إذا عادت منظومة الفساد والاستبداد فستدخل البلاد في نفق جديد «النهضة» خسرت جهة الشمال الغربي بأكملها أطراف كانت تجلس حول مائدة الحوار وتنسّق لانقلاب في البلاد حاورته جيهان لغماري «استقلت من «النهضة» لأنها لم تعد تعبر عن المشروع السياسي الذي أؤمن به... لم أتوقف يوما عن نقد حركة «النهضة»... الحوار الوطني أداة لتطبيع عودة المنظومة القديمة للساحة السياسية... أطراف سياسية كانت تجلس حول مائدة الحوار وفي نفس الوقت تنسق لانقلاب دموي في البلاد...».هذا غيض من فيض ممّا جاء على لسان رياض الشعيبي رئيس حزب «البناء الوطني» الذي يرى ان المشهد السياسي لن يتغير كثيرا بعد 26 اكتوبر القادم رغم خفوت شعبية «الترويكا» وتنظم قوى الثورة المضادة، على حد تعبيره. ونفى الشعيبي، في حوار «التونسية» معه أية علاقة خصوصية بين حزب «البناء الوطني» وحركة «النهضة» تاركا الباب مفتوحا لإمكانية العودة أو التحالف مع حزبه الأم عندما استدرك قائلا ان «المواقف السياسية والخيارات الكبرى هي التي تحدد علاقة حزب البناء بهذا الطرف أو ذاك.» بدا الشعيبي متألما من الحملة على حزبه والتي حرمت مناضلاته ومناضليه من فرصتهم الكاملة في المساهمة في ترسيخ التجربة الديمقراطية بسبب الضغوطات والإغراءات التي مورست عليهم على حدّ تعبيره مؤكدا أنهم مازالوا رغم ذلك مصرين على الحضور في كل المناسبات الديمقراطية القادمة . وفي ما يلي نص الحوار: الى أين وصل الطعن الذي قدمتموه بعد رفض هيئة الانتخابات لقائماتكم الاربعة المترشحة للانتخابات التشريعية؟
لقد تم رفض ثلاث قائمات في صفاقس والقيروان وسليانة والحكم بقبول قائمة قفصة. لماذا تم رفضها؟
الأسباب متعددة منها ما تعلق بعدم تسجيل المترشحين في الآجال القانونية ومنها ما كان بسبب خلل حصل في اجراءات تقديم القائمات، ولقد كان بالإمكان تلافي مثل هذه الاخلالات لو وجدنا تعأونا من بعض الهيئات الفرعية للانتخابات. اذ للأسف وجدنا صعوبات في التعامل خاصة مع رئيس الهيئة الفرعية بصفاقس2 الذي ابدى موقفا سلبيا واضحا من قائمتنا لا نعلم اسبابه ووصل حد التشاجر، وكذلك شأن رئيس الهيئة الفرعية بالقيروان. وماذا عن قائمة ايطاليا ؟
في سابقة خطيرة في تاريخ العلاقة بين الاحزاب السياسية، رفع رئيس لجنة الانتخابات في حركة «النهضة» نظرا لتبرئ الوجوه السياسية للحركة من التورط في هذا الموضوع قضية للطعن في قرار الهيئة الفرعية بإيطاليا القاضي بقبول قائمتنا ولم نبلغ بموعد الجلسة بشكل قانوني الا ان المحكمة الابتدائية قضت بالحكم علينا ورغم وجود خطإ شكلي خطير في نص الحكم يتمثل في صدوره ضد قائمة البناء الديمقراطي غير موجودة وليس ضد قائمتنا، وعلى الرغم من اعتراضنا امام المحكمة الادارية وادلائنا بما يفيد وجود 165 قائمة معتمدة من الهيئات الفرعية تحمل نفس خصائص قائمتنا، من بينها خمس قائمات عن دائرة ايطاليا بالتحديد، ورغم ان الهيئة الفرعية بإيطاليا دافعت عن صحة قرارها، فان الدائرة الثالثة بالمحكمة الادارية بتونس حكمت بإسقاط القائمة. قلتم ان بعض قائماتكم الأخرى تعرضت لمضايقات، ما الذي حصل بالضبط؟
بالفعل بدأ الأمر مع قائمة الكاف التي وقع فيها إغراء رقم ثلاثة في القائمة عن جهة تاجروين بالانسحاب مقابل عقد عمل في عمان، حيث سافر هذا الشخص بالفعل يوم 5 سبتمبر بعد ان أمضى عقدا في وكالة التعأون الفني يوم 2سبتمبر بهذه السرعة ، علما انه عاطل عن العمل من أصحاب الشهائد العليا. كيف حصل ذلك؟ أكتفي بالتصريح بهذا الآن. نفس المحاولة حصلت مع رقم ثلاثة في جندوبة حيث تعرض للضغط ممّا ادى لاستقالته من القائمة بعد موافقة الهيئة الفرعية عليها. في الكاف وفي جندوبة أمكننا تلافي الأمر وتعويض هذين الشخصين. لكن في سيدي بوزيد للأسف لم تقبل القائمة لان شخصين من القائمة وبعد ان وقع ادراج اسميهما ضمن القائمة اختفيا تماما ورفضا حتى الاستقالة لتعويضهما كما رفضا استكمال بقية وثائق الترشح. هل تتهم طرفا سياسيا معيّنا بالوقوف وراء ذلك ؟ بالنسبة لقائمة ايطاليا، الامر ليس محل اتهام لان الدلائل واضحة، هذا حزب سياسي رفع علينا قضية. أما بالنسبة للدوائر الاخرى فبدل الاتهام، ما أؤكّد عليه هو أمران: الأول ان الذين انسحبوا من القائمات لم ينتموا في أي وقت سابق لأي حزب سياسي ولا علاقة للضغط أو الاغراء اللذين مُورسا عليهم بانتمائهم لهذا الحزب أو ذاك. ثانيا ان مناضلات ومناضلي حزب «البناء الوطني» رغم حرمانهم من فرصتهم الكاملة في المساهمة في ترسيخ التجربة الديمقراطية فان التفافهم حول حزبهم وما آمنوا به من مبادئ سيجعلانهم اكثر اصرارا على الحضور في كل المناسبات الديمقراطية القادمة. هناك محادثات بينكم وبين حمادي الجبالي للالتحاق بحزبكم الجديد؟
لا، لم يحصل هذا مطلقا. فرغم الود الكبير الذي يربطني بسي حمادي فإنّ الاختلاف في وجهات النظر بنفس حجم حبي وتقديري له، وبالتالي لا توجد اية فرصة للالتقاء السياسي بين حزب «البناء الوطني» وحمادي الجبالي. ترشحتم عن دائرة باجة، ما هي حظوظكم أمام عودة وجوه النظام السابق؟
لا أرى في هؤلاء منافسين انتخابيين ولا حتى خصوما سياسيين، المنافسون الحقيقيون هم أبناء العائلة الديمقراطية. أما هؤلاء التجمعيون ففوزهم ان حصل سيكون ملوثا بالمال الفاسد وبخلايا «التجمع» النائمة، لذلك لا اعده فوزا نبيلا. ومع ذلك مازلت أؤمن بان ثورتنا بين صفحتين: أولى رسم حروفها الذين حلموا بهذه الثورة وانجزوها، وصفحة ثانية سيكتب حروفها جيل لن يفرط في مكاسبها. لذلك فرصة قائمة البناء الوطني بباجة قوية في ان تحظى بثقة أهالي الجهة. في اعتقادكم هل خسرت «النهضة» باستقالة الجبالي والشعيبي منها ؟ أوّلا اعتقد ان كل حزب يمتلك ارصدة استراتيجية من اهمها رصيده البشري، وبالتالي تُعتبر استقالة بعض كوادره بلا شك خسارة بالنسبة له. بالنسبة لحركة «النهضة» اعتقد انه باستقالة ثلاثة من رموزها الوطنية والجهوية والطلابية تكون قد خسرت علاقتها بجهة الشمال الغربي باكمله. فرياض الشعيبي باجة وفتحي الغزواني جندوبة وابراهيم الزغلامي الكاف زيادة على كونهم مناضلين تاريخيين في الحركة فضحوا باستقالاتهم ضعف حضورها وتمثيليتها لهذا العمق الهام في وطننا اي الشمال الغربي. اليوم هذا الاقليم ليس له من يمثله في مستوى صناعة القرار داخل حركة «النهضة» بعد استقالات عديدة من ابناء الجهة.
بصراحة لماذا استقلت من «النهضة»؟ لانها لم تعد تعبر عن المشروع السياسي الذي أؤمن به . لكن تقييمك لاداء ومواقف حركة «النهضة» ربما هو الذي كلفك الاستقالة؟ لم اتوقف يوما عن نقد حركة «النهضة» منذ 2005، تاريخ التحاقي بمؤسسات الحركة السرية ومشاركتي في اعادة تأسيسها. كان هذا النقد في البداية داخل اطرها التنظيمية وفي مجلس الشورى ثم انتقل للاعلام منذ 2009 عندما كتبت في ذكرى تأسيسها مقالا بعنوان: «حركة «النهضة» والمشروع الوطني»، واستمر هذا النقد في اتجاه اعادة تأسيس مشروع الحركة. وبعد الثورة كانت لي عديد المقالات المنشورة في الموضوع حتى انني ألفت كتابا عنوانه «الحوار الفكري السياسي رؤية تفكيكية في المشهد الحركي الاسلامي»، وكذلك دراسة في التقرير الاستراتيجي العربي الصادر بالقاهرة سنة 2012 عنوانه: «سنة من تجربة «الترويكا» في الحكم: تحديات الانتقال» وقد قدمت دراسة نقدية لتجربة الحكم انذاك. في الحقيقة لم ألق معارضة مباشرة داخل مؤسسات الحركة لحقي في التعبير عن مواقفي، لكن تبيّن لي أنه لا قيمة لهذه الآراء عند صانع القرار وعندها كان لا بد من الاستقالة. اتهمك البعض بالتحريض على الانسلاخ من «النهضة»، ما هو ردكم؟ اتهام غريب لا مصداقية له، الا اذا كان مجرد التعبير عن الرأي وابداء النقد لتجربتي الذاتية في حركة «النهضة» يعد تحريضا. ما هو موقفكم من عودة وجوه النظام السابق للواجهة السياسية؟ هذا مؤسف ان نجد جلادي النظام السابق في تنافس انتخابي مع القوى الديمقراطية من ابناء هذا الشعب. الكثير منهم لم يقل فيهم القضاء كلمته، واخرون سيمثلون امام العدالة الانتقالية، وبماذا يبشرون المواطنين؟ بالعودة للنمط القديم. أنا اعتقد انه رغم استغلال الوضع الاجتماعي الصعب لبعض المواطنين، ورغم تفعيل الخلايا التجمعية النائمة ورغم التوجيه الإعلامي الحاد، فانني مازلت أؤمن أن الإرادة الشعبية الحرة التي اسقطت بن علي كفيلة اليوم بإسقاط بقاياه. كما انبه المدافعين عن مقولة الاستقرار السياسي عبر اعادة توطين المنظومة القديمة، انبههم الى ان الاستقرار السياسي لا يكون الا من خلال تجسيم الارادة الشعبية المتحررة وليس من خلال توجيه الرأي العام والتحكم فيه، لان ذلك سيؤجج موجة الغضب الشعبي وسيدفع حتما لانفجارات جديدة تضع البلاد أمام موجة ثانية من الاحداث قد تفضي الى ثورة جديدة. مازالت هناك فرصة لإرساء دعائم مجتمع منفتح ومترفه، لكن اذا عادت منظومة الفساد والاستبداد فستدخل البلاد في نفق جديد. عبّرتم عن دعمكم للمرزوقي، لماذا؟
وضعنا معايير لاختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية: الالتزام بمبادئ الثورة ومطالبها العمل على ترسيخ التجربة الديمقراطية الدفاع عن استقلالية القرار الوطني التونسي امام أي تدخل خارجي الالتزام بالثوابت الوطنية وعدم التعارض مع الهوية العربية الاسلامية حضور البعد الاجتماعي في الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية للرئيس. ثم حددنا متطلبات المرحلة القادمة ورأينا انها ستمثل مرحلة ثالثة للانتقال للديمقراطية وستحمل بالتالي نفس الخصائص التأسيسية. ونظرنا في صلاحيات الرئيس حسب الدستور الجديد وخلصنا الى انه زيادة على الاهمية الرمزية لهذا الموقع فانه ايضا يملك صلاحيات واسعة فيما يتعلق بسيادة الدولة والمبادرة التشريعية. وأخيرا، اعتبارا للاتصالات التي اجراها معنا بعض المرشحين وطلبات الدعم التي تقدموا بها فرزنا الترشحات الجدية والمسؤولة عن غيرها، وانتهينا الى عدد قليل من المرشحين، قررنا على اثرها ترشيح الدكتور محمد المنصف المرزوقي للانتخابات الرئاسية القادمة على ان يترشح بشكل مستقل ليترك الباب مفتوحا لتشكيل جبهة سياسية واسعة حول هذا الخيار. قلتم «الترويكا» فوّتت على الشعب «تحصين الثورة»، ألا زلتم تؤمنون بذلك رغم تصريحات السياسيين التي تعتبر ان الغاء هذا القانون هو الذي أمّن الوصول للانتخابات؟
رغم نشوء علم الانتقال الديمقراطي الذي وضع أسس نظرية وعلمية للعملية السياسية في مراحل الانتقال، فإنّها لم تحترم في تونس ولم يقع العمل بها. فالهدف ليس اقصاء المنظومة القديمة في حد ذاتها وكأنّ الامر يعود لاعتبارات شخصية، انما المطلوب تامين وضمان التحول الديمقراطي الحقيقي. لذلك تزعّمت بعض شخصيات المنظومة القديمة عملية الانتقال الديمقراطي في اسبانيا مثلا، في حين تحولت التجربة الديمقراطية الى فشل في رومانيا عندما عادت منظومة تشاشيسكو. ليس هناك نموذج يمكن استنساخه بالكامل، كان من المفترض على كل الحكومات المتعاقبة بعد هروب بن علي تبني استراتيجية واضحة في بناء النموذج الديمقراطي، فلو توفرت هذه الرؤية وترجمت في تمشيات فعلية لكان الوضع الآن أفضل بكثير. لكن يأس الشعب من وفاء بعض السياسيين بتعهداتهم وتخاذلهم في تحقيق مطالب الثورة هو الذي دفعه للتفكير في قانون العزل السياسي. لو فعّلت المحاسبة والعدالة الانتقالية وقانون «من أين لك هذا؟» وكل القوانين التي تكرس الشفافية والعدالة الاجتماعية، لو اتخذت اجراءات جدية في هذا الاتجاه لما رفع مطلب العزل السياسي لانه لن تبقى حاجة اليه، ولما وجدنا انفسنا اليوم امام هذا التهديد بعودة المنظومة القديمة عبر انتخابات تشريعية تكاد تفرغ من كل رهان سياسي، وانتخابات رئاسية يتحكم فيها الاقليمي والدولي بشكل سافر. كيف ترى المشهد السياسي بعد انتخابات 26 اكتوبر؟ لن يتغير الا في ثلاث أبعاد: تغير نسبي في حجم القوى السياسية بعد ظهور نتائج الانتخابات: تناقص شعبية «الترويكا» يقابله تنظم قوى الثورة المضادة، وبداية بروز تيار وطني يتصف بحيويته وتصاعد تأثيره. تشكيل حكومة ائتلاف سياسي أوسع من «الترويكا»، تضم في داخلها «النهضة» وبعض القوى من المنظومة القديمة واحزاب صغيرة أخرى. تواصل حالة اللاّاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني بسبب ضعف مؤسسات الدولة وعدم وضوح الرؤية والظرف الاقتصادي الصعب والوضع الاقليمي المتفجر. الحوار الوطني، هل كان ضروريا؟ ولماذا؟
الحوار السياسي هو الالية المثلى للتعامل بين الاحزاب، لذلك من غير المعقول رفضه. لكن سياقات الحوار الوطني والاطراف المشاركة فيه واهدافه هي التي تثير الاشكال. فقد طالبت في بيان مستقل بعد اغتيال شكري بلعيد بان تتحمل الحكومة مسؤوليتها السياسية والاخلاقية عن هذا الاغتيال، ونفس الامر حصل بعد اغتيال محمد البراهمي، لكن قيادة «النهضة» لم تستمع لهذا الموقف ، ولو حصل ذلك لتلته اجراءات حقيقية كان من شأنها نزع فتيل الأزمة وأخذ زمام المبادرة السياسية. المشكل ان حركة «النهضة» بقيت رافضة للجلوس على مائدة الحوار الا بعد بروز «نداء تونس» كقوة سياسية رئيسية في صفوف المعارضة، وهو الامر الذي ألزمها بالجلوس مع هذا الحزب، فاصبح الحوار الوطني اداة لتطبيع عودة المنظومة القديمة للساحة السياسية. بل وصل الامر الى حد التفأوض بين «النهضة» و«نداء تونس» لاقتسام السلطة. لذلك اعتبرت ان الحوار الوطني اداة للانقلاب على الديمقراطية، بل ان بعض الاطراف كانت تجلس حول مائدة الحوار في نفس الوقت الذي كانت تنسق فيه لانقلاب دموي في البلاد، وقد كان تصريح رئيس الجمهورية واضحا في هذا الخصوص.