بقلم: المحامي شرف الدين القليل غريب أمر هؤلاء الذين يضيّعون بوصلة الثورة بكل سهولة و أحيانا بكل غباء... كم هي خارقة دموع عدنان منصر ...التي أسالت من الحبر و من التدوينات و من التغريدات و من الصبيانيات ما لم تقو عليه أحكام القضاء العسكري التي أجهزت عما بقي لنا من حلم في محاسبة قتلة الشهداء؛ و ما لم تقو عليه بعض تلفزاتنا و بعض صحفنا الناعمة( التي تصر إلحاحا علي عشق اللون الأصفر حد النخاع!!!) في فضح بارونات الفساد الحقيقيين الذين استباحوا مقدرات شعب بأكمله و مازالوا بنهمهم و شجعهم متمسكون... وعلي ظهورنا صاعدون صاعدون؛ وفي التشهير بسياسات حكومة المهدي جمعة اللاشعبية المتذيلة و المنبطحة حد الاستعباد إلي خيارات البنك الدولي و إملاءات اللوبيات الصديقة ، وفي صمت بعض نخبنا و لهثهم وراء تبرير توحش هذه السياسات، و تنميق قبح آثارها علي البلاد و العباد؛ ما لم تقدر عليها صفحاتنا مجتمعة في الوقوف في وجه هذه العودة القوية و الذكية لدولة البوليس و «الكناترية»... مصنعة الإرهاب و حاضنته(سوف أعود للموضوع بأكثر عمق في كتاباتي القادمة...)؛ و ما لم تقو عليه فعاليات و منظمات و سائر مكونات المجتمع المدني( و أنا أحد جنودها...و أعتز بذلك)، التي نجح السيد الباجي قايد السبسي في ترويض البعض منها و من رموزها و قيادتها، فيما نجح ما يسمي بالحوار الوطني في تقليم أظافر أعرقها و تحييدها قسرا عن هموم قواعدها و مطالبها و معاركها الحقيقية، تماما مثلما نجحت حركة النهضة في تفريخ مجتمعها المدني الخاص( الموازي أيضا!!) الأشبه بجيش الاحتياط أو بالخزان الانتخابي منه إلي الحركة المدنية .... كل هذه المجتمعات المدنية التونسية لم تقو، في خضم هذه الحمّي الانتخابية الفتاكة، علي الوقوف عما يتربص بها من مخاطر و منزلقات قد تقصف رصيدها النضالي العريق و تنسف ما راكمته من نضالات و ربما تدفعها دفعا إلي العودة إلي الوراء عافانا و عافاكم الله..... ربما دموع الباجي تليق بالبعض أكثر.. ربما زلات لسان الباجي و البعض من حاشيته يسهل هضمها أكثر... ربما جرائم الباجي و خطاياه تغتفر أكثر (بدءًا من ملف سبّاط الظلام إلى ملف القصبة 2)... ربما ماكينات الباجي و جوقاته أنظف أكثر... أو ربما أمواله و أملاكه و أموال شركته ( عفوا حزبه) هي أنظف...أو لعل سلطانه سيكون أرحم (و كأننا أصبحنا ننسي أو نتناسي من حصّنهم السيد الباجي قايد السبسي من التتبع و العقاب في قضايا الشهداء و خاصة في قضايا الفساد و نهب المال العام، و من أغدق عليهم بامتيازات الصفقات العمومية بعد الثورة، و من زج بهم في السجن بعد الثورة لأنهم تمسكوا بمواصلة مسار الثورة و احتجوا مطالبين بحقهم في بترول البلاد! و فسفاط البلاد!! و أسماك البلاد!!! و أراضي البلاد و خيراتها...) و من نعتهم بالقردة و المجرمين و بالعصابات... لعلكم نسيتم موقف الباجي من المناضلة راضية النصراوي عندما تمسكت بوجوب محاسبة الجلادين و القتلة فلم يتردد كعادته في شتمها و طردها...طبعا : «ما هي إلا مرا … » ولعلكم تناسيتم كم الاهانات والتجاوزات التي ما إنفكت تصدر عن سي الباجي في حق الإعلاميين و لعلكم تتهربون من موقف البجبوج من العدالة الانتقالية؛ موقفه الذي لا يؤمن أصلا بهكذا مؤسسة حيث لن يتردد في إرباكها و تعطيلها و تعطيل عمل هيئة الحقيقة و الكرامة تمهيدا للإجهاز عليها و إلغائها تماما، ليس لأنه يخشي من أن تكون عدالة انتقامية مثلما يسوق البعض من حاشيته وأنصاره الذين التبست عليهم الأحداث الذين طبعهم النفاق حتي كادوا يتناسون حقيقة مرشحهم (اسألوا أحد محامي محمد علي القنزوعي- النائب عن حزب النداء عبادة الكافي مثلا- عما صرح به الباجي حرفيا عن منوبهم » شدوا القنزوعي أعصروه توا تعرفوا شكونهم المسؤولين عن التعذيب في عهد بن علي)حتي تدركون من هو المسكون حقيقة بهاجس الانتقام و تصفية الخصوم... و لو كلف الأمر تسخير ما لذ و طاب من البوليس والقضاة لأجل تلك المهمة. ثم هل نسيتم أو تناسيتم من ضيّع علينا فرصة المساءلة القانونية و القضائية السليمة للمحامين و القضاة و الأمنيين الفاسدين: يسن قانونا انتهازيا للأول جلب لهم سخط الشارع و حنق شركائهم من عدول إشهاد و تنفيذ و خبراء عدليين أكثر مما جلبه لهم من كرامة و حصانة مزعومتين، و يفسح المجال للآخرين لتأسيس نقاباتهم حتى تكون حصنهم ضد الملاحقة... لا غير صحيح.....بل حتي يمعن الباجي في شق صفوفهم و تشتيت مطالبهم و ضرب وحدة جسمهم.... و نتيجة ذلك أصبح لدينا اليوم مثلا عشرات الدّكاكين النقابية الأمنية التي يحترف بعض قادتها كل شئ إلا الدفاع عن مصالح و حقوق زملائهم المهنية و الاجتماعية و الحرص علي الإصلاح الحقيقي لمؤسستهم... و بحماية أو بغض الطرف عن بعض ممارساتهم. وحده الأبله من يتناسي ذلك و تنجح آلة النداء الإعلامية الخارقة في تحويل وجهة ذكائه و حشره في معركة كل مفرداتها غريبة عنه... وحده المنتحر من يفوض أمر مستقبله و مستقبل وطنه لشخص يبذل قصاري جهده من أجل محو ماضيه و ماضي أجداده... وحده الجاهل من يتجاهل أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مأساة أو مهزلة و بأننا، في حضن السيد الباجي قايد السبسي ، مقبلون لا محالة علي كليهما... وحده الغريب عن هذا الوطن المتكسر و عن عذابات هذا الشعب الأبي من يعتقد أن النهوض به و إعادة بنائه يمكن ان يكون بأيدي من أمعنوا في تخريبه و نهبه و استباحة مقدراته...هي أصلا الأيادي المرتعشة لا تقوى علي البناء..فما بالك بأياد مازالت أمارات القتل و التعذيب و النهب و التخريب منقوشة عليها!!! ثم إنه سطحي التفكير من يتوهم أنني بهذا الكلام بصدد تبرئة المرزوقي من عديد الأخطاء التي ارتكبها عمدا منه أو بفعل مكر بعض المحيطين به من بني حزبه الذين جعلوا من غدره حرفةً و مورد رزق أو بفعل إمعان شريكه السياسي الرئيسي في تقزيمه وفي إبعاده قدر المستطاع عن الشأن العام و المشاركة في القرار الوطني، و مستغلين في ذلك أيضا استقالة العديد من القيادات المناضلة و المؤسسة للمؤتمر ، و مستغلين في ذلك خاصة دستورا صغيرا ضامنا لهيمنة الإخوان علي كل مفاصل الدولة… أجل أخطاء المرزوقي كثيرة و بعضها قد لا يغتفر: موقفه من صفقة تسليم البغدادي المحمودي، موقفه من محاكمة الصديق أيوب المسعودي الذي شهر بتلك الصفقة، موقفه المحتشم من العنف و الإرهاب، موقفه السلبي من سلبية الهيئة العليا لحقوق الإنسان، ووعوده التي تراجع فيها بالتصدي لمهزلة الأحكام العسكرية، موقفه المتسرع و المرتجل من الأزمة السورية و من مؤتمر أصدقاء سوريا، موقفه من المتمتعين زورا و بهتانا بالعفو الخاص و من المحرومين منه ظلما ...و من… و من... لقد كان موقفي واضحا إزاء كل تلك الأخطاء, و كنت فاضحاً لخلفياتها و مهاجما للمبررين لها أو المتمعشين منها... لذا ممنوع المزايدة رجاء في هذا الخصوص.... و لكن و رغم كل ذلك، لن أتجرأ عن المقارنة بين المرزوقي و السبسي...فهي لا تجوز أصلا. و سأكتفي في المقابل ببعض الأسئلة الاستنكارية علها تساهم في كشف ما نحن نتعمد تجاهله: هل جاد التاريخ علي هذه البلاد برئيس..لقبيلة أو لعائلة أو جمعية أو لعرش أو حتي لشركة أو عصابة...فما بالك برئيس الجمهورية...طالته سهام السب و الشتم و التشكيك و التخوين مثل المرزوقي؟ هل قرأنا عن رئيس لم يسلم عرضه و لا شرفه و لا سمعته و لا سمعة ذويه من القدح و التهكم و الهتك و الاستباحة كالمرزوقي؟ هل حدثوكم عن رئيس سُخرت من أجل الإطاحة به ماكينات المال و الإعلام، و تجند قوم عرمرم من المرتزقة و من أولائك الذين ينعتهم صديقي الأمين البوعزيزي ب «الصبايحية» للتهجم المجاني و الفولكلوري المبتذل عليه و علي رصيده النضالي الذي راكمه سنوات الجمر، حين كان هؤلاء الصبايحية و البعض من هؤلاء الثوارجية لا يجرؤون حتي علي كتابة سطر أو إمضاء بيان مندد أو ناقد للنظام؟؟؟ هل حدثنا تاريخ تونس القديم و الحديث عن رئيس جمهورية تعرض لما لذ و طاب من صنوف الجرائم اللفظية و الأخلاقية و كذك المادية، و رغم ذلك لم يسرع إلي سل سيوفه و تنجير هراواته و استنفار بوليسه و قضائه للانتقام و الردع؟؟؟ هل من رئيس في المعمورة تعرض لبعض ذلك، و رغم ذلك لم يهرول لمقاضاة المعتدين و زجرهم؟؟؟ ربما من هذه الزاوية، قد أطالب مستقبلاً بإدراج إسم الدكتور محمد المنصف المرزوقي ضمن موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية... لما لا!!! إلى ذلك، فإنني قد أجد العشرات من الأسباب التي تدفعني مقتنعاً إلى التصويت للمرزوقي بدءًا بالتهديدات الجدية للعودة للإستبداد التي قد تتعزز بإحتكار طرف سياسي بعينه لكافة مقاليد الحكم وهيمنته على مختلف السلطات. ولكنني سوف أقف عند أهمها بالنسبة لي: فالمرزوقي، وبعض القيادات والأحزاب الثورية الأخرى، هو من القلائل الذين وقفوا بصدق إلى جانب ضحايا النظام السابق عموماً، وإلى جانب عائلات شهداء الثورة وجرحاها بشكل خاص. فالرجل، ورغم الهامش الضيق الذي منحه إياه الدستور الصغير في القرار وفي المبادرة، ورغم الصلاحيات المحدودة التي أصّر شركاؤه في الحكم أن تبقى كذلك، ورغم حملات التشكيك والتشويه والإتهام بالتقصير والتواطؤ التي استهدفته، إلا أنه لم يتأخر في الإتصال بهم والتواصل معهم ومع ذويهم،... لم يتأخر في استقبالهم وفي إستقبال محامييهم وممثليهم، وأحياناً كثيرة كان ذلك بعيداً عن الأضواء... لم يتأخر في مد يد المساعدة المعنوية، وفي تخصيص جزء من ميزانية رئاسة الجمهورية لإعانة بعض عائلات الشهداء ولإسعاف بعض الجرحى ومعالجتهم وإنقاذهم من مهانة التسول والإرتزاق... وأنا كنت شاهداً على ذلك، وعلى علم بإنزعاج شريكه الرئيسي في الحكم من ذلك السلوك المبدئي المتضامن... وأنا شخصياً، ومن هذا المنبر اشكره على عدم الترويج لتلك الوقفة الصادقة إعلامياً، وعلى موقفه النبيل في عدم الإفصاح عن تفاصيلها وإستثمارها سياسياً... على الأقل حتى يضمن الحد الأدنى من كرامة الضحية... وحتى لا يُتهم بتوظيف الملف والمتاجرة به مثلما تجنح إلى ذلك بعض الأقلام... إذا كنت في الدورة الأولى من الرئاسية قد منحت صوتي مقتنعاً ومفتخراً إلى مرشح الجبهة الشعبية السيد حمة الهمامي، فإنني في هذه الدورة الثانية قد حسمت موقفي بنفس الفخر والإقتناع،... بأن أكون سيد موقفي... وحسبي بأن النساء والرجال مواقف حين تقف أزقة شوارعنا للهاربين... سوف امنح صوتي للدكتور محمد المنصف المرزوقي.