لليوم الرابع على التوالي عاشت أمس العاصمة شللا بسبب الإضراب المفتوح الذي دخل فيه أعوان النقل العمومي بصفة فجئية منذ يوم الاثنين الماضي، احتجاجا على عدم تمكينهم من منحة نهاية العام، وقد انعدمت حركة الحافلات وخلت محطات المترو الخفيف من الركّاب مقابل تواصل استياء المواطنين الذين شلت وتيرة حياتهم وتعطلت مصالحهم. هذا التصعيد غير المسبوق عجزت الوزارة عن السيطرة عليه بسبب تمسك الأعوان بالعودة المشروطة للعمل وفشل معه أيضا قرار التسخير. الإضراب حق دستوري الإضراب هو امتناع عمال المنشأة أو فريق منهم عن العمل بطريقة منظمة ولمدة محددة مرتبط بالمطالبة ببعض حقوقهم، ويعتبر الإضراب أحد أهم الآليات التي يستخدمها العمال للدفاع عن مصالحهم وهناك دول تقنن حق الإضراب ، وهناك دول أخرى تتجاهل هذا الحق فلا تحظره ولا تقننه مثل قانون العمل المصري السابق رقم 137 لسنة 1981، وهناك تشريعات دول أخرى تفرض عقوبات جنائية على المضربين. وقد جاء التنصيص على حق العمال في الإضراب بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك في الاتفاقية رقم 87 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والتي ذهبت إلى أن شروط الإضراب المشروع يجب أن تكون مرتبطة بمطالب يمكن تنفيذها وإلا يكون من شأنها التقليل من الوسائل المتاحة أمام المنظمات النقابية. وذهبت منظمة العمل إلى انه قد يكون مقبولاً فرض التزام على النقابات بإخطار صاحب العمل قبل الدعوة إلى إضراب، وكذلك مما يتفق مع الالتزامات والإجراءات الواردة في الاتفاقية والتي تضمنت فترة (تهدئة) قبل الدعوة إلى إضراب ولكن لا يجب أن تكون هذه الإجراءات ثقيلة لدرجة تجعل حدوث إضراب شرعي امرأ مستحيلاً في الواقع. وقد نص الفصل 8 من دستور غرة جوان 1959 على أن الحق النقابي مضمون، إلا أن الحماية الدستورية للحق النقابي لم تمنع الحكومات التونسية المتعاقبة من محاصرة العمل النقابي باستعمال التتبع الجزائي للناشطين النقابيين بتهم تعطيل حرية العمل وفق أحكام الفصل 136 من المجلة الجزائية، والذي نص على انه «يعاقب بالسجن مدة 3 أعوام وبخطية قدرها سبعة وعشرين دينارا، كل من يتسبب أو يحاول أن يتسبب بالعنف أو الضرب أو التهديد أو الخزعبلات في توقف فردي أو جماعي للعمل أو تسبب أو حاول أن يتسبب في استمرار توقفه»، وهو الذي دفع بالنقابيين إلى التمسك بحقهم، والسعي إلى إدراجه بدستور الجمهورية الثانية، وهو ما تأكد من خلال مقتضيات الفصل 27 منه والذي نص على أن «الحق في الإضراب مضمون ما لم يعرّض حياة الناس أو صحتهم للخطر». هذا الإقرار بحق الإضراب كان محدودا وضيقا على معنى الفصل 27 من الدستور، وفتح بابا للتأويل والجدل واختلاف الآراء فيه، خاصة في ما تعلق بإضراب العاملين في القطاعات العمومية والمشغلة للقطاعات الحيوية، والتي بإضرابها تتعطل مصالح الناس ويحدث ضرر جسيم. إلا أن الفصل 35 من الدستور التونسي أوقف الجدل حول منع ممارسة الإضراب، واقر الإضراب كحق أساسي، في تناغم مع مقتضيات المادة 8 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالتالي أصبح الإضراب حقا أساسيا يضمنه الدستور ويكفله، ولا يمكن منعه أو تجريمه لاحقا. تسخير العمّال هو تسخير عدد من العمال المضربين ليتولوا ضمان تواصل العمل. ويعد التسخير آلية قانونية نص عليها الفصل 389 من مجلة الشغل، المنقح بالقانون عدد 77 لسنة 1973، والمؤرخ في 8 ديسمبر 1973، ثم بالقانون عدد 29 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994، الذي يبين أن التسخير يتعلق بعملة المؤسسة بما يعني تحجير استعمال غيرهم للتشويش على إضرابهم، حيث نص القانون على أنه «يمكن تسخير المؤسسة أو عملتها بمقتضى أمر، إذا تقرر إضراب أو صد عن العمل أو شرع فيه وكان من شأنه أن يخل بالسير العادي لمصلحة أساسية». كما حدد إجراءات التسخير، على أنها تتم بقرارات فردية تبلغ للأعوان المعنيين أو بالتعليق بمقر العمل أو ببلاغات في الإعلام، في صورة ما إذا تم تسخير كل أعوان المؤسسة المضربين. ويؤدي صدور قرار التسخير الى نزع شرعية الإضراب عمّن تم تسخيرهم كما يجعلهم في صورة رفض الامتثال عرضة لتتبعات جزائية تتراوح عقوبتها السجنية بين الشهر الواحد والعام وخطية مالية بين 100 و500 دينار، أو بإحدى العقوبتين، وفي صورة العود تُضاعف العقوبتان حسب مقتضيات الفصل 390 من مجلة الشغل المنقح بالقانون عدد 77 لسنة 1973 المؤرخ في 8 ديسمبر 1973. وتبقى استجابة العمال لقرارات التسخير محدودة وان كان التسخير يعد من الإجراءات المعمول بها في مختلف التشريعات بما في ذلك الدول الأوروبية. الإضرابات العشوائية لقد اقر القانون العديد من الإجراءات في ما تعلق بالاعتصامات والإضرابات العشوائية، لعل من اهمها الفصل 388 من مجلة الشغل الذي أقر أنه في صورة وجود اضراب أو صد عن العمل مخالفين للقانون، فإن كل من حرّض على مواصلة الإضراب أو الصدّ عن العمل أو شارك فيهما يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وثمانية أشهر وبخطية تتراوح بين 100 و500 دينار. وفي صورة العود تضاعف العقوبتان، كما يعاقب بنفس العقوبات كل من احتل أماكن الشغل مدة الإضراب أو الصد عن العمل. ويعاقب بنفس العقوبة المقررة للإضراب المخالف للقانون، كل من استعمل الآلات أو الأجهزة أو الأدوات التي هي على ملك المؤسسة لغايات أخرى غير التي أعدت لها يعاقب بنفس العقوبات المنصوص عليها من هذا الفصل، خاصة إذا كان من شأن هذا الاستعمال الإخلال بسير العمل بالمؤسسة أو النيل من الأمن العام. كما يعاقب بنفس العقوبات المنصوص عليها بالفصل 137 من المجلة الجنائية كل من أضرّ أو حاول أن يضرّ أثناء الإضراب أو الصد عن العمل بأشياء أو آلات أو مواد أو بضائع أو أجهزة أو أدوات على ملك المؤسسة ولا ينطبق الفصل 53 من المجلة المذكورة في هذه الحالة. أما في ما تعلق بالعصيان، فقد اقر الفصل 116 من المجلة الجزائية «يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها 48 دينارا كل من يعتدي بالعنف أو يهدّد به للتعاصي على موظف عمومي مباشر لوظيفته بالوجه القانوني أو على كل إنسان استنجد به بوجه قانوني لإعانة ذلك الموظف. ويستوجب نفس العقاب المقرّر بالفقرة المتقدّمة كل من يعتدي بالعنف أو التهديد به على موظف عمومي لجبره على فعل أو ترك أمر من علائق وظيفته. ويكون العقاب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها 120 دينارا إذا كان الجاني مسلحا».