هاجرت الى أمريكا واشتغلت عاملا يوميّا حتى أصبحت مدير شركة الأحزاب قسّمت الشعب والنخبة تتصارع على المناصب الدولة في تونس ضعيفة لفّقوا لي تهمة كيديّة بسبب علاقتي بالمرحوم عبد العزيز سكيك حاوره: عبد السلام لصيلع السيد قدّور العيّاري كفاءة عسكرية تونسية، كان ضابطا برتبة عميد، خدم الجيش التونسي والوطن لمدّة 18 سنة. قال لنا إنّه بعد ذلك تعرّض الى ضغوط قاسية في العهد السابق لاجباره على تقديم استقالته، ثم غادر البلاد الى أمريكا التي استقرّ بها وغيّر مجرى حياته حتى أصبح مديرا لشركة معتمدا على ا& وعلى نفسه... وبعد 15 سنة من الغربة عاد مؤخرا الى تونس في زيارة قصيرة، وكوّن جمعيّة «تحيا تونس».... «التونسية» التقته فروى لها قصّته في هذا الحوار الخاصّ الذي تنفرد بنشره: بداية من أنت؟ أنا مواطن تونسي عمري 59 سنة، كنت ضابطا ساميا في الجيش التونسي من 1976 الى 1994 برتبة عميد في اختصاص الإدارة واللوجستيك أي ما يسمّى في الحياة المدنيّة ب «الموارد البشريّة وقت السّلم والحرب» في وزارة الدّفاع. وقد تنقّلت بين وحدات عسكريّة عديدة في جيش البرّ في الجنوب والشمال والوسط وفي العوينة. بقيت أعمل في الجيش ثمّ غادرته بعد 18 سنة. كيف غادرت الجيش؟ غادرت الجيش بعد مشاركتي الناجحة في فيلق السّلام التونسيبكمبوديا سنة 1991 1992. وقد نجحت في مهمّتي وتمّ توسيمي من طرف الأممالمتحدة، وهو نجاح مشهود لي به من الأممالمتحدة و35 دولة تحت قيادة فريق أوّل من أستراليا. شاركت في مهمّة فيلقنا بكبموديا، ونجاحي الكبير ليس نجاحا خاصّا وشخصيا بل أعتبره نجاحا لتونس وإعلاء للرّاية التونسية. وكان هذا النجاح سببا في خروجي من الجيش بضغوط من بن علي وأحد وزراء الدفاع وفريق أوّل سابق بالجيش اضطهدوني ولفّقوا لي تهمة كيديّة ظلما وباطلا ليس لها أيّ أساس من الصحّة، حيث تم تهديدي بالإحالة على المحكمة العسكرية والإقالة من الجيش... لفّقوا لي تهمة باطلة وقالوا إنّي مورّط في فساد مالي عندما كنّا في كمبوديا، بما أنّي كنت مسؤولا إداريّا في البعثة... هذا هو السّبب. قلت لهم: «لو لديكم دليل أثبتوا لي ذلك». لماذا فعلوا معك ذلك؟ إنّها تهمة كيدية إطارها تخوّفات من علاقتي القويّة بالمرحوم العميد عبد العزيز سكيك الذي كان يرحمه ا إنسانا وطنيّا ونظيفا وغيورا على تونس، كان حبّه لها فوق الوصف. كان الفيلق التونسي في كمبوديا تحت قيادة المرحوم عبد العزيز سكيك، وكان هذا الفيلق يتكوّن من حوالي ألف عسكري من مختلف الرّتب العسكريّة، من أعلى رتبة وهي عميد الى أصغر جندي. وكانت هناك شكوك وتخوّفات واهية في تلك الفترة من انقلاب عسكري بقيادة المرحوم سكيك الذي كنت مقرّبا كثيرا منه بحيث وقع تسليط ضغط نفسي كبير على عبد العزيز سكيك... لم ينل ترقية عسكريّة وتعب كثيرا بعد عودته من كمبوديا، لكن بعد مدّة تمّت ترقيته الى رتبة أمير لواء وعيّن رئيسا لأركان جيش البرّ. وكما هو معلوم توفّي المرحوم سكيك بعد ذلك في حادث الطّائرة بجهة مجاز الباب سنة 2002 رفقة 14 ضابطا من أبرز نخب الجيش التونسي، وكنت أثناء الحادث خارج الخدمة العسكريّة وخارج تونس مقيما في أمريكا، وسمعت بحادث الطائرة عن طريق الإعلام. وقد أعادوني من كمبوديا الى تونس قبل عودة الفيلق التونسي ولفّقوا لي تهمة الفساد المالي وجعلوني كبش فداء، والحمد & أثبت البحث والتحقيق أنّ التهمة باطلة، وهم يعرفون أنّي كنت السّاعد الأيمن للمرحوم سكيك. وماذا صار بعد ذلك؟ واصلوا ضغوطهم عليّ بتعليمات من وزير دفاع سابق لتقديم استقالتي من الجيش أو يكون مصيري الإحالة على المحكمة العسكرية مثلما قلت لك، فقدّمت استقالتي في شهر نوفمبر 1994 وكان عمري يومها 39 سنة. بعد الاستقالة بقيت في الحياة المدنيّة وعملت بقطاع التصدير والتوريد في التجارة العامّة. ولكن للأسف الشّديد تعرّضت الى ضغوطات أخرى فقرّرت الهجرة ومغادرة الوطن الى الولاياتالمتحدةالأمريكية مباشرة. ولماذا اخترت الهجرة الى أمريكا بالذّات؟ لأن أمريكا كانت أضمن بالنّسبة إليّ في مستوى العيش وتعليم أبنائي حتى أبتعد أكثر ما يمكن عن تونس وأتوارى عن الأنظار وأحمي نفسي وعائلتي من الضغوط والتتبّعات والمتاعب. اعتمدت على ا& ونفسي وعرق جبيني واشتغلت في عدّة مهن بكدّ يميني دون مساعدة من أحد مهما كان. في البداية اشتغلت عاملا يوميا عاديا في شركة تجارية بأجر يومي ضعيف لتوفير لقمة العيش.. وكنت قبل خروجي من البلاد أخرجت زوجتي وأبنائي الثلاثة الذين سبقوني الى أمريكا. كيف كانت بقيّة تفاصيل حياتك في الغربة بأمريكا بعيدا عن أرض الوطن؟ بعد ذلك بقيت أعمل منطلقا من الصّفر، واهتممت بدراسة أبنائي ونجحوا في دراستهم وتفوّقوا، و& الحمد، ابني الكبير الآن طيّار مدني في أمريكا، وابني الثاني تحصّل على الاجازة في أمريكا أيضا وهو يشتغل الآن في ميدان الماليّة بأحد البنوك. أمّا ابني الصّغير فهو يستعدّ لنيل شهادة الدكتورا في العلوم السياسية والصّحافة. وبمرور السنوات كوّنت شركة صغيرة لنقل البضائع في احدى الولاياتالأمريكية. وعلى مدى 15 سنة عشت مطمئنّا في المجتمع الأمريكي، لم يتدخّل في حياتي أحد، لم يضايقني أحد، ولم أتعرّض الى أيّ مشكل... وخلال كلّ هذه السنوات لم تكن لي أيّ صلة بتونس التي خرجت منها مكرها وحزينا ومتألّما. قبل 15 سنة كيف تركت تونس؟ تركت تونس وكان هناك قمع للصّحافة ولحرّية التعبير ولحريّة المواطن.. وكان الخوف مسيطرا على النّاس وكانوا لا يستطيعون الحديث بحريّة في المقاهي. لكن رغم ذلك كانت البلاد نظيفة، وكانت المعيشة في المتناول رغم تعرّضي الى الاضطهاد. وبعد 15 سنة من الغياب عدت الى تونس وفور وصولي صدمت بكثرة الأوساخ والمزابل والفوضى الكبيرة في الشوارع حيث لا يوجد احترام للقانون ولا يوجد انضباط.. ولاحظت أينما ذهبت الغياب الكبير لمؤسّسات الدولة... وإحقاقا للحقّ هذا لم يكن موجودا في السابق.. كانت البلاد أنظف وأجمل ممّا هي عليه الآن... تحدّثت مع كثير من المواطنين وعبّروا لي عن متاعبهم المعيشية اليومية... ولاحظت كثيرا من النّفاق أكثر ممّا كان في الماضي على جميع المستويات وخاصّة من بعض السياسيين.. حرام أن نرى تونس العزيزة غارقة في البطالة والأوساخ والمشاكل الصحيّة... هذا جلب انتباهي... وتونس لم تكن هكذا. لماذا في رأيك كلّ هذا؟ في رأيي أنّ القرار السياسي الآن ضعيف، والدّولة ضعيفة. صحيح، نحن في مرحلة انتقالية ولكن مؤسسات الدولة يجب أن تبقى قويّة، يجب أن تبقى قائمة وواقفة وتواصل عملها باقتدار، ويجب أن تعتمد على الكفاءات والخبرات... وللأسف الشديد فهمت أن الوازع الوطني ضعيف وأنّ حبّ الوطن مفقود. قلت لي إنّك تسعى إلى تأسيس جمعية تحمل اسم «تحيا تونس» ماهي الدوافع التي جعلتك تقوم بذلك؟ هي دوافع وطنيّة أوّلا وأساسا. أنا من منطلق انتمائي إلى هذا الوطن العزيز أريد أن أساعد بلادي وشعبي. كانت بلادنا تحت الدكتاتوريّة ونظام الحزب الواحد وحاليا مازال الشعب يتعلّم الممارسة الديمقراطية. وقد اتّصل بي أصدقائي وهم مجموعة من الكفاءات الوطنية المقيمة بتونس وطلبوا منّي العودة إلى الوطن والعمل معا من أجل تونس بعيدا عن الأحزاب السياسية التي همّها الأول الوصول إلى الكراسي والسلطة»... نحن لا نبحث عن الكراسي ولا نفكّر في سلطة...نحن نحب أن يتعلّم الشعب الدميقراطية ليعرف حقوقه وواجباته ويحترم القانون وهيبة الدولة، ليس بالعصا ولكن بالوعي والانضباط والفهم والنظام.. هذه هي المعاني التي نريد نشرها بين الناس لتكون لديهم ثقافة ديمقراطية... وقد قدّمنا ملف تكوين الجمعية إلى وزارة الداخلية للحصول على التأشيرة. وستكون الجمعية مفتوحة أمام كلّ المواطنين والكفاءات... ليس لدينا خلفية سياسية لا يمين ولا يسار، وليس لدينا خلفيّة دينيّة... نحن مسلمون بطبيعتنا في دولة مسلمة... نحن ضدّ العنف والإرهاب وضدّ تجاوز القانون وضدّ كل أشكال الجهوية والعنصريّة، فتونس للجميع يجب أن تتّسع لكلّ المواطنين رجالا ونساء، يتعايشون فيها بحريّة وكرامة وعزّة، ومرحبا بكلّ مواطن ومواطنة من أجل العطاء. أنتم كوّنتم هيئة تأسيسية للجمعيّة فما هي أهداف هذه الجمعيّة؟ من أهدافنا الأساسية السّعي إلى المساهمة في بناء الديمقراطية المحلّية والتنمية الجهوية بتشريك المواطن في الحياة العامّة وإيصال صوته وشواغله إلى دوائر القرار والتربية على المواطنة والحوار وحقّ الإختلاف. وتحفيز الحكومات على مزيد العناية بالتنمية الجهويّة وخاصّة في المناطق الداخلية للبلاد وتراعي خصوصياتها وإمكانياتها الطبيعية والبشريّة، وكذلك القيام بأنشطة تحسيسيّة وتوعويّة مركزيّا وجهويّا ومحلّيا وعقد النّدوات والملتقيات لمزيد تلاقح الأفكار وتبادل الآراء حول قضايا التنمية والآليات الديمقراطية الكفيلة بتعزيز دور المجتمع المدني والمواطن في مراقبة مدى إلتزام الدولة والأحزاب السياسية بتجذير البعد الديمقراطي لتونس الغد. ماهو مفهومك للديمقراطية المحلية؟
نحن نريد أن تنبع الديمقراطية من القاعدة ولا تنزل على الناس من فوق ولا تأتي من قيادات الأحزاب ولاحظت أن الأحزاب قسمت الشعب فالديمقراطية المحلية هي التي تنطلق من تحت لتصل إلى فوق لا العكس. ما هو في رأيك دور العمل الجمعياتي في المساهمة في النهوض بالبلاد؟
نحن جمعيّة وطنيّة ولسنا حزبا سياسيّا... نريد المساعدة والتّوجيه الصحيح دون تأثير من أي جهة كانت، لأنّنا جمعيّة مستقلّة... نساعد بتقديم الأفكار والآراء واقتراح البرامج والدّراسات انطلاقا من شواغل الناس. هل شعرت بأنّ المواطن التونسي لم يعد يهتمّ بالسياسة؟
فعلا خلال الأيام القليلة التي قضيتها في تونس قبل أن أعود إلى عملي في الولاياتالمتحدة عرفت أن المواطن التونسي ابتعد عن السياسة لأنه أدرك أن العديد من السياسيين ينافقونه ويكذبون عليه...السياسي لا يأتي إلى المواطن إلاّ بمناسبة الإنتخابات، يحاول أن يتقرب من المواطن طمعا في الحصول على صوته ثمّ يبتعد عنه ولا يهتمّ بشواغله ومشاكله. واقتنع المواطن التّونسي أنّ النّخبة تتصارع على المناصب والكراسي وأصبح لسان حال هذا المواطن يقول : «أنا أعيش حسب ظروفي وحسب الواقع ولا أنتظر من الأحزاب شيئا»... هذا ما استنتجته بعد اتصالات بكثير من المواطنين... ووجدت أنّ النّاس يعيشون في إحباط ولا يعرفون برامج الأحزاب والسياسيين . هل جمعيّتك التي تنتظر تأشيرتها خيريّة؟ وماهي مصادر تمويلها؟
جمعيّتنا ليست من جمعيات العمل الخيري، هي جمعيّة ذات صبغة عامة. وتمويلها سيكون عن طريق اشتراكات المنخرطين ومن الهبات الداخلية والخارجيّة التي ليس لديها أية صبغة سياسية أي من مواطنين ورجال أعمال بلا قيد أو شرط بشفافيّة كاملة وفق الصّيغ القانونيّة في البلاد. هل تنوي العودة نهائيا إلى تونس أم الاستقرار الدائم في أمريكا؟
حاليا مازالت مهاجرا وسأكون دائم التردّد على بلادي، وأفكّر في العودة النهائية إلى تونس للمساهمة في ترسيخ الحسّ الوطني والمشاركة الفعليّة في تحسين أوضاع المواطن وتنمية مفهوم قيمة المواطنة . ما هو المطلوب من المجتمع المدني حاضرا ومستقبلا؟
إنّ دور المجتمع المدني في الوضع الحالي هو العمل على إنجاح انتخابات حرّة وشفّافة... وعلى الجمعيات أن تكون مستقلّة وغير مسيّسة. باعتبارك كفاءة تونسية في الخارج ماذا يشغل تفكيرك أكثر حاليا؟
كمواطن مهاجر أرجو أن تصل بلادي إلى الديمقراطية الحقيقية حتى لا تبقى كلمة «الديمقراطية» حبرا على ورق. وأمنيتي أن يتعايش المواطنون إخوة أعزّاء متحابّين بلا إقصاء في وطنهم بحرّية وكرامة.