من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    دراسة.. مواد غذائية بسيطة تقلل خطر السرطان بنسبة تقارب 60%    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    سفنه تنطلق من تونس يوم 4 سبتمبر .. 6 آلاف مشارك في أسطول الصمود إلى غزّة    عاجل/ واشنطن تعتزم فرض شرط جديد للحصول على تأشيرة عمل أو سياحة..    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    أخبار الحكومة    بعد إلغاء الحكومة لجلسات تفاوض حول النقل .. اتحاد الشغل يهدّد    مع الشروق : كيان مختل ومنبوذ    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    النادي الصفاقسي يعلن رسميا تعاقده مع علي معلول الى غاية 2028    الدكاترة المعطلون عن العمل: ضرورة توفير خطط انتداب ب5 آلاف خطة    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    القصرين: العثور على جثة كهل تحمل آثار عنف    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    مهرجان العروسة: جمهور غاضب وهشام سلام يوضح    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    عاجل - يهم التونسيين : ارتفاع في تكلفة العمرة خلال موسم 2025-2026    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: ''تيك توك'' تحذف أكثر من 16.5 مليون فيديو ودول عربية في الصدارة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوانسة حايرين والتجار زادا مترددين على الصولد السنة!    488 تدخل للحماية المدنية في 24 ساعة.. والحرائق ما وقفتش!    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    في بالك ...الكمون دواء لبرشا أمرض ؟    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    نواب ديمقراطيون يحثون ترامب على الاعتراف بدولة فلسطين..#خبر_عاجل    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    القبض على "ليلى الشبح" في مصر: سيدة الذهب والدولارات في قلب العاصفة    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    محمد عادل الهنتاتي: مصب برج شاكير كارثة بيئية... والحل في تثمين النفايات وتطوير المعالجة الثلاثية    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عبد الجليل التميمي ل«التونسيّة»:لو لا الثّورة لما ظهر «السّبسي» مجدّدا
نشر في التونسية يوم 14 - 12 - 2014


المعرفة هي الرّجل المريض في العالم العربي
أتمنّى أن تبقى في تونس 3 أو 4 أحزاب فقط
مشكلة مجتمعنا أنه مجتمع حقوق قبل الواجبات
حاوره: عبد السلام لصيلع
الدكتور عبد الجليل التّميمي رئيس موسّسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات مؤرّخ وباحث وأكاديمي مشهود له بالكفاءة والحياديّة والجرأة في الآراء والأفكار والمواقف تحدّث ل«التونسية» كعادته بوضوح وصراحة، وأثار عدّة مواضيع.. خاض في السياسة والثقافة والفكر.. وتحدّث عن الماضي والحاضرو المستقبل.. وفي رأيه أنّ بناء تونس الجديدة يكون بالمصالحة الحقيقية والأخلاق.
وهو يعتبر أنّ النخبة التونسية أخلّْت بواجباتها لأنّها مهمّشة.. وأكّد أنّ حريّة التّعبير أثمن هديّة كسبها التونسيون من الثورة.. وجدّد تعلّقه بالمعرفة والبحث العلمي.. وهو ما جعله يرفض أن يكون وزيرا للثقافة بعد 14 جانفي.. ومازال على رفضه لأنه يرى نفسه ومؤسّسّته أكبر من الوزارة..
في ما يلي تأتي تفاصيل الحوار مع الرّجل:
بتحليل مؤرّخ محايد، كيف ترىِ المسار الذي وجدت تونس نفسها فيه الان؟
أقول لك، تونس مسكينة.. تونس الآن تعاني من التشنّج والتّذبذب السياسي لرجالات لم يموقعوا تراث البلد موقعه الصّحيح.. وبقيت تونس ضحيّة التشنّجات والأحزاب التعيسة، وهي التي في بعض الأحيان لم تفهم ولم تتبنّ حقيقة تونس الحضاريّة.. وتونس الإشعاعيّة مع سوء الحظّ، فنحن رعاة المسرح السياسي في تناقض كامل مع الواقع الحقيقي لتونس.
ولمّا تسمع وترى تصريحات من هنا وهناك، هذه من شأنها أن «تجفّل» الناس عن الطريق السّليم والصحيح لبناء تونس الجمهورية الثانية. وقد انحدرت تماما سمعة تونس قبل هذه الانتخابات وأصبحت سيّئة جدّا. آمل أن يفيق الرّأي العام ويبني تونس الجديدة على ضوء المصالحة الحقيقيّة وعلي ضوء الأخلاق التي انفقدت تماما في بلادنا.. وأيضا على ضوء أنّ عندنا نخبة ممتازة ولكنّها لم تساهم في بناء تونس الجديدة.
وكيف، حسب رأيك تُبْنَى تونس الجديدة؟
كلّ من موقعه.. كلّ شخص سواء كان أستاذا أو رجل سياسة أو رجل أعمال أو أيّ مواطن صالح أن يقدّم أفضل ما لديه لهذا البلد وأن ينصح ما حوله حتى يكون الأجدى والأنفع للبلاد. فبالتالي الأستاذ لابدّ أن يقدّم أفضل ما لديه من معلومات لبناء جيل جديد. والبنكي يُصْلِحُ ولا يبتزّ.. لا يبتزّ الأموال من عموم الشعب. ورجل السياسة يكون نبراسا لتونس ولماضيها المجيد في هذا الوقت. إذن، كلّ واحد من موقعه يستطيع أن يساهم بتواضع.
البناء، دكتور، يتطلّب العمل ومزيدا من العمل.. فلماذا انهارت قيمة العمل في مجتمعنا التونسي حسب رأيك؟
هذا، «الترويكا» كانت أحد الأسباب الحقيقيّة فيه. فالتّناقض الذي ظهر بين الأحزاب وبين «النّهضة» وبين «التكتّل» وبين «المؤتمر» أدّى إلى نوع من اليأس من وجود مناخ جديد للعمل.. وإدخال «النهضة» عشرات الآلاف من العمّال غير مهيّئين إلى الإدارة ضرب الإدارة وقيمة العمل. ونحن الآن أمام مشكلة ستعاني منها الحكومة القادمة. إذن، مضمون العمل انفقد تماما، وهناك الكثيرون يريدون أن يقبضوا أجرتهم مسبّقا قبل أن يقوموا بعملهم. وهذه كلّها أضرّت بالمضامين السليمة للعمل، وأنا هُنا أؤكّد على أمر في غاية الأهميّة، وهو أن مجتمعنا العربي، وتونس بالذات، هو مجتمع الحقوق قبل الواجبات.. ويجب أن يصبح مجتمع الواجبات قبل الحقوق.. وما لم تتغيّر هذه القاعدة لا سبيل إلى تغيير هذا المجتمع.
على ضوء ما عشناه في السنوات الثلاث الماضية، ما هو تقييمك لما جرى في تونس خلال هذه المدّة الزّمنيّة؟
ما جرى في الثلاث سنوات الماضية سلبيّ على الإطلاق. حقيقة لمّا ترى عمل الأحزاب الثلاثة التي كانت مهيمنة لم تساعد على إيجاد نوع من دسترة الوئام.. ليس هناك وئام من سوء الحظّ.. وقبل أسبوع دعوت السيد الياس الفخفاخ وزير المالية السابق وجاءنا إلى مؤسّستنا، مؤسّسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، وقلت له: «تكلّم عن المطبّات التي ظهرت في فترة هذا الحكم».. حكى لنا، وممّا قاله: «نحن لم نكن نتحرّك ولم نكن نتخذ قرارا إلاّ إذا جاءت الموافقة من «النهضة». أين نحن يا أخي؟ أين نحن شيء كبير جدّا. وبعد ذلك يتّخذ المرزوقي موقفا ضدّ «التكتّل».. و«التكتّل» يتّخذ موقفا لا ينسجم مع «النهضة». فهذا التشذرم هو الذي أدّى إلى فقدان الثقة في النفس وإلى فقدان قيمة العمل عند التونسيين، وأكبر خطر سيُدَاهم هذا الشعب هو أنه سوف لن يكتسب بسهولة قيمة العمل. هذا يحتاج إلى تضحيات.
أنت الباحث والأكاديمي المهتمّ بتاريخ الأفكار والمستشرف للمستقبل.. من وجهة نظرك ماذا ينتظر تونس؟
في هذا الظرف العام ماذا أقول لك؟ أنا دوما أنادي بأنّ مستقبل تونس في سلك واحد هو مغربة الفكر والسلوك والإعلام والاقتصاد والمعرفة. دون ذلك تونس لن تستطيع أن تخرج سالمة. ونحن ننادي من هذا الموقع الجزائر والمغرب وذلك أن يستفيق القادة السياسيون ويعملوا على مغربة هذا الفضاء، ففي المغربة كسب للأيدي المشلولة بإيجاد سوق مشتركة وعُملة مشتركة وعلم واحد ووجود متاحف متنقّلة وإيجاد ساعات معيّنة في الإذاعة والتلفزة توجّه الرأي العام إلى هذه المغربة. ويمكن أن نكسب ٪2 تنمية. نحن الآن لدينا ٪3.. لو وُجد هذا المغرب العربي الكبير لربحنا على الأقل ٪2 تقدّما.
في هذا الإطار وغيره هل كانت النخبة التونسية في مستوى المسؤولية التي ينتظرها منها شعبها؟
لا.. النّخبة التونسية أخلّت بواجباتها على الإطلاق.. هي نخبة من سوء الحظّ مهمّشة.. وبن علي همّشها وانساق وراءها عديد من الجامعيّين وخدموا بن علي بغباء.. والأسماء معروفة جدّا ولم يجرؤوا على أن يخدموا الشعب، ومن هؤلاء وزراء عديدون، أكثر من 12 شخصا خدموا بن علي بطريقة غبيّة وهي وصمة عار في جبينهم وفي حياتهم، وضيّعوا كلّ شيء.
في هذه المرحلة إلى أيّ شيء تحتاج تونس؟
النّظافة.. تونس تحتاج إلى النّظافة والصّدق وإلى الوفاء.. وإلى أن يعرف الجميع خصال هذا الشعب. معنى ذلك أنّ هذا البلد أعطى أفضل ما لديه على صعيد الفكر والتواصل مع المشرق والعالم العربي أن نرجع إلى الصّيغة الأولى ونثّمن ونعزّز هذا التيّار.. أن يبرز ابن خلدون من هذا الشعب والذي أثّر على المسار الفكري عالميّا أمر ليس سهلا. وأن تكون القيروان بهذا الزّخم، سحنون ودور الأدباء والمفكّرين والعقلانيين، هذا شيء رهيب كلّه مغيّب الآن.. وأنا أتأسّف أنّ بورقيبة وبن علي غَمَطَا حقّ القيروان في أن تلعب دور التجذير الحضاري والبعد الحقيقي للقيروان.
في تونس أحزاب كثيرة تتصارع، وسياسيّون يتصارعون على الحكم ولا يتنافسون على برامج مقنعة وبديلة، وأوضاع اقتصادية واجتماعية وثقافية سيّئة،.. هل هذه هي الديمقراطية؟
أبدا لا.. أبدا لا.. أنا أنصح كلّ من طلب حزبا أن يتخلّى عن حزبه وأن يكون جنديّا مثاليّا لخدمة تونس من موقعه كصاحب شركة وصاحب مؤسّسة وكأيّ شخص. لكن هذه الهرولة البائسة لبعث الأحزاب والتمتّع بها ثم يفشلون جميعهم في هذه الأحزاب ضياع للطاقة والأموال والجهد دون أن يُعْطَى أيّ شيء، وأنا أتمنّى أن تكون في تونس ثلاثة أو أربعة أحزاب لا أكثر ولا أقل.
ماذا تقول لمن سيفرزه صندوق الاقتراع يوم 21 ديسمبر الحالي رئيسا جديدا لتونس؟
أقول له: أوّلا، يا سيّدي احترم عنصر الشباب الذي أهداكم هذه الثورة.. لو لا هذه الثورة لما ظهر من جديد الباجي قائد السّبسي.. لو لا هذه الثورة لما أهدى شباب الثورة «بيت الحكمة» إلى هشام جعيّط.. الثورة مضمونها سليم لكن هناك أناس ضدّ هذه الثورة من سوء الحظّ. أنا أنادي قبل كلّ شيء بأن يحترموا هؤلاء الشباب وأن يحترموا أيضا العنصر النّسائي. وقد لعب العنصر النسائي دورا مشرّفا في الحوض المنجمي الذي كان وراء هذه الخلخلة والزّلزال الذي حصل لبن علي. فأرجو أن يكون جزءا كبيرا من الوزراء والمسؤولين الكبار من الشباب ومن النساء أيضا.. وأن يكون بالإضافة إلى ذلك وفيّا ونظيفا ومخلصا وأن يتوافق مع شعارات الثورة الرّائدة، هذه الثورة العبقريّة.
دكتور، .. هل هناك مخاوف معيّنة على تونس وما هي بالنسبة إليك؟
من هذه المخاوف التطرّف الدّيني.. نحن نخشى الآن من التطرّف الدّيني الأعمى.. والله يحمي بلادنا من المتطرّفين الأغبياء.. هناك متطرّف غبيّ جدّا لا يفهم شيئا...
وهذا الخطر على حدودنا.. لو كان هناك قبل عشر سنوات نوع من التّوافق والوئام المغاربي لتمكنّا من الخروج من هذه المآزق التي نعيشها الآن.
هل من الممكن أن تعود الدكتاتورية إلى تونس؟
لا.. أبدا.. انتهى.. نُضج المجتمع المدني ونضج التونسيين جميعا الآن أصبح قلعة ضدّ أيّ مساس بحريّة التعبير، وهذه أثمن هديّة كسبناها من الثورة، ونفتخر بها وتبقى على الأقل علامة نبراس مضيء في حياتنا السياسية والاجتماعية والفكريّة.
عُرِضَتْ عليك بعد 14 جانفي 2011 وزارة الثقافة.. لكنّك رفضتها.. لماذا؟
لأسباب كثيرة. أوّلا، كانت «النهضة» مهيمنة على كلّ مقدرات البلد ولا يمكن أن يتمّ شيء إلاّ باستشارتها، وأنا رجل حرّ.. مبدع.. لا أقبل أن يقال لي غدا: «لا تحرّم أو تحلّل كذا».. لا أقبل.. فأنا وجدت قيودا عديدة للتصرّف في هذه الوزارة التي تحتاج في اعتقادي إلى زلازل حتى تستطيع أن تستجيب للبُعد الثقافي لبلادنا، وبالتالي هذا من جهة.. ومن جهة أخرى أنا عندي مشروع كبير. وهو المشروع الوحيد الذي نجح على صعيد العالم العربي، وقدّمنا لتونس أكثر من 214 كتابا لم تنجزه جميع الجامعات التونسية بما فيها «بيت الحكمة» أيضا.
ولدينا أيضا ثلاث دوريات أكاديمية على مستوى دولي.. تنشر سنويا أكثر من مائة دراسة أكاديمية جديدة بالعربية والفرنسية والإسبانية والأنقليزيّة.. من هي الجامعة التي قامت بهذا الدّور؟ حتى «بيت الحكمة» التي أنا عضو فيها ليست لها دورية.. هذا غير مقبول إطلاقا.. وناديت بذلك ولكن هناك قيود وتسرّع غير ذكيّ في هذه المؤسّسة الكبيرة التي كان يجب أن تكون عنوانا لفخرنا ومجدنا وتراثنا الفكري. وأنا في هذه المؤسّسة، مؤسّسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، أنجزنا أشياء مشرّفة لتونس وللمعرفة العربية. وبلغت كتبي الشخصية 34 كتابا. إذا كان التونسيون لا يقرؤون لي ماذا أفعل لهم؟ إنّ من قرّائي غير عرب.. قرّائي أوروبيّون وأمريكان.. وبالتالي نحن آمنّا بهذا البلد وبأنّ المعرفة هي الرّجل المريض في العالم العربي.. لكنّني أعطيت من خلال أنشطة هذه المؤسّسة بعدا ديناميكيّا وحركيّة فاعلة على مستوى، ليس فقط المغرب العربي، بل على مستوى العالم العربي كلّه.
دكتور، لو تُعْرَضُ عليك الوزارة مرّة أخرى في الحكومة القادمة، في الثقافة أو التربية أو التعليم العالي.. هل تقبلها؟
أبدا.. لن أقبل ذلك لأنّني أريد المحافظة على إنجازات المؤسّسة وإثرائها وأخشى أن أتصادم مع من في الوزارة في ظلّ وجود عقلية وصولية، هنا في هذه المؤسّسة أنا حرّ، لا أستند إلى أيّة شخصية في أخذ رأي.. أنا مسؤول عن هذه المسؤولية، والذي أنجزناه كان بحبّ وعشق لهذه البلاد. وفي الوزارة لا أستطيع أن أكون حرّا كما أنا حرّ هنا.. أنا لا أستشير وزيرا ولا مسؤولا لأنّي أعرف مصلحة بلادي قبل أيّ وزير وأيّ مسؤول.. بعض الوزراء وصمة عار في تونس.. أنا لا أطلب من أيّ شخص وقد درّستُ في الجامعة لمدة 30 سنة المئات والآلاف.. وسبعين طالبا تحصّلوا على الدكتورا تحت إشرافي، ماذا أطلب؟.. لا أطلب شيئا.. هل كنت أطلب رأي في عبد العزيز بن ضياء لمّا كان وزيرا؟ بالعكس.. حاربني لأنّني تجاوزته بغباوته وبعدم نضجه في فهم المتغيّرات المعرفيّة على الصعيد الدّولي. هذه المؤسّسة تواكب آخر المستجدّات.. أنا أستلم سنويّا أكثر من 400 كتاب جديد ولدينا مكتبة فيها 21 ألف كتاب. من هو الجامعي الذي عنده ربع عدد هذه الكتب؟ ولهذا هل أحتاج أنا إلى وزير أو مسؤول؟ أبدا.. نحن عرفنا طريقنا وحبّنا لتونس لا حدود له وعشقنا للبلاد لا حدود له على الإطلاق.. لذلك وبكلّ تواضع أقول: أنا ومؤسّستي أكبر من الوزارة.
أنت صاحب مؤسّسة علميّة ومعرفية خاصة ناجحة.. كيف وصلت إلى إنجاحها واستمرارها حتى أصبحت مشهورة ومعروفة تونسيّا وعربيّا ودوليّا؟
وصلت إلى إنجاحها بالإيمان المطلق بالمعرفة والبحث العلمي. أنا زرت كوريا الجنوبيّة واليابان وأمريكا وماليزيا وأدركت أنّ المعرفة هي الأساس في تقدّم الشعوب. ونحن لدينا مسؤولون أغبياء وجهلة لا يعرفون قيمة المعرفة والبحث العلمي.. وقد سخّرت كلّ وقتي وكلّ جهدي في إنضاج المعرفة في هذه المؤسّسة. ونجحت لأنّني مؤمن وأنا أشتغل أكثر من 12 ساعة في اليوم، لإيماني بذلك.
وقد نظّمت في السنة الحالية (2014) مؤتمرين دوليّين على حسابي الخاص لم أستلم ملّيما من أيّ أحد.. لا من تونس ولا من العرب ولا من الوزارات لإيماني بالعمل المعرفي الذي أقوم به. وأنظّم مع مؤسّسة «أديناور» من أربعة إلى خمسة مؤتمرات، هم الذين يتكفّلون. والمؤتمر الوحيد الذي نظّمته مع سفارة عربيّة في تونس هي سفارة المغرب الأقصى وكان عملا ممتازا جدّا وهو يوم دراسي حول واقع ومستقبل العلاقات المغربيّة التونسية.. وما دام ذلك قد فُُرِضَ علينا فنحن نواصل في هذا الطّريق بإيمان، لا نريد شيئا.. نحن بنينا نوعا من الرؤية الاستراتيجية للمعرفة، إلى درجة أنّ رئيس الجمهورية التركية السابق عبد الله غول دعاني وكرّمني في أنقرة.. فماذا فعل العرب تجاه هذه المؤسّسة؟ لا شيء.
إن شاء الله بعد عمر طويل في الخير، هل فكّرت في استمرارية مؤسّستك بعدك؟
نعم.. نعم.. فكرّت وأنا أستطيع أن أقول الآن عبر «التونسية» أحمد الله أنّ بناتي مؤرّخات. سنية التميمي أستاذة مساعدة حاليا في جامعة تونس وهي متخصّصة في تاريخ مصر الناصرية، وهي تدرك قيمة هذه المؤسّسة.. تقول لي: «يا أبي سنحافظ على هذه المؤسّسة ونحافظ على سيروريّتها».. وابنتي الثانية نادية التميمي في باريس متخصّصة في العالم التّركي، وتعلّمت اللغة التّركيّة. بالإضافة إلى بناتي، لي طلاّبي هم مسؤولون كبار في الدّولة ورؤساء لبعض الأقسام أعوّل عليهم في أن تتظافر جهودهم في خدمة تونس معرفيّا وثقافيّا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.