عاجل/ المنصري: لا وجود لدور ثان من الانتخابات الرئاسية إلا في هذه الحالة..    كلمة مصورة للناطق باسم "كتائب القسام" في الذكرى السنوية الأولى ل "طوفان الأقصى"    جندوبة: اتحاد الشغل ومكونات المجتمع المدني تحيي ذكرى ملحمة 07 أكتوبر 2023    وزير الخارجية يتسلم نسخة من أوراق اعتماد السفير التشيكي الجديد لدى تونس    رئاسية 2024: « شباب بلا حدود » تعتبر نسبة الإقبال على الاقتراع مقبولة وأضعفها في صفوف الشباب    "الفيفا" تطلق أداة تفاعلية امام الجماهير لمتابعة فترات الانتقالات الدولية    تونس في المرتبة ال3 عربيا من حيث الدول الافضل لتربية الأطفال    تونس تقلص ب55 بالمائة من إستخدامات مركبات الهيدروفلوروكربون الضارة بطبقة الأوزون    المنتدى الاقليمي لمنطقة الشرق الاوسط والبحر المتوسط وافريقيا يناقش بتونس أحدث الابتكارات والتطورات في مجال الترقيم    عاجل: شاحنة تدهس شاب تونسي في ميناء ''باليرمو''    وزارة الصحة تحذّر من الاستعمال المفرط للشاشات الالكترونية لدى الأطفال    تونس توصي بمجابهة الاستعمال المفرط للشاشات الالكترونية لدى الأطفال    ظهور سمكة سامة بسواحل تونس: توصيات هامة الى كافة البحّارة    فتاة تقتحم مسرح أحمد سعد في المغرب وتطلب منه شئ غريب!    عاجل/ قرار جديد يتعلق بالحركة التجارية بمعبر رأس جدير    السفير الأمريكي هود يحتفي بجهود الكشافة التونسية في حفظ التراث الثقافي    عاجل/ أبرز ما جاء في تقرير مركز شاهد حول رصد الاقتراع للانتخابات الرئاسية..    تكريم الفنانة الراحلة ريم الحمروني في افتتاح المهرجان السينمائي "بعيونهن"    مركز النهوض بالصادرات: دعوة لإبداء إهتمام للمشاركة التونسيّة في الصالون "نقد 20/20 اوروبا"    القصرين: الأم تبيعها ابنها مقابل ''3 ملاين''    عاجل/ ظهور هذه السمكة في الشواطئ التونسية: خبيرة تحذر من مخاطرها..    4 مليار أورو صادرات منتظرة لقطاع النسيج العام القادم    أنس جابر تتراجع إلى المركز التاسع والعشرين    صفاقس: النتائج الاولية للانتخابات الرئاسية    كتائب القسام تتبنى عملية قصف تل أبيب    تفكيك شبكة تنشط في مجال ترويج المخدرات في العاصمة    صفاقس حادث مرور بسبب إنزلاق سيارة يُسفر عن إصابة 4 ركاب    الجديد في طقس أكتوبر: غياب الأمطار وعودتها في هذا الموعد    الحماية المدنية تُسجل 389 تدخل وعدد 358 مصاب    يهم الترجي الرياضي والنادي الصفاقسي: اليوم سحب قرعة دور مجموعات المسابقات الإفريقية    المنتخب الوطني: اليوم إنطلاق التحضيرات .. إستعدادا لقادم الإستحقاقات    ريال مدريد: نهاية موسم داني كارفاخال .. وبيريز يرفع من معنوايات اللاعب    السابعة من مساء اليوم الاثنين الاعلان عن النتائج الاولية للانتخابات الرئاسية    عاجل/ رئاسية_2024: المترشح قيس سعيد يتقدم بفارق ساحق في هذه الولايات..    طقس الاثنين: الحرارة في ارتفاع طفيف    إيران تستأنف الرحلات الجوية بعد فترة قصيرة من وقفها..    سفارة تونس بسيول تحتفي بالرياضيين التونسيين المشاركين في بطولة العالم للتايكواندو    مادونا تودّع شقيقها الأصغر وهذا سبب وفاته    نيران تشتعل أسفل طائرة أثناء هبوطها    الحوثيون يعلنون ذكرى 7 أكتوبر عطلة رسمية في اليمن    الملتقى المالي العربي    تعود لآلاف السنين.. غارة إسرائيلية قرب مدينة بعلبك الأثرية في لبنان    التنس: التونسية لميس حواص تتوّج بلقبي الفردي والزوجي بدورة اكرا الدولية للأواسط    التوقعات الجوية لهذه الليلة    التنس: الأمريكية كوكو غوف تتوّج ببطولة بكين للماسترز    عاجل/ 3 قتلى في حادث مرور مروع بهذه الطريق..    مهرجان الإسكندرية السينمائي : "الما بين" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي و"وراء الجبل" يحرز جائزة كتاب ونقاد السينما وتتويج لأمينة بن إسماعيل ومجد مستورة    داعية سعودي يفتي في حكم الجزء اليسير من الكحول شرعا    ولايات الوسط الغربي الأكثر تضرّرا .. 527 مدرسة بلا ماء و«البوصفير» يهدّد التلاميذ!    أولا وأخيرا..«شريقي بيقي باو»    حضور تونسي لافت في الدورة 12 من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    نابل: توقعات بإنتاج 62 ألف طن من زيتون الزيت و5600 طن من زيتون المائدة بزيادة 4 بالمائة مقارنة بالموسم الفارط    عاجل/ لجنة مجابهة الكوارث تتدخّل لشفط مياه الأمطار من المنازل بهذه الولاية..    سيدي بوزيد: افتتاح مركز الصحة الأساسية بالرقاب    كيف تنجح في حياتك ؟..30 نصيحة ستغير حياتك للأفضل !    أولا وأخيرا... لا عدد لدول العرب !    مفتي الجمهورية: يوم الجمعة (4 أكتوبر الجاري) مفتتح شهر ربيع الثاني 1446 ه    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحامي البشير الخنتوش ل «التونسية»:وسيلة لم تحبّ بورقيبة... وحيلة من بن علي وراء فرار مزالي
نشر في التونسية يوم 09 - 08 - 2014


الحلقة الثانية
وسيلة تحالفت مع مزالي لإبعادي وإقصاء محمد الصياح
دخولي القصر عن طريق زوجتي كذبة
وسيلة كانت تتجسّس على الزعيم
تحدّيت «الماجدة» في القصر وتصدّيت للقذافي يوم تطاول عليها
مزالي عزل رئيس محكمة وحل جمعية القضاة الشبان بسبب حكم صدر على قريب له
حاورته: صباح توجاني
في ما يلي الحلقة الثانية من الحوار الطويل والمثير الذي أدلى به المحامي البشير الخنتوش ل«التونسية»:
عودة إلى علاقة بالماجدة وسيلة وبمزالي وبشلة القصر؟
الجواب على هذا السؤال معقّد ويطول بيانه ودائما باختصار،وكما قلت لك لم ألتق بوسيلة بمفردها أبدا وكنت دائم الإنتقاد لها لتدخلها في بعض تسميات المسؤولين وفي صفقات تجارية مع بعض الوزراء الموالين لها للإستفادة ماديا باستغلال النفوذ. وللحقيقة فهي حاولت إجراء صلح بيننا بواسطة شقيقها المحامي والوزير المرحوم الأستاذ المنذر بن عمار الذي استدعاني إلى مكتبه قصد وضع حدّ للحملة التي أشنها عليها،كما سعت إلى استرضائي بل إغرائي مقترحة عليّ بواسطة الغير وزارة و مزرعة من أراضي الدولة وقضايا شركات أنوب فيها كمحام وغير ذلك من المغريات لكني رفضت ذلك رفضا قاطعا كشاب وطني ثائر عنيد وواصلت حملتي عليها حسب تطور الأمور والظروف فأصبحت تضمر لي حقدا شديدا نتيجة مواصلة نقدي اللاذع لها الذي كان في الحقيقة ليس في شخصها بل في سلوكها لأني لا يسعني إلاّ أن أحترم فيها زوجة الزعيم الرئيس بدليل أنه في إحدى زياراتي ضمن وفد محامين إلى ليبيا استقبلنا القذافي وانهال علينا نقدا مبرحا ومن جملة ما قال : «والله أنا أتألم لمّا أرى التوانسة تحكم فيهم امرأة زي وسيلة...» فقاطعته بقولي: «...رجاء حضرة العقيد احترام حرم الرئيس.فبورقيبة هو الذي يحكم ولنا دولة ومؤسسات لا نجدها عندكم».
وهنا أذكر أيضا واقعة حدثت لي مع من كانت تسمى ب«الماجدة» أي وسيلة بن عمار زوجة الرئيس بورقيبة رحمها الله وغفر عن سيئاتها بمناسبة استقبال الرئيس لمجلس هيئة المحامين وكنت أمينا عاما له. مدت لي يدها لتصافحني وامتنعت عن مصافحتها والأكيد أن هذه الحركة لم يتجرأ على فعلها معها أحد أبدا وهي فعلة لم يرتكبها أحد غيري لما فيها من إهانة بل ومن سوء أدب مني مأتاه تعنت عقلية الشباب الثائر ولكنه كان تعبيرا عنيفا مني عن موقف سياسي منها، وكان ذلك طبعا بحضور الرئيس بورقيبة الذي لا أشكّ أنّه لاحظ ذلك دون أن يردّ الفعل ، وطبعا غضبت الماجدة غضبا شديدا من فعلتي تلك التي اعتبرتها إهانة لها ،وقالت لعميد المحامين الأستاذ منصور الشفي : «لا أريد أن أرى هذا الشخص أبدا يدخل قصر قرطاج مرة أخرى»، فأجابها العميد : «زوجك رئيس جمهورية هو الذي يستقبل من يشاء والبشير الخنتوش هو محام عضو منتخب في هيئة المحامين ولا يجوز لي إسقاط صفته الشرعية،فإن كنت لا تريدين رؤيته ثانية بقصر قرطاج فالقرار يعود إلى الرئيس». وكان الرئيس بورقيبة يسمع طبعا ما تقوله زوجته، متظاهرا بأنه لا يتابع ما يصدر عنها وذلك على طريقته الخاصة حين يسمع ولا يرد الفعل فورا، بدليل أنه تمادى في الحديث معنا مبديا ودّا خاصّا نحوي ولم يشر لي بأيّ ملاحظة لها علاقة بما صدر عني أو عن زوجته، واستبقانا مطولا معه رغم مواعيده مع هيئات مهنية أخرى كانت في انتظاره،إلى درجة أنه أمر بتحديد مواعيد أخرى لهم في صورة عدم رغبتهم مزيد الإنتظار وبقي معنا ساعتين في حديث مطول متبادل.
وكان الرئيس بورقيبة يحرص كلّ سنة على الإشراف على افتتاح السنة القضائية ولم تشاركه في ذلك أبدا زوجته وسيلة، إلاّ أنها في الثمانينات وفي اشتداد حملتي عليها وبلوغ أوج نقمتها عليّ قطعت زيارتها للجزائر لمشاركة الرئيس في افتتاح السنة القضائية لأول وآخر مرة لا لشيء إلاّ لمنعي من حضور تلك المناسبة بوصفي كاتب عام مجلس هيئة المحامين وأعطيت التعليمات لوزير العدل بأن يأمر بألّا يصافح الرئيس إلاّ عميد المحامين دون غيره من أعضاء وكنت أنا المقصود طبعا بذلك الإجراء الغريب التعسفي، واستاء أعضاء الهيئة لذلك باعتبار تلك فرصة نادرة للقاء الرئيس وجها لوجه والتقاط صورة تذكارية معه، فاستنجدوا بي علّني أجدا حلاّ، وبحكم معرفتي بالرئيس وشخصية رجالات السياسية وعلاقة الرئيس بالبروتوكول ،طلبت منهم أن يتبعوني عند حلول ركب الرئيس دون اعتبار أيّ أمر من أيّ كان ،وصرخت بأعلى صوتي :يا سيد وزير العدل ويا سيد الرئيس(أقصد وكيل الجمهورية السيد الهادي بوزيان)إذا حصل لي أذى أو مكروه بأمر من الماجدة فأنتم المسؤولون...وما إن حلّ ركب الرئيس حتى تقدمت إليه بعد العميد وتبعني أعضاء الهيئة لتحيته،فقبلته قائلا بصوت عال أنت الحاكم الأول في البلاد لا غيرك من النساء(وأقصد هنا طبعا «الماجدة» ) أو من الرجال...وتتخيلين ،سيدتي، الغضب الذي بلغ مداه بالماجدة ولكنه كان غضبا صامتا واضحا على وجهها الذي أصبح عابسا مكفهرّا ،ويبدو ذلك جليّا في الصورة التي التقطت في تلك اللحظة بالذات.
أمّا علاقتي بشلة القصر أي بالوزراء وأعضاء الديوان السياسي فباستثناء البعض القليل منهم لم تكن علاقتي على ما يرام معهم ، لأن « كلمة الحق لم تترك لي صديقا منهم» على قول الفاروق عمر رضي اللّه عنه،إذ لم أتغير في سلوكي خارج السلطة أو داخلها، ولم أستطع أبدا الصمت على التجاوزات والظلم وسوء التصرف، ولئن علمتني السياسة أن السياسي لا يقول دوما الحقيقة إذا ما أراد البقاء في السلطة فانني ما استطعت إلى ذلك سبيلا ولم أستطع أن أكون منضبطا داخل الحزب الحاكم حتى لما أصبحت عضوا في قيادته العليا بالديوان السياسي مما دعا بعضهم إلى التآمر عليّ لدى الرئيس بورقيبة بالقول أني أصرّح أمام الجماهير الغفيرة في الإجتماعات العامة بكلام لا يقوله إلا المعارضون ودعاني الرئيس لإستفساري في الموضوع بحضور الوزير الأول ووزير الداخلية والوزير مدير ديوانه وكان المتآمرون يسعون إلى التخلص مني لأني كنت أصارح الرئيس بما لا يصارحه به الآخرون كلما سنحت الفرصة ممّا يزعج الكثيرين من كبار المسؤولين، ولما استفسرني الرئيس في الموضوع أجبته بالحقيقة وكاشفته بحقيقة الوضع العام في البلاد واستشراء الفساد وغضب المواطنين الذين أصبحوا لا يصفقون لخطابات المسؤولين إلاّ حين يذكر اسم بورقيبة وذلك تقديرا له أو خوفا من الواشين.وانقلب السحر على الساحر وفشل المتآمرون في مسعاهم الرخيص بأن لاحظ لي الرئيس قائلا : «والله عامل عليك كيف حين تتجول في كامل أنحاء الجمهورية وتلقي تلك الخطابات الواقعية الصادقة الصريحة بلغة...فأضفت له «بلغة بورقيبة» فقال لي : « لا لا... لغة الشعب...واصل هكذا فأنت تذكرني بشبابي وتخطب مثلي حين كنت شابا مثلك...الشعب لا يتأثر إلاّ بلغة الشعب الخارجة من الأعماق والمعبرة عن همومه وطموحاته وطرق تحقيقها بالفعل لا بمجرد الكلام....». لهذا أعتبر نفسي مناضلا وطنيا أكثر من سياسي.
أما علاقتي بمزالي فكانت في البداية حسنة وكنت معجبا بكلامه الذي كان يبدو صادقا لكن عندما تحالف مع «الماجدة» التي اقترحته كوزير أوّل لإستبعاد محمد الصياح عن هذا المنصب تغير سلوكه وأصبح يسعى لإسترضائها في تعيين الأشخاص أو إقصائهم وتهميشهم وفي ما تراه يتماشى ومصلحتها ومصالح شلّتها إلى درجة أنها أصبحت تقول: «يرحمك يا مزالي أقول له سمّي لي فلان رئيس مصلحة فيسميه مديرا عاما أو رئيس مدير عام، أمّا الهادي نويرة فيرفض أن يسمّي لي مجرّد كاتب أو حاجب بدعوى رفضه التدخل مني في الشأن الحكومي.
وبتعليمات من ولية نعمته «الماجدة» كان يرفض مقابلتي وقالت له يوما : احذر من البشير الخنتوش وزوجته، لو تحملا مسؤوليات وطنية وأصبح لهما موطئ قدم بقصر قرطاج لن تبقى أنت ولا أحد من وزرائك».ولئن لم تكن مخطئة تماما في تكهناتها فإنها كانت تتسم بالمبالغة لتخويفه لأني كنت لا أخشى أحدا وأصارح بورقيبة بحقيقة سلوك المسؤولين خاصة الفاسدين الذين يتمعشون ويبقون في السلطة بدهاء حبك الدسائس و الفتن والأراجيف والمكائد ويردّ الرئيس الفعل كما يجب أحيانا لكن التغيير لم يكن بالأمر الهين أمام دسائس حرم السلطان والشلة البائسة المحيطة بها والخبيرة في المكر والدسيسة والعيش بالإفتراء على المسؤولين الوطنيين المخلصين وإبعاد وتدمير النزهاء الفاعلين منهم.
وكنا كمحامين بمجلس هيئتنا قد تصدينا لموقف مزالي في ضرب استقلال القضاء واتخاذه لقرارين مشينين لا ينساهما القضاة أبدا والمحامون طبعا.....ا
فالقرار الأسود الأول الذي حرص عليه مزالي والحاصل في آخر عام 1980 كان إعفاء المرحوم الأستاذ ابراهيم عبد الباقي من منصبه كرئيس أول لمحكمة التعقيب، بسبب قضية مدنية مالية هامة منشورة لدى محكمة التعقيب تخصّ أحد أقارب الوزير الأول مثلما أكّده رئيس محكمة التعقيب نفسه في رسالة موجهة منه للرئيس بورقيبة. وأثار هذا العزل التعسفي المفاجئ غضب القضاة وجاء ردّ فعل جمعية القضاة الشبان عنيفا بمستوى صدمة القرار الغريب المفاجئ بعزل أسمى قاض في هرم السلطة القضائية، وأصدرت جمعية القضاة الشبان بيانا شديد اللهجة إثر اجتماع عام للقضاة انعقد يوم 10 جانفي 1981 ووجهوا ذلك البيان إلى كلّ من بورقيبة رئيس الدولة ومحمد مزالي، الوزير الأول ومَحمد شاكر، وزير العدل، وجاء في تلك اللاّئحة في مطلع لائحة القضاة : « نستنكر إعفاء السيد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب من مهامه بمناسبة ممارسته لصلاحياته القانونية في خصوص قضية مدنية منشورة لديه ونعتبر أن في ذلك مسّا باستقلال القضاء ونيلا من كرامة كل قاض....». و أن عزل الرئيس الأول لمحكمة التعقيب لم يكن ليحصل لولا حرص الوزير الأول محمد مزالي الشديد على ذلك لعلاقة العزل بقضية منشورة لدى محكمة التعقيب تخص أحد أقارب الوزير الأول وقد ذكره بالإسم الرئيس الأول المُقال برسالته الموجهة إلى رئيس الدولة بورقيبة الذي صادف أن قابلته في تلك الفترة وصارحته بغضب القضاة من عزل أسمى زميل لهم في هرم القضاء دون معرفة السبب، خاصة أنّ ذلك العزل وقع بعد بضعة أشهر فقط من تعيينه في ذلك المنصب القضائي الهام الذي يعتبر قمة هرم السلطة القضائية، سمّي في 01/05/1980 وعزل في آخر ديسمبر 1980 أي لم يبق في ذلك المنصب سوى ثمانية أشهر وهو أمر غير معتاد أبدا بالنسبة لذلك المنصب الذي يستوجب الاستقرار لسلامة عمل الجهاز القضائي وحسن سير القضاء، وأكّد لي الرئيس بورقيبة أنّ ذلك العزل كان باقتراح وإلحاح من الوزير الأول محمد مزالي الذي قدم له أي لرئيس الدولة تقريرا سلبيا عن أداء القاضي السامي على خلفية القضية المدنية الخاصة بمصالح ابن خال الوزير الأول محمد مزالي والتي كانت منشورة لدى محكمة التعقيب أي من أنظار الرئيس الأول الذي عزل بعد النظر فيها وما ساد ذلك من ملابسات وخفايا وخلفيات، علما أن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب لم يرتكب أي خطإ قضائي بل طبق القانون تطبيقا سليما مما اعتبره محمد مزالي إضرارا بالمصلحة المالية لأحد أقاربه بالرغم من صحة تطبيق القانون.
ولم يكتف مزالي بعزل الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بتضليل رئيس الدولة والإفتراء على أسمى قاض في هرم السلطة القضائية بل لم يتردّد سنة 1985 في ارتكاب جرم أهم وأخطر تمثل في قراره حلّ جمعية القضاة الشبان ومعاقبة بعض أعضائها..ا
ففي سنة 1985 بعد كلّ المحاولات الودية الفاشلة بين السلطتين السياسية والقضائية قصد التوصل إلى تحسين وضع القضاة، قام القضاة يوم 10 أفريل 1985 بإضراب عن العمل بدعوة من جمعية القضاة الشبان وادعت السلطة السياسية أنه إضراب غير ناجح، في حين أنه ناجح، بنسبة 99 % حقيقة وليس بمعنى نسبة الأصوات الخيالية في الانتخابات السياسية آنذاك . مع الملاحظة أن جمعية القضاة الشبان – على الرغم من تسميتها هذه - لا تخص القضاة الشبان فقط بل إن المنضوين فيها يمثلون خمسة وتسعين بالمائة (95%) من مجموع القضاة الذي يبلغ عددهم ثمانمائة (800) قاض بالجمهورية آنذاك، شبانا وكهولا. وكان سبب الإضراب هو المطالبة بتحسين الأوضاع المادية والمعنوية للقضاة وتنقيح القانون الأساسي للقضاة وضمان استقلالية القضاء. وفي 15 أفريل 1985 اتخذت حكومة الوزير الأول قرارا بحلّ جمعية القضاة الشبان وإحالة الكاتب العام للجمعية وأعضاء مكتبها على مجلس التأديب الذي ترأسه آنذاك الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وشارك فيه بصفة فاعلة القاضي محمد الصالح العياري (الذي أصبح وزير عدل فيما بعد) وسلط مجلس التأديب هذا، عقوبات عزل وإيقاف عن العمل وذلك بعزل الكاتب العام السيد محمد لطفي الباجي وأيضا بعزل السيد الطاهر زقروبة من سلك القضاء وبإيقاف القاضية السيدة عقيلة الجراية والقاضي السيد مصطفى الشريف لمدة 3 سنوات عن العمل، وبإيقاف القاضي السيد محمد قحبيش ( عضو المجلس التأسيسي الآن) مدة عام عن العمل، بالإضافة إلى عقوبات أخرى من توبيخ وغيرها... وألاحظ هنا أنّ المحامين بمجلس نقابتهم – وكنت عضوا فاعلا فيها - وبقيادة عميد المحامين الأستاذ منصور الشفي، كانوا متضامنين تضامنا مطلقا مع القضاة في مطالبهم وفي العمل على تحقيقها ومساندين لهم مساندة كاملة في نضالاتهم بكل ما أتيح لنا من أشكال المساندة الفعلية وعبرنا عن ذلك صراحة من خلال تصريح علني في الصحافة من طرف عميد المحامين، ووفرنا لهيئة جمعية القضاة مكتبة المحامين لممارسة نشاطهم لأن الحكومة – بإذن من وزيرها الأول محمد مزالي - قامت بغلق مقر جمعيتهم، وكنت من ضمن المحامين المدافعين عن السادة القضاة أمام مجلس التأديب....
وأترك لك،سيدتي، وللسادة القراء والقارئات المجال لتحليل هذه الوقائع التاريخية الهامة واستخلاص العبر التاريخية منها بما في ذلك المقارنة بين موقف محمد مزالي عندما كان في السلطة أي كوزير أول وموقفه بعد أن سبق السيف العذل وعزل بدوره من الوزارة الأولى وأحيل بدوره أيضا على المحاكمة وأصبح يتحدث عن استقلال القضاء الذي لم يتردد في ضربه بكلّ عنف وقمعه قمعا غير مسبوق عندما كان بيده زمام الحكم بدءا بعزل الرئيس الأول لمحكمة التعقيب دون مبرر سوى صدور حكم يقضي على أحد أقارب مزالي بتسديد مبالغ مالية مستحقة من الغير، الأمر الذي لم يرض محمد مزالي وقريبه، كما أنّ ذات الوزير الأول لم يتردد في ضرب القضاة واستقلالية القضاء بحل جمعية القضاة وإحالة أعضاء مكتبها على المحاكمة التأديبية كما ذكرنا وتم تسليط عقوبات قاسية ضدهم .
كيف كان ردّ محمد مزالي نحوك أمام علاقتك تلك بوسيلة وعلاقته الجيدة بها وموقفك نحوه مع زملائك المحامين في مساندتكم للقضاة في محنتهم ؟
للتاريخ أذكر أنّه على ضوء المقالات الصحفية التي نشرتها حول الوضع المعنوي والمادي للقضاء والمحاماة وطريقة إصلاحهما واطلاع الرئيس بورقيبة عليها وعلى إثر الحديث المطول الذي دار بيني وبينه في الموضوع، قرر أن يعينني وزيرا للعدل، ولكن السيد محمد مزالي، الوزير الأول وقتئذ، تصدّى لذلك التعيين بكلّ قواه ، وتعلل في رفضه بأنه إذا توليت وزارة العدل فإني لن أتردد في سجن كافة الوزراء وقال حرفيّا : « لو سمّي البشير الخنتوش وزيرا للعدل لأودعنا كلنّا السجن»، وصادف أن قابلته في تلك الفترة بالذات بمكتبه بقصر الحكومة بالقصبة وصارحته قائلا : « بلغني سي محمّد قولك كذا وكذا ... فأنا لم أطلب تعييني وزيرا للعدل، ثمّ أنا لست ظالما حتى أتسبّب في دخول السجن لمن لا يستحقّ ذلك وأنا كمحام تعودت الدّفاع لإطلاق سراح الناس من السجن لا لإيقافهم، ثمّ أستغرب لماذا أنت خائف من السجن، ألم تكرّر عديد المرات أنّك نظيف ؟؟ «، وأشهد اللّه أنّه لم يجبني على ذلك وغيّر الموضوع بإثارة ما يشاع عن إمكانية إقالته من الوزارة الأولى على إثر مكالمة هاتفية من إحدى دول الخليج تشعره بذلك وتستفسره في الأمر أثناء تواجدي بمكتبه...علما بأني كنت أثرت هذه الوقائع في إحدى محاضراتي العلنية في قائم حياته رحمه الله.
ومع ذلك لم أحقد على محمد مزالي بعد إقالته وتعييني مكانه في الديوان السياسي من طرف الرئيس،الأمر الذي اغتاظ منه وعبر عن ذلك كتابة وكأن السلطة حكرا عليه أو على غيره متناسيا أنها لو دامت لغيره لما آلت إليه،ولم أحقد عليه بدليل أني رفضت الأمر الرئاسي بتعييني رئيس لجنة تحقيق في ملف سوء تصرفه في عهد توليه الوزارة الأولى.
فبعد مدة من إقالة محمد مزالي من الوزارة الأولى واتخاذ قرار بتتبعه قضائيا بعد هروبه خلسة اتصل بي صديق وهو أحد كبار المسؤولين وأعلمني بأنّ الرئيس سيصدر أمرا يقضي بتعييني رئيس لجنة التحقيق في قضية محمد مزالي وذلك باقتراح من رشيد صفر الوزير الأول آنذاك وذلك لأمر في نفس يعقوب ،وأنّ رشيد صفر بصدد إعداد الأمر وسيعرضه على إمضاء الرئيس في الساعة أو الساعتين القادمتين. فأسرعت بالاتصال هاتفيا بالوزير الأول وطلبت ملاقاته حالا لأتأكد من الموضوع، وفعلا استقبلني بمكتبه بالوزارة الأولى، فأكّد لي الخبر قائلا : «فعلا أتّخذ قرار بأن تكون رئيس لجنة التحقيق في قضية تتبع محمد مزالي الوزير الأول الأسبق، وذلك مع كل الصلاحيات الواسعة»، ولم أتردد إطلاقا بأن رفضت القرار أو الأمر رفضا قاطعا وبينت له أن ذلك غير ممكن، فأنا نائب لرئيس مجلس النواب الذي هو السلطة التشريعية، وعضو بالديوان السياسي للحزب الحاكم الذي يقرّ سياسة الحكومة بل ويسطرها أي هو شبه سلطة تنفيذية، وفي ذات الوقت أنا محام، ورسالتي هي الدفاع عن المتهمين ولست عونا في الضابطة العدلية أو قاضيا أو حاكم تحقيق بالسلطة القضائية حتى تسند لي تلك المهمة التي لها أهلها المختصون الشرعيون في القضاء. ولهذا فمن غير الممكن قبول هذا القرار لأنه يتجافى ومبدأ تفريق السلط الثلاث كما هو منصوص عليه بالدستور. وطلبت منه أن يبلغ رئيس الدولة موقفي هذا، فاستشاط غضبا وقال : « نلعبو مع رئيس الدولة بعد أن اتخذ القرار وأعددناه له ليمضيه وينفذ والآن تأتي لتقول لي أنك غير موافق، هذا غير ممكن، ولا يمكن أن أعلم الرئيس بذلك».
وأصررت على رفضي قبول رئاسة لجنة التحقيق في قضية محمد مزالي وثارت ثائرة رشيد صفر وأزبد وزمجر بصفة جنونية وقال : لا يمكن فقد اتفقنا مع رئيس الدولة ولا يجوز أن أتجاسر وأخبره برفضك، هذا أمر غير مقبول، فلا يجوز مناقشة أمر رئيس الدولة»، وحاولت تهدئته بلا جدوى، وأخيرا قلت له : هذا موقفي الأخير وما على الرسول إلاّ البلاغ، ما عليك إلاّ أن تبلغ رفضي لرئيس الدولة وإن أصررت على ذلك، فسأبدأ بالتحقيق معك كوزير اقتصاد في حكومة محمد مزالي إذ أن الأمر يتعلق أساسا بالأمور الاقتصادية وهو القطاع الذي كنت أنت مسؤولا عنه في حكومة مزالي، فلماذا لم تلفت نظر رئيس الدولة عما تدعونه اليوم من تجاوزات مزالي الاقتصادية؟ فأجابني بكل عصبية وبحالة هستيرية، مزمجرا مرتعشا: «تحب ادخلني للحبس» (تريد أن تزج بي في السجن) فأجبته : قصدي لا يمكن أن تفرض عليّ هذا القرار وبصفة جدلية إذا وضعتني أمام الأمر المقضي فمن باب نزاهة البحث وموضوعية التحقيق للوصول إلى الحقيقة وتحديد المسؤوليات عن سوء التصرف الحكومي بالنسبة لمزالي وغيره من المسؤولين الحقيقيين عن تردي الأوضاع في البلاد - أن أبدأ بالتحقيق معك شخصيا، وإن كنت تعتبر نفسك بريئا من ذلك، لماذا هذا الخوف من مساءلتك في التحقيق؟
وعندما عرض رفضي على الرئيس اقتنع بأسبابه وأعفاني من ذلك
هل صحيح أنّ محمد مزالي فرّ هاربا خلسة من البلاد لأنه كان مهدّدا بالمحاكمة ومعرضا لحكم الإعدام بعد إقالته من الوزارة الأولى؟
ليس ذلك صحيحا بالمرة بل كان الرئيس يفكر في إسناده مسؤولية هامة ولم يفكر أبدا في محاكمته قضائيا وقد أكّد ذلك صديقه الحميم المهندس الدكتور رشيد عزوز في كتابه الذي أصدره في قائم حياته وأعاد نشره مؤخرا تحت عنوان «من خيبات الأمل مع محمد مزالي إلى خداع النظام الراحل»(Des déboires avec Mohamed Mzali aux désillusions avec le Régime défunt) ،وهوصديقه الأمين الوفي الذي خسر كلّ شيء بسبب تهريبه مزالي وغدر به مزالي وجازاه بالجحود ونكران الجميل. لكن قد يكون وزير الداخلية آنذاك الرئيس الهارب وراء تخويف مزالي ليتخلص منه في نطاق مخططه للغدر ببورقيبة والإنقلاب عليه ،فانطلت الحيلة على مزالي وفرّ هاربا دون موجب حقيقي.وبعد ذلك وبعد إعلان جحوده تجاه الرئيس بتعابير جارحة واتخاذ مواقف مناوئة له وللنظام من الخارج،آنذاك فقط جاء قرار محاكمته.
علاقتك بالمرحوم الهادي نويرة كانت مميزة ،لو قارنتها بعلاقتك بالمرحوم محمد مزالي؟
المقارنة بين الإثنين صعبة ومعقدة وسهلة في ذات الوقت ودائما باختصار، فالهادي نويرة مناضل وطني بالفكر والقلم والجسم ناضل بكتاباته ومسؤولياته في الحركة التحريرية وعرف السجون والمنافي وله رؤية واضحة في القانون والحق والعدالة الإجتماعية والإقتصاد والتنمية ويفعل ما يقول ومعروف بنزاهته الفكرية وشخصيته في إدارة الحكم فكان رجل دولة بامتياز ووزيرا أول بحق يمارس كلّ صلاحياته دون تأثير من أيّ كان، بينما مزالي لم يكن مناضلا وليست له رؤية واضحة في شؤون البلاد وتنميتها ويتكلم كثيرا ويتردّد في فعل القليل وكانت شخصيته ضعيفة أمام التدخل السياسي لوسيلة بورقيبة.
كنت مهندس طلاق الزعيم، ما هي الأسباب السياسية والحقيقية لهذا الطلاق ؟
أسباب ذكرها لي الرئيس بورقيبة وقدم لي حججا عنها وهي أسباب شخصية كما يحصل بين كلّ الأزواج وأسباب سياسية.أما الأسباب الشخصية فقد لا يجوز ذكرها، وكما قد يخفى عن أغلبية الناس ، أنّ بورقيبة هام بوسيلة هيام المحب الولهان ولكنها لم تبادله أبدا ذلك الحب مثلما أشار إليّ هو نفسه وقد أكّدت ذلك صديقتها «جاكلين غسبار»(jacqueline Gaspar) في حديث معها أجري سنة 1973 ونشر سنة 2012،بل أحبت فيه فقط الزعيم ثم رجل الدولة والرئيس صاحب الصولجان ،وساءت علاقتهما وفي الأخير ساءت علاقة الرئيس بزوجته وبقي هو على حبه لها حتى بعد طلاقها وطلب رؤيتها لكنها رفضت.أما الأسباب السياسية فتعود إلى المبالغة في استغلال النفوذ وفي التدخل في شؤون الدولة وفي تصريحات علنية ضدّ شخص الرئيس وضدّ الدستور،و لا يسمح المجال الآن بمزيد التفاصيل.
لدي سؤال قد يكون محرجا لك...
لا يحرجني أيّ سؤال، فمن كان بيته من حجر صوان لا تهمه الرياح حتى وإن كانت مسمومة أو زوابع عاتية.......تفضلي
تعرف الكثير عن علاقات بورقيبة بالنساء.....حتى أنه قيل إنك وقتها دخلت القصر عن طريق زوجتك؟
أنا ممنون لك سيدتي بهذا السؤال وآن الأوان لأتكلم فيه بعد صمت طويل أمام افتراءات المفترئين، وفي الحقيقة هذه كذبة كبرى تجاه الزعيم الرئيس وفي حقي وحق زوجتي الأولى،طليقتي اليوم .أولا لم أكن أمين سرّ الرئيس لأعرف عنه كلّ شيء في حياته الخاصة لكن ما أعرفه مثلما يعرفه غيري من المقربين النزهاء المخلصين له هو انه من نقاط ضعف بورقيبة المرأة لسببين اثنين :أولا محبته الفائقة لوالدته وما عاشته من تعب وضيم إلى درجة أن عينيه تدمعان كلما تذكرها أو تحدث عنها في كلّ مراحل حياته وربما كان ذلك من الأسباب الرئيسية التي جعلته يقدم على إصدار مجلة الأحوال الشخصية ومنح المرأة حقوقها كاملة في 13 أوت 1956 لما كان رئيس حكومة ،أي قبل أن يصبح رئيس جمهورية في 25 جويلية 1957. ثانيا كان من حقه أن يفتخر في تونس وفي الدول العربية والإسلامية وحتى في كثير من الدول المتقدمة كمحرّر المرأة التونسية وحرص أن يكتب على ضريحه «المجاهد الأكبر ،باني تونس الحديثة ومحرّر المرأة».فلا غرابة أن تحلو له رفقة النساء والتحادث معهن وملاطفتهن بطريقته الخاصة المعروف بها وهي مثلا كأن يربّت براحة يده اليمنى على خدّهنّ الأيمن إلى درجة أنه عند استقباله لملكة بريطانيا حذّروه بألا يفعل ذلك مع الملكة ولكنه لم ينصع للتحذير وقام بذلك مع ملكة بريطانيا التي لم تبد أي انزعاج من ذلك، ومَن مِن الرجال العاديين لا تحلو لهم رفقة النساء؟
أما ما لاكته بعض الألسن الخبيثة عن جهل أو عن قصد لأسباب سياسية بحتة حول دخولي القصر عن طريق زوجتي فأقول لك أنّ العكس هو الصحيح و أنّ الحجج بالصورة والكتابة والشهود دليل قاطع لا يقبل الشك على أكاذيب هؤلاء المضلّلين المفترين الذين لو كشفت رذائلهم في سلوكهم الخاص والعام وتاريخهم الأسود القذر لانقلبوا في قبورهم إن كانوا أمواتا أو دفنوا أنفسهم إن كانوا أحياء من هول ما اقترفوه …فأنا دخلت القصر الرئاسي واستقبلني بورقيبة أول مرة بمكتبه بحضور المرحوم محمود المسعدي ومحمد الصياح أطال الله في أنفاسه وزملائي وأصدقائي نور الدين حشاد وعبد الحكيم تقية ومحمد اللطيف وغيرهم سنة 1963 وكنت تلميذا بالثانوي مسؤولا بالشبيبة المدرسية وارتجلت كلمة جريئة أمامه حول الأوضاع الإقتصادية والتربوية وعبّر صراحة عن إعجابه بتلك الكلمة ومنذ ذلك التاريخ كنت أحظى بمقابلة الرئيس مرة كلّ سنة على الأقل في إطار نشاطي الطلابي وكثيرا ما كانت ترافقني زوجتي كطالبة ناشطة معنا في اتحاد الطلبة والطلبة الدستوريين، إذ تزوجنا ونحن طلبة في الجامعة. فعلاقتي بالرئيس بورقيبة واستقبالي من طرفه ودخولي قصر قرطاج يعود إلى بداية الستينات قبل أن يستقبل الرئيس زوجتي في أواخر السبعينات وفي بداية الثمانينات عندما أسندت إليها وظائف سامية في الإدارة التونسية ولم تكن سياسية ومهمومة بشؤون السياسة، بل كانت أحيانا وبطلب مني تشاركني في بعض نشاطاتي في المنظمات الطلابية وغيرها.
ثمّ قد لا يعرف البعض أن زوجتي السابقة المختصة في الإقتصاد والتنمية والتهيئة الترابية والعمرانية وخريجة المرحلة العليا للمدرسة القومية للإدارة كانت أول امرأة تونسية تعين رئيسة ديوان وزير التجهيز آنذاك السيد محمد علي السويسي وذلك باقتراح من السيد الهادي نويرة الوزير الأول رحمه الله ثم مديرة عامة للتهيئة العمرانية فمندوبة عامة للتنمية الجهوية فخبيرة مستشارة في التنمية بالأمم المتحددة تنقلت إلى عديد الدول النامية شرقها وغربها للعمل على نشر التنمية فيها. وشهد لها الوزراء الذين عملت معهم-أمثال المرحومين الهادي نويرة وعبد الله فرحات والسادة محمد علي السويسي واسماعيل خليل والأسعد بن عصمان ومحمد الصياح أمد الله في أعمارهم – هؤلاء يشهدون لها بكفاءتها ووطنيتها وإنجازاتها....
ولا يختلف اثنان على ما قدمته هذه المرأة – أي زوجتي السابقة – في دولة الاستقلال، من أعمال جليلة للاقتصاد الوطني ومفيدة للتونسيين ، قلّ أن أنجزته امرأة تونسية أخرى بعد الإستقلال، ومن الإنجازات التي ساهمت فيها تلك المرأة في مختلف أنحاء الجمهورية وصولا إلى تنمية الصحراء ب«رجيم معتوق» مع كبار المسؤولين في الدولة وسامي الضباط في الجيش الوطني الذين ساهموا مساهمة كبيرة في تلك التنمية، وكانت تصحو فجرا للتنقل إلى الجنوب التونسي في قلب الصحراء على متن طائرة تابعة للجيش الوطني رفقة زملائها من سامي موظفي الدولة من مدنيين وضباط سامين من الجيش الوطني، وهم مازالوا أحياء وهم شهود على ذلك، وكانت تعمل ليلا نهارا بلا هوادة على حساب راحتها وراحة زوجها وطفليها وتأكل وزملاؤها الكسكسي بالرمل في الصحراء حين كانت ترأس اللجنة الفنية لتنمية الصحراء التي أصبحت الآن نموذجا للتنمية في العالم، وقامت بمجهودات جبارة لمفاوضة كبار المسؤولين بالدول المتقدمة للحصول على مساعدات مالية وقروض بالغة الأهمية لفائدة تجهيز البلاد وتنميتها وتحسين ظروف العيش للمواطنين والمواطنات أينما كانوا، مثلما أشاد بذلك الرئيس بورقيبة نفسه على رؤوس الملإ أمام أعضاء الحكومة والمسؤولين الذي لا يزال بعضهم أحياء، حين أثار بورقيبة الرئيس ذلك قائلا : والله هذه المرأة أحببتها مثل ابنتي لما تقوم به من أعمال هامة لفائدة الدولة والوطن والله نحسبها كيف ابنتي وهي على حساب زوجها وولديها تتجول في كامل الجمهورية للإشراف على التنمية وتسافر للخارج للحصول على مليارات المساعدات والقروض لصرفها في تنمية البلاد، مذكرا ببعض الأمثلة لأعمالها الهامة، ثمّ أردف قائلا تجاهي : وهذا المناضل الوطني أحبه مثل ابني وهو مناضل وطني ناشط يقوم بدور كبير في العدالة وفي الحزب ويجوب البلاد للإجتماع بالمواطنين والإطلاع على مشاكلهم والتحاور معهم ويصارحني بما لا يصارحني به غيره ولا أنسى ما قام به والده «الحاج علي» وعمّه «صالح» حين توسطا لدى «الشيخ بوزويتة» ليقبل الحديث معي عام 1934، علما بأن الشيخ بوزويتة كان رئيس الشعبة الدستورية للحزب القديم بقصر هلال وكان يعدّ من زعماء الحزب القديم الذي له مكانته وتأثيره القوي، وقد رفض في البداية مقابلة الزعيم بورقيبة الذي ينوي الانقلاب على الحزب القديم وتكوين الحزب الجديد، إذن فإن آثار تلك المرأة الإيجابية لصالح تنمية البلاد ولفائدة الشعب التونسي وسمعتها في الداخل والخارج أكبر من أن تنال منها إشاعات المغرضين وأعداء العمل والعاملين العاجزين عن العمل الوطني المفيد للشعب ويسوؤهم أن يعمل آخرون من الرجال وخاصة من النساء وينجحوا في عملهم، وأضيف أن مكانة تلك المرأة تجاوزت حدود الوطن بعد أن انتدبتها منظمة الأمم المتحدة كمستشارة رئيسة لمساعدة البلدان النامية على إعداد سياسات واقعية وناجعة تمكن من تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي مستديم ومتوازن لكل جهات البلاد ولكل أصناف المجتمع، وفي ذلك شهادة أخرى على قيمة تلك المرأة التي قضت في عملها الدولي الأممي ما يناهز العشرين سنة، ساهمت خلالها في العمل المفيد المضني الدؤوب للتنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم شرقيه وغربه، الأمر الذي يعدّ مفخرة لتونس.ورغم تقاعدها الرسمي عن العمل الدولي فهي لا تزال حتى الآن تنشط بلا مقابل في جمعية غير حكومية لتكوين النساء والرجال مهنيا وإحداث مواطن شغل بالجمهورية.
ولكن اتساءل عن السبب وراء تلك الإشاعات ؟
سأفشيك سرّا أصرّح به لأول مرأة لأقول لك باختصار أنه وفي أوج احتدام الصراع حول معركة خلافة بورقيبة سبق أن صارحت بورقيبة بسلوك زوجته عن أخبار مؤكدة حول استغلالها نفوذها من موقعها كزوجة الرئيس وطلبت من زوجتي آنذاك أن تصارحه بنفس الموضوع في إحدى مقابلتها الرسمية للرئيس . وكانت وسيلة في السعودية واستشاطت غضبا عندما علمت بذلك واكتشفنا أنها عرفت تصريحاتنا للرئيس بواسطة أجهزة التنصت التي زرعها لها وزير داخلية سابق في أماكن عدة بقصر قرطاج للتجسّس الشخصي على الرئيس فكلفت وزير الداخلية آنذاك بإطلاق الإشاعات حول زوجتى وقتئذ وكان الهدف هو شخصي لأني أصبحت مزعجا إلى أبعد الحدود وأقف حجرة عثرة أمام مخططاتها حول من تريدهم لخلافة بورقيبة ولم يكن في إمكانها الكيد لي لأنها لم تجد ما يعاب عليّ ويعرضني للّتخلص مني نهائيا فأرادت مقاومتي بالسعي للنيل مني بالإشاعات الكاذبة ، وأذنت لمأجوريها بنشر تلك الإشاعات الخسيسة الدالة على أخلاق أصحابها ، وللحديث بقية في أوانها. وأنت ،سيدتي، كمختصة في الإعلام تدركين أكثر مني خفايا وأهداف الإشاعة وأنواعها وتذكرين طبعا المقولة المشهورة للكاتب الفرنسي «بومارشي» (Beaumarchais) التي جاء فيها «افتروا افتروا سيبقى من افترائكم بعض الشيء» calomniez, il en reste toujours quelque chose), (Calomniez ولكن الفراغ الفكري لهؤلاء المفترين قد يكون جعلهم يجهلون المعنى العميق لمقولة ملك الإشاعات والأكاذيب الألماني «جوزيف جيبلس» (Joseph Goebbels)، وزير دعاية هتلر الذي قال : « الكذبة التي تردد 1000 مرة، تبقى كذبة والكذبة التي تردد مليون مرة تصبح حقيقة»، والأهم من ذلك يتناسون قوله تعالى، جلّ من قائل : « يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتهم نادمين»، وقد جعل الله كيدهم في نحرهم والتاريخ وحده جدير بالغربلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.