في بلد لا يتجاوز عدد قاعات السينما فيه الخمسة عشر، يصعب على تقني مهما كانت عبقريته أن يكون نجما في عالم الفن السابع فالشهرة إن وجدت يستأثر بها عدد محدود من المخرجين وقلة من الممثلين التلفزيين عادة ، ولكن الكفاءة ان لم تسلط عليها الأضواء تظل مجهولة كما هو الحال مع ضيفنا مهندس الديكور توفيق الباهي –وهو بالمناسبة شقيق السينمائي رضا الباهي- ينحدر من عائلة عاشقة للسينما منذ عقود في عاصمة الأغالبة القيروان ... إلتقينا توفيق في بلاتو الفيلم الأماني «الأصدقاء الخمسة» الذي إنتهى تصويره قبل أيام قليلة وقد تعاون فيه الألمان مع المنتج التونسي عبد العزيز بن ملوكة بخبرته الطويلة وسمعته الجيدة بفضل ما أنجزه من افلام عالمية في تونس أبرزها «حرب النجوم» لجورج لوكاس، ولأول مرة يعمل سامي بن ملوكة في مجال الإنتاج ضمن«الأصدقاء الخمسة» مستثمرا المهارات التي إمتلكها من دراسته الجامعية ببلجيكا... لقاؤنا بتوفيق الباهي كان في بلاتو التصوير بمقر شركة الأنابيب ببن عروس «حيث اكتشفنا الديكور الفرعوني الذي صممه بمهارة فائقة مما أثار إعجاب الفريق الألماني إنتاجا وإخراجا . عمل توفيق مع عبد اللطيف بن عمار في «نغم الناعورة» و«النخيل الجريح» ورباعية «خطى فوق السحاب» و«صندوق عجب» و«ديما براندو» لشقيقه رضا وفيلم «خشخاش» لسلمى بكار و«فيلا الياسمين» لفريد بوغدير وسيناريو سارج مواتي و«ديكتا شوت» لمختار العجيمي وعدة أعمال تلفزية من بينها «طاولة وكراسي» وفوازير «رمشة عين» التي أنجزتها شركة CTVللتلفزة الوطنية وكثير من الأفلام الأجنبية من بينها«الشمس المغتالة» لعبد الكريم بهلول و«بنت كلثوم» لمهدي شارف .... تحصل توفيق الباهي على جائزة أفضل ديكور عن فيلم Bousculade لسوسن صاية وطارق الخلادي في مهرجان الأقصر . درس توفيق الباهي سنة في كلية الطب لكنه غيّر وجهته نحو الهندسة المدنية في باريس وعاد بعد ذلك إلى تونس وأسّس شركة خاصة في الإشهار وعمل موظبا عاما في الساتباك لكنه تعرض لحادث كاد ينهي حياته ، غادر تونس سنة 1984 نحو ألمانيا موطن زوجته ليشتغل في مجال تصميم الديكورات للمغازات والمحلات التجارية ليعود بعد خمس سنوات إلى تونس محملا بتجربة متنوعة في مجال السينما في التوظيب العام والمونتاج لكنه ظل ينتظر فرصته كمهندس ديكور حتى سنحت في «نغم الناعورة» لتتتالى بعده الأفلام التونسية والأجنبية ،وفي رصيده اليوم اكثر من ثلاثين فيلما كمهندس ديكور ... الطريف أن حوار توفيق الباهي مع التونسية هو الأول في مسيرته السينمائية الطويلة... ما الجديد في عملك كمهندس ديكور في الفيلم الألماني «الأصدقاء الخمسة» لتنال كل هذا المديح؟ - «أنا خدمت كالعادة» بنفس الجدية والإخلاص، صحيح هي المرة الأولى التي أنجز فيها ديكورا «مصريا» لأن أحداث الفيلم تدور بمصر، وأنا ساعدت الفريق الألماني على اختيار مواقع التصوير سواء في المدينة العتيقة أو في عنق الجمل أو أوذنة... بالنسبة إلى هذا الديكور صورنا مشاهد الدخول إليه في عنق الجمل وفي أوذنة أنجزنا ديكور السجن ، وقد قال لي المنتج الألماني إنه كان يستحيل عليه إنجاز هذا الديكور في ألمانيا نظرا إلى كلفته العالية ، نحن أنجزنا عملنا خلال خمسة أسابيع بتقنيين تونسيين أثبتوا كفاءتهم ومهاراتهم العالية وأنا فخور بكل عناصر الفريق الذي عمل معي. هل يوجد مهندس ديكور ألماني في الفيلم؟ - يوجد لكنه لم يتدخل في عملنا ، هو أنجز ثلاثة ديكورات فقط تتعلق بالمشاهد التي يفترض انها تدور في ألمانيا وجلها ديكورات داخلية كيف صممت هذا الديكور الفرعوني؟ - أولا أنا حظيت بثقة المنتج التونسي عبد العزيز بن ملوكة وهذه الثقة هي التي مكنتني من العمل براحة تامة، أطلعت على سيناريو الفيلم بشكل مسبق والحقيقة ان الثقة بنيت مع المخرج والمنتج منذ مرحلة معاينة مواقع التصوير Repérage فقد كنت أقترح عليهما موقعين وأحيانا أكثر لكل ديكور ... بالنسبة لهذا الديكور في بلاتو التصوير بشركة الأنابيب فهي أول مرة أنجز ديكورا مصريا لذلك عدت إلى المصادر التاريخية «موش من راسي » لا بد من مرجعية تاريخية وهو ما قمت به ، وأنا سعيد برضى الفريق الألماني الذي بدأ يفكر في تصوير فيلم ثان في تونس فقد إكتشفوا تونس والتوانسة، أعجبهم الجنوب رغم حرارته كما ان تونس تتوفر فيها ديكورات طبيعية متنوعة إذ يمكنك أن تصور أفلاما عن الجزائر والفيتنام ولبنان ومصر وكأنك فيها. هل يحز في نفسك أن الأضواء لا تسلط سوى على المخرج والممثلين في حين يهمل من نتسلى بوصفهم بجنود الخفاء؟ - أنا إنسان واقعي أعرف قانون اللعبة وأحترمه، مخرج الفيلم هو بمثابة قائد الأوركسترا له تصور للفيلم ويسعى كل من حوله من تقنيين لتقديم أفضل ما لديه ضمن هذا التصور، وفي تقديري الديكور الناجح هو«إلي ما تشوفوش» لا ينبغي أن يكون الديكور جزءا منفصلا عن الفيلم بل هو جزء منه وفي خدمة التصور العام ، الانسجام والتناسق مطلوبان ضمن مكونات الفيلم. ما قصة ظهورك كممثل في عدد من الأفلام؟ - (يبتسم) صحيح، أغلب الأفلام التي عملت فيها كمهندس ديكور ظهرت فيها كممثل سواء في أفلام تونسية أو أجنبية، قدمت شخصية الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل في فيلم أمريكي « Deadline» وشاركت في فيلم عبد اللطيف بن عمار وقدمت شخصية شهريار في فيلم أنتجته قناة arte ، «أنا حشام لكني أمام الكاميرا أتخلّص من هذه الحشمة». كيف يمكن إقناع المنتجين العالميين بالعودة إلى تونس؟ - الأمن أولا ، لأن شركات التأمين لا تشجع المنتجين على القدوم إلى تونس متى كانت غير آمنة، لا بدّ أيضا أن تتحرك الإدارة وتتفاعل إيجابيا مع متطلبات السينما العالمية، من حيث الديكورات مازالت تونس بكرا «مازال عندنا مناظر طبيعية رائعة». لماذا لا تنجز ديكورات كبيرة في أفلام تونسية؟ - هي مسألة إمكانيات ومع ذلك هناك أفلام أنجزت لفائدتها ديكورات ضخمة كما حدث في فيلمي «النخيل الجريح» و«خشخاش»..