بقلم: أبو غسان انتهت مساء أول أمس آجال الترشح لرئاسة الجمهورية بعد أن تلقت هيئة الانتخابات أكثر من 70 ملفا بعضها لا يكاد يستوفي أي شرط قانوني، عدا رغبة أصحابها في اقتناص الأضواء والبحث عن الشهرة ومحاولة لفت الانتباه ولو للحظات قصيرة ولكنهم يرونها ثمينة جدا. ورغم أنه من المؤكد أن بعض هذه الترشحات ستسقط لسبب أو لآخر، ليستقر على الأرجح عدد الحالمين ب«غزو» قصر قرطاج بين الأربعين والخمسين مترشحا، فإن هذا العدد يبقى مرتفعا نسبيا. والسؤال الذي يطرح اليوم هو ما إذا كانت هذه الكثرة ستشوش على الناخب التونسي مثلما حصل في انتخابات أكتوبر 2011 بسبب العدد المهول من القوائم الانتخابية، وخاصة ما إذا كانت هذه الكثرة ستؤثر بشكل أو بآخر على نتائج الدورة الأولى للانتخابات المنتظرة، وما إذا كانت هناك أهداف سياسية وحسابات انتخابية جعلت البعض يدفع بكل قواه نحو ارتفاع عدد المترشحين. صحيح أنه ليس من حق أي كان أن يحرم أي مواطن تونسي من حقه في الترشح ، ولكن كان واضحا جدا أن بعض الترشحات لم تكن جدية بالمرة، وكان هدف أصحابها الرئيسي لفت الانتباه أو تحقيق حلم وحتى الاستجابة لنزوة ليكونوا بذلك قد حققوا كل أهدافهم حتى قبل أن تجري عملية الاقتراع. في حين كانت أهداف البعض الآخر «افتكاك « مساحة من الزمن الإعلامي الذي يتيحه القانون بشكل متكافئ للمترشحين والاستفادة من المنابر التي توفرها الحملة الانتخابية وهو ما قد يصلح لمسيرة البعض منهم في المستقبل وليس بالضرورة في الانتخابات المقبلة. وعدا كثرة عدد المترشحين، وبعيدا عن أية قراءة سياسية في توجهات المترشحين وفي مدى جدية حظوظهم للفوز بمنصب رئاسة البلاد، فقد كان لافتا استحواذ عملية تقديم الترشحات على اهتمام الرأي العام الوطني والتغطية على أحداث أخرى قد تكون أهم، ومنها بالخصوص تحويل الاهتمام عن الانتخابات التشريعية المنتظرة والتي تبقى بكل المقاييس هي الأهم بحكم طبيعة نظام الحكم لتونس الذي هو نظام برلماني بالأساس.. فلا شيء أوحى في الأيام الأخيرة أن البلاد مقبلة على انتخابات تشريعية بعد شهر واحد فقط... وقد يعود هذا للضجيج الكبير الذي رافق بعض عمليات الترشح التي أرادها البعض استعراضا للقوة، ومهرجانا دعائيا كبيرا وأنفقوا لأجل ذلك أموالا طائلة. فقد بدا أحيانا أن البعض نسي أن الأمر لا يتعلق سوى بتقديم الترشحات وليس بالانتخابات نفسها. وفي باب استعراض العضلات أيضا شهدت عملية تقديم الترشحات ما يشبه حرب الأرقام حول عدد التزكيات حيث تمسك بعض المترشحين بعدم الاكتفاء بالعدد الأدنى المطلوب من التزكيات وأصروا على تكديس عشرات الآلاف من التزكيات الإضافية بل والجمع أحيانا بين تزكيات نواب المجلس التأسيسي وتزكيات المواطنين العاديين، محاولين ربما الإيهام بشهرة لا أحد بإمكانه التثبت من حقيقتها بحكم عدم وجود آليات دقيقة تمكن من الوقوف على حقيقة الأرقام المقدمة ولا حتى ما إذا كانت هذه التزكيات قد تمت بطرق شفافة. وقد كان أحرى أن يفرض القانون الانتخابي على المترشحين عدم تجاوز عدد التزكيات المطلوبة إلا بعدد محدود ، وكذلك عدم الجمع بين نوعين من التزكية تجنبا لمثل هذه المزايدات. لقد أصر البعض على أن يجعل من عملية تقديم الترشحات للانتخابات الرئاسية ما يشبه «الشاو» Show، ومناسبة لاستعراض القوة ، في حين غلب الطابع الفولكلوري - الرديء أحيانا - على سلوك البعض الآخر ممن تقدموا بترشحاتهم وهذا يجعلنا ننتظر العجائب والغرائب في الحملة الانتخابية التي ستوفر بالتأكيد للتونسيين مواد جديدة للتندر والتنكيت أكثر بكثير مما وفرته عملية تقديم الترشحات.