيما أحكام الفصول 16 و17 و18 و21 و29 المتعلقة بجرائم مخالفة الأحكام المتعلقة بإدارة دورية وإستمرار صدور دورية غير مصرح بها وعدم بيان الصبغة الإشهارية للمقال، تدعو إلى الجزم بأن إختيار واضع المرسوم لم يكن صائبا بإعتبار أنه جرّم تلك الأفعال وفي المقابل لم يعط للنيابة العمومية الية إكتشافها أو البحث فيها. بالنسبة للقضاء الجالس، حدد واضع المرسوم أجل شهر للبت في قضايا الثلب والشتم وهو أمر غير منطقي بالنظر إلى تعهد المحاكم بقضايا أخرى عديدة تهم الحق العام، وعدم إنشاء دائرة مختصة فحسب بقضايا الصحافة على الأقل بالنسبة للمحكمة الإبتدائية بتونس بالنظر إلى مرجع نظرها الترابي الممتد والتركيز الكبير للمؤسسات الإعلامية فيها.