تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصوير الأفلام الاجنبية في بلادنا
نشر في الشعب يوم 25 - 12 - 2010

تأتي الصدف أن صاحب هذه الكلمات هو أصيل قرية تحاول أن تكون مدينة عرفت في القديم باسم »الكوفة الصغرى«... لكثرة الكتاتيب وولوع الناس بالحديث والكلام على المستويين الاجتماعي والفقهي.
مدينة نفطة التي يصفها بدقّة البشير خريف في رائعته »الدقلة في عراجينها« »زنقة حادة في خريطة تونس«. غير أن موقعها هذا كان يقيها العديد من المحن فقد كانت بوجودها على حدود الجزائر (التي رسمها الاستعمار) رابضة على تخوم الصحراء الكبرى يحيطها من الشمال »شط الغرسة« ومن الجنوب »شط الجريد« وهما شطّان يمثلان روائع من روائع دلال الطبيعة اذ جاءت بحرين أو صحراوين من الملح... طبعا تنمو هناك النخلة باسقة أصلها في الأرض ورأسها في السماء، زد على ذلك مناخها الذي يأتي معتدلا كل أيام السنة اذا استثنينا قيظ أربعين يوما في الصيف (غير أن ليالي الصيف جميلة) وبعض رياح الشرقي ربيعا والشهيلي صيفا. مدينة نفطة اشتهرت في القديم بالعلم والادب والنكتة... وها هي اليوم تصبح عاصمة لأميرين ساحرين مرتبطين بالخيال والمخيال. تحولت نفطة منذ سنوات قليلة الى عاصمة السحر والطب التقليدي وتحرير الحروز.. فقد أحصينا أكثر من مائة طبيب روحاني. أما شهرتها الاخرى فهي أنها أصبحت »هوليوود« تونس فهي المدينة الاكثر استقطابا لفرق التصوير وها أنا هذه الايام في مسقط الرأس أقوم بواجبي السنوي المتمثل في الاقامة عدّة أسابيع، أعيش حياة الصبا المفقودة اليوم جرّاء تقدم العصر وجرّاء العولمة. فمدينتي لم تعد تلك التي أعرفها في الخمسينات والستينات دون تلفزة أو هاتف جوال ودون بطالة أو عطالة، رائحة الارض تغيرت اذ اختفى شريانها الحقيقي، ذلك النهر الذي كان ينساب لذّة للحياة بين المدينة والواحة... كانت الفصول تحمل أسماءها وخصائصها: الربيع ربيع بزهوره وطقوسه والصيف صيف بقيظه وسهراته والخريف احتفال يدوم ثلاثة أشهر تدر فيها الواحة خيراتها التي تنضب في بداية شتاء يأتي بسهراته العنترية ومساجلاته الشعرية. الكل يعمل والكل يأكل والواحة تدر خيرات كثيرة اذ أن الواحة أكثر الفضاءات الفلاحية خصبا اذ تتي الفلاحة على مستوى ثلاث طوابق كما أتى في كتب »بلين القديم« عالم الفلاحة الروماني. وقد كانت مدينة نفطة مثل كل مدن الجريد خزّانا للغة العربية والقرآن حفظا وتفسيرا، إذ كان يؤم الجريد طلبة العلم كما نسميهم أو »الجوّالة« قادمين من شمال البلاد ومن تمبكتو وداكار لحفظ القرآن في المدارس القرآنية التي درسها المستشرق »جاك بارك« والجغرافي الفرنسي الشهير »ايف لاكوست« والحبيب عطية اللّذين برهنا أن مدينة نفطة كانت دوما تحتل المرتبة الأولى في نتائج شهادات ختم الدروس الابتدائية. ليس المجال هنا لسرد أسماء الادباء والشعراء الذين سنخصص لهم ملفا على صفحات الشعب »بمناسبة مائوية مصطفى خريف«. واليوم أمام البطالة المتفشية وانسداد أفقيْ الهجرة الداخلية والهجرة الخارجية... فقد كان الجريد منبع اليد العاملة المتجهة المهاجرة إلى الحوض المنجمي وقد توقفت الانتدابات... وكانت الهجرة المنظمة أو غير المنظمة إلى فرنسا تفي بحاجة الاسر. واليوم لا يعيش البشر في هذه المدينة على نسق متصل الاّ الموظفون التابعون للدولة فالمؤسسات الخاصة تكاد تكون معدومة والمتقاعدون المهاجرون الذين أفنوا سابقا حياتهم في المعامل والحقول الاوروبية وكأنهم يمتلكون نوعا من الارستقراطيّة. ومدينة نفطة اليوم تحوّلت الى ما يسمى ب »مقبرة الأفيال« لأن الفيل يهاجر آلاف الكيلومترات عبر الاحراش ولكنه لما يشيخ ويشعر باقتراب الموت يعود الى مسقط رأسه ويردّد مع »مصطفى خريّف« الابيات التي نقشت على قبره: تلك الفراديس أهواها وساكنها ❊❊ وأفتديها على وجد وتفديني يا أهل ودي اذا طال الردى جسدي ❊❊ ففي رطيب الثرى منها أعيدوني لماذا الحديث عن نفطة المدينة وسكانها ضمن حلقة في السينما... لان نفطة مدينة سينمائية وها أنا أحضر على مدى ثلاثة أسابيع تصوير ثلاثة أفلام في نفس المدينة بنفس الكومبارس أو ما يسمى »فيغوران« (figurants). الفيلم الأول ميزانيته بالمليارات. الفيلم الثاني طبيعة جديدة علينا. الفيلم الثالث تونسي وميزانيته بالملاليم. وهو ما يجرّنا إلى الحديث عن دفّة من ملف السينما وهو تصوير الأفلام الأجنبية. ❊ شيء من التاريخ: نعود الى التاريخ خاصّة علاقة السينما ببلادنا قبل بروز سينما وطنيّة... هذه المرّة الثالثة التي نذكر فيها قدوم مصوّرين فرنسيين ثلاثة أشهر فقط بعد أوّل عرض سينمائي الى بلادنا لتصوير أفلام سينمائية. وهي البعثة السينمائية للأخوين »لوميار«: كان الفيلم الروائي الاول الذي صوّر في بلادنا كان فاتحة لمفهوم السينما في الحقبة الاستعمارية... السينما التي تصوّر في بلدان شمال افريقيا خاصة فيلم »الجنتلمان الخمسة الملاعين« عام 1925. وهذا المفهوم حلله الكاتب الجزائري الكبير الرشيد بوجدرة في كتاب جميل أصدره في بداية السبعينات عن تاريخ السينما في الجزائر وحدّد فيه مفهوم السينما الاستعمارية بثلاثية: »النخلة والجمل والمرأة العاهرة« فعلا الجمل والنخلة باقيان لكن المرأة العاهرة هي صورة رسخها الفن الاستشراقي وأدب الاستشراق عن تلك المواخير التي كانت قد أسسها الاستعمار لتلبية رغبات الجنود الذين يقبعون في ثكنات تحت القيظ وقد عمّ مفهوم رسوم النساء العاريات وجلهن استُجْلبْن من قبائل على تخوم البلدان الافريقية المجاورة للجزائر وخاصة قبيلة أولاد نايل. وقد رسّخ صورة تلك المرأة في المغرب العربي رسامون مثل »اتيان ديني« الذي أسلم وأصبح يدعى »نصر الدين دنيات« وفرني وجراردي وديلاكروا وحتى »ماتيس« في مجموعته نساء الجزائر الشهيرة، فالسينما الأوروبية ملت بسرعة مواضيعها التي كانت إما إعادة تصوير المسرحيات الشعبية »فودوفيل» أو اقتباسا عن روايات مبسطة تدور حول الحب والغرام والمغامرات البوليسية مثل روايات عبير اليوم او أفلام فونتوماس وارسان لوبان وهكذا تحولت الكاميرا الى شمال افريقيا بحثا عن الاضاءة والصحراء والمسافات الشاسعة والنباتات والمعمار الذي يبدو غريبا بصوامعه ومآذنه ومدنه القديمة ضيقة الأنهج. غير أن السينما العالمية وخاصة الغربية انقضّت على فضاءاتنا الساحرة وراحت تكرع من مرجعين أساسين وآخر جزئيّ المرجع الاول هو ألف ليلة وليلة والثاني الكتاب المقدس والثالث عالم الفراعنة. ❊ في البحث عن شهرزاد فمنذ إخراج فيلم »ابن الشيخ« بطولة »فلانتينو« واخراج »جورج فرتسموريس« عام 1926 برزت العمامة والحريم في السينما العازلمية وانتقلت الكاميرا بمعداتها الثقيلة إذ كانت الكاميرا 35 مم تملأ شاحنة كاملة مع الممثلين والتقنيين وكل فريق الفيلم الذي كان يثير اعجاب المواطنين الذين لم يحلم احد منهم من قبل باتخاذ السينما مهنة. وقد كانت تونس محطة أحد تلك الأفلام عندما قدم المخرج الكبير اليهودي الهوليودي الامريكي »راكس انغرام« الذي صور فيلم »الرجل العربي« (the Arab) وقد استقبله اليهودي التونسي البير شمامة شكلي وقد كانت ابنته »هايدي« قد مثلت دورا صغيرا في ذلك الفيلم إذ تقول في مذكراتها أن »راكس انغرام« أراد أن يأخذها معه إلى هوليود ليجعل منها بطلة كبيرة غيرأن رفض أبيها حطم أحلامها مما أدى بها إلى كتابة سيناريوهات ما يسمى بالأفلام التونسية الأولى »عين الغزال« و»زهرة« اخراج ابيها. ولطرافة اعتباط التاريخ أُنْتج أول فيلم روائيّ عربي عام 1927 انتاج وتمثيل »عزيزة أمير« اخراج التركي »وداد عرفي« هو فيلم ليلى وهو واضح فيلم ابن الشيخ وبطله يرتدي نفس الملابس »فلانتينو«. وهكذا توالت أفلام الليالي العربية كما يطلق الأنغلوساكسون على افلام »ألف ليلة وليلة: Arabian Nights« وقد قمنا عام 1984 بمناسبة تنظيم معرض ضخم خاص بألف ليلة وليلة من قبل معهد العالم العربي ببحث لصالح ذلك المعد عن ألف ليلة وليلة في السينما وكان اكتشافنا مدهشا حيث نشر المعهد كتيبا يضمّ فيلموغرافيا تعدت المائة وعشرين فيلما عالميا وعربيا مأخوذة عن حكايات شهريار وشهرزاد والغريب ان العرب لم يقتبسوا منها الا ثلاثة أو أربعة أفلام، هذه هي الدقة الاولى من ثلاثية اجتذاب السينما الى بلادنا. ❊ الكتاب المقدس يكتشف من قرأ الكتاب المقدّس خاصة العهد القديم منه، أنّه بعج بقصص الانبياء التي كنا نطالعها في سلسلة أحمد عطية الابراشي في الابتدائي. وقد تحولت تلك القصص التي تنتمي الى الموروث الديني الميثولوجي إلى ما يسمى المخيال اليهودي / المسيجي (Judéo Chrétien) يكتشف أن هوليود انقضّت على تلك المواضيع وحولتها إلى أفلام عن الانبياء مثل فيلم »الوصايا العشر« لسيسيل بي دوميل أو أفلام »شمشون ودليلة« أو فيلم »ميلاد أمّة« للشهير غرفيت وهو أول فيلم في تاريخ السينما يستعمل المونتاج... ولم تترك هوليود حادثة من الكتاب المقدس الا واقتبستها حتى أصبحت هنالك نجوم خاصة بهذا النوع من الافلام مثل »هايدي الأحمر«. وقد صوّرت جلّ تلك الافلام في مصر وفلسطين والمغرب العربي لأن المخرجين يبحثون عن الصحراء أولا ثم القرى الإنجيلية المبنية من الطوب وجذوع النخلة المحاطة بالواحات وهو العالم الانجيلي. كما أن حياة عيسى اليسوع تربعت كما تربعت من قبل في الرسم مع العذراء على عرش الافلام التاريخية وأهمها »يسوع الناصري« اخراج »فرانكو زيفلي« والمبعوث الرسول إخراج »روبرتو روسليني« هما فيلمان صُوِّرَا في تونس وهي أهم الافلام العالمية الخاصة بالمسيح وقد قمنا شخصيا بعملية اختيار المناظر مع المخرج اللبناني »هارون بغدادي« والمنتج الذي انتحر أخيرا »هوبارت بالسان« لتصوير فيلم »صبر المسيح«.. غير أن الفيلم تحول الى المغرب الاقصى. أما عالم الفراعنة فقد كان محورالعديد من الافلام وقد صورت حياة كيلوباترا عدة مرات وخاصة في رائعة البولوني الاصل »جوزيف مانكوفييتش« الذي عمل معه المخرج المصري صاحب الفيلم اليتيم المومياء شادي عبد السلام الذي عمل مهندس ديكور وغاص بعدها في عالم الفراعنة، أخرج منه المومياء ولم يترك له الموت فرصة تصوير فيلم عن »اخناتون« الذي كان قد رسم بيده كل مشاهده وهي رائعة، وقد شاهدناها معه في استوديو الأهرا وخفنا على ذلك الموروث حتى اتى نبأ خزن كل وثائق شادي عبد السلام في مكتبة الإسكندرية. غير ان العديد من افلام الفراعنة صورت في تونس واتذكر يوما عثرت فيه على الطيب الجلولي في بلدة ميداس قرب الرديف وهو يعيد بناء قرية فرعونية. ❊ سينما الخيال تنطلق من تونس الطريف في هذه الحكاية هو ان تونس اشتهرت عالميا عن طريق »حرب النجوم« الفيلم الذي حطّم كل الأرقام وذلك عن طريق المنتج التونسي طارق بن عمار. فقد كان طارق بن عمار يحلم بالسينما التي اكتشفها وهو مراهق، عندما كان يتابع تركيب أفلام عن حوادث الطرقات والسلامة المرورية، إذ أن والده المرحوم المنذر بن عمار كان رئيسا لجمعية الوقاية من حوادث الطرقات وبعد دراسته عاد الى تونس وأبى الا ان يعمل في ميدان السينما وهكذا أسس شركة »كارطاقو فيلم« (في المنستير) ليؤسس ستوديوهات ومخازن ديكور وأزياء... فقد بدأ الانتاج وكنّا قد حضرناه عام 1975 في جربة بفيلم »الساحر« عن قصة للكاتب »سان أنتونيو« عندما كان يوقع باسمه الحقيقي »فريدريك داردا« واخراج المخرج الفرنسي الشهير »كلود شابرول« وتتالت الافلام الاجنبية العديدة غير أن القفزة النوعية التي قام بها طارق بن عمار كانت عندما تعاقد مع المخرج الكبير »فرانكوزفرلي« (وهو مخرج مسرح وأوبرا في الأصل) بفيلمين كبيرين »المسيح الناصري« وفيلم »ترافياتا« عن »اوبرا فردي« الشهيرة وقد أصبح ذلك الفيلم محل نزاع مع منتجه المشترك الامريكي وقد ربح طارق بن عمار القضية ليعود من جديد الى الانتاج وأصبح اكبر منتج عالمي خاصة انه اقتنى جل ستوديوهات فرنسا. وقد نتفق أو لا نتفق مع طارق بن عمار غير أنّ كل العاملين في السينما يشكرون فضله اذ عن طريقه استجلبت افلام ذات ميزانيات كبيرة لتصور في تونس وعن طريقه وقعت عملية التلاقح بين الفنيين والفنانين التونسيين والعالميين فجل المخرجين التونسيين عملوا مساعدين في أفلام اجنبية صوّرت في تونس وخاصة المهنيين حيث اكتشفوا مها أخرى. وأصبحت تونس تعج بالتقنيين الذين تعلموا المهنة من العمل في تلك الافلام. وأكبر انتاج كان قد وقع عندما تعرف طارق بن عمار على مجموعة ما يسمى السينما الامريكية المستقلة التي خرجت عن هوليود وقد كان يرأسها مخرجان هامان »ستيفان سبيلبارغ« وصديقه »جورج لوكاتش« اللذين قرّرا العمل معا منذ سنوات دراستها فان كتب أحدهم سيناريو أخرجه الآخر وان صوّر احدهم
فيلما كان الاخر منتجا هكذا قدم أول فيلم لهذه المجموعة وهو فيلم »مغامر والسفية الضائعة« (Les aventuriers de l'archéé perdu) »لستيفن سبيلبرغ« الذي صوّر في نفطة والجنوب التونسي ثم اكتشف الصحراء وشط الجريد ومناطق مطماطة وجبالها الغربية وهنا أتي ليصوّر فيلم حرب النجوم من انتاجه واخراج جورج لوكاش الذي سيتحول الى أضخم انتاج على عدّة حلقات صورت منها خمسة وقد أطلق على القارة الخيالية التي تدور فيها حرب النجوم قارة تطاوين... ثم عاد مرة أخرى ليصور جزء هاما من تلك الخماسية عن طريق المنتج عبد العزيز بن ملوكة وهاهي الديكورات أصبحت مزرارا للسياح وقد أعيد ترميمها على يد الطيب الجلولي بدعم من وزارة السياحة واصبحت منطقة عنق الجمل مزارا مهما للسياح ومورد رزق لعديد الناس في المنطقة. وعندما أتى المخرج الانكليزي »أنطوني منغلا« الى المنطقة لتصوير فيلم »المريض الانقليزي« بمنطقة العريقات التي تضمّ احد أجمل مجموعة كثبان رمل صحراوية كانت السيارات غير قادرة على الوصول الى تلك المناطق فقرر تسهيلا لعمله فتح طريق مؤدية الى تلك المنطقة اصبحت اليوم مسلكا سياحيا. ❊ حرب الخليج... والتصوير في تونس منذ حرب الخلية واكتشاف ما يسمى الارهاب برزت موجة جديدة عن حرب الخليج وحرب العراق أساسا. ولانعدام الأمان أصبحت تونس والمغرب الاقصى وجهة الراغبين في تصوير افلام تدور أحداثها حول حرب الخليج الاول والثانية. وهكذا قدم الى نفطة وقفصة وجل المنطقة المخرج الإيطالي الشهير »ماركو بنّيني« لتصوير جل مشاهد فيلمه قصة حب في بغداد وذلك لتشابه المعمار بين بغداد والجريد خاصة المدينة القديمة بنفطة. وتلاه فيلم عن حياة صدام حسين الذي برز في ثلاث حلقات وأخرجه الانكليزي »آلكس هولمس« وأتى عن طريق شركة معز كمون الذي حول فيه ساحة سوق نفطة الى وسط مدينة »حلبجة« ألقى صدام حسين خطابه التهديدي وصورالتونسي نضال شطّا مشاهد فيلمه الاخير الذي أتى علي خلفية قصة تدور في عراق الحرب. وهاهو مخرج روسي يصور هذه الايام فيلما تدور أحداثه في بلاد ينتهي إسمها ب»ستان« كأفغانستان وهو بلد خيالي يهرب إليه مهرب مخدرات على خلفية قصة حب. ❊ ❊ وسنعود في حلقة موالية إلى تقديم أوجه الأفلام التي صورت بتونس، غير أننا نطرح عدة أسئلة ملحّة: ماهو مردود تصوير الأفلام في بلادنا؟ من يعمل وماذا يدور في هذه الافلام؟ ماهي مساهمة الدولة في هذا الميدان؟ هل من مستقبل لهذا القطاع ؟ يدخل تصوير الأفلام في تونس وفي بلدان الجنوب في اطار الصناعات والخدمات وفي نفس الوقت إنّ السياحة صناعة غير مضمونة ولذلك يجب التعامل معها وبحذر وهنا يجب الرجوع إلى تجربة المغرب التي تنافسنا في هذا الميدان، وهاهو طارق بن عمار يعود بعد »الخارجون عن القانون« لرشيد بوشارب بفيلم ضخم الإنتاج عنوانه »العرق الأسود« الذي ننشر أول صور له وهو من إخراج »جان جاك أنو« ولنا عودة إلى هذا الفيلم الذي يدر على المنطقة حوالي نصف مليار اسبوعيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.