حاورته: إيمان الحامدي قال سمير العبدلّي المترشح المستقل ل«الرئاسية» إنّ حركة «النهضة» استعملت «لعبة المغناطيس» بعدم دعمها أي مرشح للرئاسية وان ذلك جعل كل المترشحين يتقرّبون منها طلبا لودها. وأشار العبدلّي في حوار «التونسية» معه إلى أن السياسة التي اتبعتها «النهضة» ذكيّة جدا ومكنتها من خوض الانتخابات التشريعية بكل أريحية غير مستبعد أن تؤدي هذه السياسية إلى تشتت الأصوات في الانتخابات الرئاسية. العبدلّي الذي أكد تمسكه بخوض غمار الرئاسية إلى آخر رمق أضاف أن التونسيين سئموا الوجوه القديمة وأن الساحة السياسية تحتاج إلى ضخّ دماء جديدة تحقيقا لأهداف الثورة . واعتبر العبدلي أن تونس تبقى أرضية غير صالحة للبناء مهما كانت قوة البرامج التي يتقدم بها المترشحون ما لم يقع القضاء على الإرهاب وأسبابه العميقة وما لم تشهد البلاد مصالحة وطنية شاملة تجعل «كل من في يدّو جمرة يرميها» . تفاصيل الحوار في السطور التالية: بداية أين كان سمير العبدلّي قبل أن يترشح ل«الرئاسية» ؟ نعم لم يكن لي سابقا ظهور إعلامي مكثفا لكني لم أكن بعيدا عن الشأن السياسي أولا لأني أنتمي إلى قطاع هو القلب النابض للحياة السياسية وهو المحاماة ومن يفقه في السياسية يدرك جيدا أن الساحة السياسية تدار من «باب بنات»، ثانيا لأني كنت ناشطا في المجتمع المدني ولي نشاطات جمعياتية في اختصاصات مختلفة، ثالثا أنا مفاوض دولي في الطاقة ومعلوم أن علم الطاقة يحكم السياسة في كل دول العالم والمفاوضات في هذا المجال لصيقة بالشأن العام وعدم ظهوري إعلاميا كان خيارا وأنا في كل الحالات لا أدّعي النضال السياسي وليس لي تاريخ أخجل به . إذا كنت لا ترغب في الظهور الإعلامي لماذا ترشحت إلى سباق يرى البعض أن حظوظ المستقلين فيه ضعيفة ؟ من يعتقد أن حظوظ المستقلين ضعيفة واهم، لأن التونسيين سئموا الوجوه القديمة وكما يقول المثل الشعبي «اللّي جرّب المجرّب مخّو مخرّب» وهنا لسائل أن يسأل لماذا قامت الثورة أصلا إذا كنّا سنعيد نفس الوجوه إلى السلطة؟ وشخصيا أعتبر أنّ ترشحي جدي وسأدافع عن حظوظي حتى النهاية وقد ضمنت أثناء حملة جمع التزكيات الحدّ الأدنى من الأصوات التي ستتضاعف المرات والمرات في عملية التصويت ، وقد شعرت أثناء هذه الحملة بجدية من يساندونني سواء داخل الجمهورية أو في الخارج . لكن هناك فرق كبير بين جمع التزكيات (التي تدور حول طريقة جمعها الكثير من الشبهات بسبب المال السياسي ) والتصويت ؟ جمعنا 20 ألف تزكية في كنف الشفافية ولم تسقط الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أيا منها ولم نلجأ إلى المال كما تقولين لأننا كما أسلفت الذكر متواجدون ولنا جذور في كل الولايات عبر نشاطنا السابق في المجتمع المدني ، والعمل الميداني هو الأساس لأن من واجب السياسي أن يكون قريبا من كل شرائح المجتمع ، وأعتقد أني تمكنت طيلة الفترة الماضية من بناء أرضية جيدة تسمح لي بأن أحظى بثقة عدد هام من الناخبين . إذا لماذا لم تؤسس حزبا سياسيا ؟ تلقيت العديد من العروض إمّا للانضمام إلى أحزاب أو لأكون من بين مؤسسيها ورفضت ذلك لأني أعتقد أن العمل الاجتماعي قادر على إبلاغ صورة المرء الحقيقية للناس وهذا ما يجعل قناعتي كبيرة بأني سأكون في الدور الثاني . تتقدّم إلى الرئاسية ب«لوك» مغاير لبقية المترشحين وتقدّم نفسك على أنك مرشّح الشباب، لكن الإنتخابات التشريعية أثبتت أن أكبر نسبة عزوف عن التصويت كانت في صفوف الشباب فهل أخذت هذا المعطى بعين الإعتبار ؟ أنا مترشح شاب ولست مرشّح الشباب وأعوّل على تصويت كافّة شرائح الشعب التونسي بجميع شرائحه... لا استهدف طبقة معيّنة رغم أن الشباب يبقى دائما القلب النابض لأيّة أمة. وعلى ذكر مشاركة الشباب في الانتخابات التشريعية أريد أن أتوجّه إليه بلوم ورجاء في الآن ذاته . لوم لأنه من المفروض أن يكون الشباب الذي قام بالثورة في مقدمة المصوّتين وأن يختار بنفسه من يمثّله في المجلس النيابي رغم تفهّمي لأسباب عزوفه عن الشأن السياسي نتيجة تبخّر أحلامه في السنوات الثلاث الماضية ورجائي أن يقبل على صناديق الاقتراع بكثافة في الانتخابات الرئاسية وألاّ يفسح المجال لأي كان ليحدّد مصيره ومصير البلاد وأن ينتخب رئيسا شابا يأخذ على عاتقه رسالة الشباب على أكمل وجه ... وما جدوى أن يكون المترشح شابا ولا يمتلك «ماكينة حزبية» قادرة على إيصاله إلى قصر قرطاج ؟ «الماكينة الحزبية» لا تصنع دائما النجاح وأكبر دليل على ذلك نتائج الإنتخابات التشريعية. فهناك أحزاب عريقة ومناضلة لم تحصل على أي كرسي. في المقابل حصلت أحزاب أخرى على نتائج مشرفة مقارنة بعمرها ، وفي اعتقادي لا توجد على الساحة السياسية التونسية إلا «ماكينتان» ماكينة «النهضة» وماكينة «النداء» و«نصف ماكينة» تمثلها «الجبهة الشعبية» بكافة مكوناتها مع احترامي لكلّ الأحزاب. وعليه فإن التعويل على الأحزاب ليس ضمانة كافية للوصول إلى قصر قرطاج، وقد يوصل الشعب من يراه الأجدر والأصلح لقيادته في المرحلة القادمة بالنظر طبعا إلى متطلبات المرحلة . ما هو موقفك من قرار شورى «النهضة» عدم دعم أي مترشّح ، ولصالح من هذا القرار حسب تقديرك ؟ حركة «النهضة» استعملت سياسة ذكية جدا (سميتها سياسة المغناطيس ) بإطلاقها مبادرة، وهذا ما جعل جل الاحزاب السياسية تتقرب منها طمعا في أن يحظى مرشحوها بدعم الحركة وقد مكنتها هذه السياسة من العمل بكل أريحية في الانتخابات التشريعية وخففت عنها الضغط كما ساهمت في محو أخطاء فترة حكم «الترويكا» ، وتواصل هذا «التكتيك» الذكي مع قرار مجلس الشورى وشخصيا أرى أن رفض الحركة دعم أي مترشح يدخل في إطار تشتيت الأصوات لمنع الباجي قائد السبسي من المرور من الدور الأول . هل أنت مع فكرة الرئيس التوافقي ؟ لست مع هذه المبادرة مهما كانت إيجابياتها لأنها مصادرة لحق الشعب في اختيار مرشّحه وهو ما يتنافى مع أدنى مقوّمات الديمقراطية التي نريد أن نؤسس لها. قلت في العديد من المنابر الإعلامية أن برنامجك الانتخابي يختلف عن برامج بقية المترشحين فما هي أوجه الإختلاف ؟ برنامجي الانتخابي مبني على روح وله جذور مستمدة من الواقع التونسي ومن العبر التي استخلصناها من تجربة الحكم السابقة ومن الفترة الانتقالية ويقوم أساسا على القطع مع كل الاساليب القديمة التي أدت إلى الثورة منها البطالة وتهميش المناطق الداخلية وسوء توظيف العلاقات الخارجية. لي أيضا برنامج لمقاومة الإرهاب لا يقوم فقط على المقاربة الأمنية بل على معالجة الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى داخل المناطق التي تطيح بأبنائنا في أحضان الإرهاب ، وشخصيا أعتبر أن تونس في وضعها اليوم تمثّل أرضية غير قابلة للبناء مهما كانت قوة البرامج ما لم يتم القضاء على الإرهاب وأسبابه وما لم نتمكن من القيام بمصالحة وطنية شاملة «واللّي عندو جمرة يرميها» مع حفظ حقوق الضحايا وتعويضهم ولي ثقة كبيرة في «هيئة الحقيقة والكرامة» التي أتمنى أن تتمكن من تطبيق قانون العدالة الانتقالية بكل مهارة دون خلق عداوات أوانتقام أو ابتزاز مراعاة للمصلحة العليا للوطن . إذا لم يتمكن سمير العبدلّي من المرور إلى الدور الثاني من سيدعم ؟ لكل حادث حديث وهذا السؤال أعيدي طرحه بعد النتائج ... لو لم تكن من بين المترشحين من كنت ستدعم ؟ لا أحد ولهذا السبب ترشحت ... لو عرضت عليك حقيبة وزارية هل تقبل ؟ لن أقبل إلا رئاسة الجمهورية اليوم ... هل ستواصل نشاطك السياسي في صورة عدم الفوز؟ نعم سأواصل العمل السياسي ولن أقطع أيضا مع العمل الجمعياتي . هل ستنضمّ إلى حزب أم ستكوّن حزبك الخاص ؟ هذا الحديث سابق لأوانه وكل الفرضيات مطروحة وسأحدّد وجهتي السياسية بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية . هل تعوّل على دعم زملائك من المحامين ولماذا لم تزر على غرار بقية المترشّحين الهيئة الوطنية للمحامين ؟ يشرّفني إني ابن هذا القطاع العريق وترشّحي إلى منصب رئاسة الجمهورية مع عدد آخر من الزملاء هو نيشان على صدر المحاماة التونسية التي تخرّج منها العديد من الزعماء ومعظم أصحاب القرار والقيادات الحزبية والتي قدمت أيضا الشهداء وعلى رأسهم الشهيد شكري بلعيد ، لكن هيئة المحامين وقطاع المحاماة لم ولن تكون ورقة انتخابية لأيّ مرشح فالمحامون من أكثر الناس المتسيّسين في تونس و«يعرفوا آش يعملو»... ما مدى صحة ما يروج حول سمير العبدلي وعلاقته بالشركات الدولية ومافيا النفط؟ صحيح أني اشتغلت في المفاوضات الدولية مع أعتى وأقوى شركات النفط في العالم وأنا مصنّف دوليا ضمن قائمة المفاوضين الدوليين في قطاع الطاقة وكل ما وقع ترويجه حول علاقتي بلوبيات النفط كان بسبب أنني دعمت ودافعت عن الفصل 13 من الدستور الذي يحمي ممتلكات الشعب وثرواته من النّهب ويقطع الطريق أمام السّماسرة بحق الأجيال القادمة. والفصل 13 بالصيغة التي تم تمريرها في الدستور والتي كانت محلّ نقاشات مستفيضة صلب لجنة الطاقة يحمي ثروات البلاد ويتركها في يد الشعب ولا وزير ولا رئيس ولا أي كان يستطيع المفاوضة باسم الشعب وقد دفعت ضريبة الدفاع عن هذا الفصل وسبّب لي هذا الموقف كراهية وعداوة لوبيات النفط. وما علاقتك بالمجلس التأسيسي وبمناقشة الدستور حتى يكون رأيك مؤثرا إلى هذه الدرجة ؟ بحكم عملي لي معرفة جيدة بأسرار المفاوضات النفطية وقد تمت استشارتي من مناسبات عديدة حول الفصل 13 وأبديت رأيي فيه ودافعت ضد نهب ثروات البلاد التي يجب أن تعود إلى الشعب وتوجه إلى التنمية وهذا ما اعتبرته بعض الأطراف انقلابا عليها. و لي في هذا المجال خطة للأمن الطاقي لأنّ الأمن الطاقي هو أمن البلاد وأتمنّى أن تكون القوانين التطبيقية التي ستنبثق عن الفصل 13 من الدستور متماهية معه وتحمي المكتسبات الطبيعية للبلاد وحق الأجيال القادمة في الثروات الطاقية والفسفاط والطاقات المتجددة لأنها قادرة على إنهاء مشكلة البطالة في تونس. هل تتوقع مفاجآت في الانتخابات الرئاسية ؟ وجودي في حدّ ذاته مفاجأة (يقولها ضاحكا) لكن كل ما أتمنّاه هو أن تمرّ الانتخابات بأمن وسلام ونظافة ... أترك لك كلمة الختام... أريد أن أتوجه بنداء إلى الشباب التونسي وأدعوه للتوجه بكثافة إلى صندوق الاقتراع يوم 23 نوفمبر وأن يأخذ المشعل ويكتب مصيره بيديه ، أنا أقدّر الشباب العازف عن العمل السياسي لأسباب نفسية وأقدّر أيضا خيبة أمله وإحباطه لكن أسباب الفشل والإحباط انتفت اليوم والطريق مفتوحة للنجاح رغم كل الصعاب «ولو تعلّقت همّة المرء بما وراء العرش لناله» ، و«من نام لم تنتظره الحياة» ،نحن نعيش اليوم في عالم يتحرك بأقصى درجات السرعة ومن غير المقبول أن يبقى الشباب التونسي في المؤخرة مهما كانت الأسباب لأنه قادر على النجاح والإبداع في كل المجالات .